أنيس النفوس وغريب طوس في الذكرى
الـ( 1287 ) لولادته المباركة ..
روي عن النبيِّ محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله ) أنهُ قال :
( ستدفَنُ بضعةٌ منّي بخراسانَ ما زارَها مكروبٌ إلّا نفّسَ اللهُ كربَهُ ،
ولا مذنبٌ إلّا غفرَ اللهُ لهُ ذنوبَهُ ) .
في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام عام ( 148 ) للهجرة
وفي المدينةِ المنورةِ ،
لاحت بشائر متلألئة تهبط إلى الأرض من عوالم الغيب ،
لتمنّ على أهل الأرض بولادة نورٍ مقدّس من أنوار الإمامة الإلهية الساطعة ،
حيثُ عمَّ الفرحُ والسرورُ بيتَ الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ ( عليه السلام )
وابتَهَجَ المُوالونَ لَهذا البيتِ الشامخِ الرفيع الذي أذِنَ اللهٌ أن يُرفَعَ ويُذكَرُ فيهِ اسمُه ،
وأشرقتِ الأرضُ وازدانتِ السماءُ بولادةِ خيرِ أهلِ الأرضِ الإمام
عليّ بن موسى الرَضا وسميّ المرتضى ( عليهما السلام ) ،
وكان ذلك بعد وفاةِ جدّه الإمامِ الصادقِ ( عليه السلام ) بخمسِ سنينَ ،
وأمُّهُ أمُّ وَلَد اسمُها ( تكتُمُ ) وقيلَ ( نجمةُ ) وهي من أفضلِ النساءِ في عقلِها ودينِها ،
وقد سمَّاها الإمامُ الكاظمُ ( عليه السلام ) الطاهرةِ .
ومِنَ السائدِ والمتعارفِ عند الموالين للبيتِ العلويِّ الطاهرِ
وشيعةِ أهلِ البيتِ ( عليهم السلام ) ،
أن تبدأَ حياة الإمام المعصوم بِكرامةٍ وتنتهيَ بِكرامة ،
أمّا بالنسبةِ إلى الإمام الرِضا ( صلوات الله عليه ) ،
فهناك كرامةٌ باطنةٌ وهي كرامةُ ما قبلَ الولادةِ الشريفةِ الطاهرة ،
نرى من المفيدِ الإشارةَ إليها .
عنِ الشيخِ الصَدوقِ بِسَنَدٍ ينتهي إلى علي بن مَيثَم عن أبيه ،
قال : سَمِعتُ أمّي تقول : سَمِعَتُ نجمةَ أمِّ الرِضا تقول :
" لمّا حَمَلتُ بابني الرِضا لم أشعرْ بِثِقْلِ الحملِ ،
وكنتُ أسمعُ في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً مِن بطني ،
فَيُفْزِعُني ذلك ويهولُني ،
فإذا انتبهتُ لم أسمعْ شيئاً ،
فلمّا وَضَعْتُهُ وَقَعَ على الأرضِ واضعاً جَبْهَتُهُ على الأرضِ رافِعاً رَأسهُ إلى السماءِ ،
يُحرِكٌ شَفَتَيْهِ كأنّهُ يَتَكَلَم ،
فَدَخَلَ إليَّ أبوهُ موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فَقالَ لي :
" هنيئاً لَكِ يا نجمة ، كرامةٌ لكِ من ربِّكِ " .
فَناوَلتهُ إيّاهُ في خِرقَةٍ بَيضاءَ فَأخذَهُ وَأذَّنَ في أُذُنُهِ اليُمنى وأقامَ
في اليُسرى ودعا بِماءِ الفُراتِ فحَنَّكَهُ فيهِ ،
ثمّ ردَّهُ إليَّ وقالَ لي : " خُذيهِ يا نجمةُ فَإنّهُ بَقيَّةُ الله في الأرض " .
فَبورِكَ مولودٌ وبورِكَ مَوْلِدٌ أبوهُ عليُّ الخيرِ والجدُّ أحمدُ
إنّ الغوص في بحر فضائل الإمام الرضا ( عليه السلام )
والتعرّض لزهده والإشادة بكرمه وكراماته حديثٌ يأخذ الوقت منا مأخذه
ولا ينتهي بيومٍ وليلة ،
وطبقاً لقاعدة - خير الكلام ما قلّ ودلّ - ودفعاً للإطالة ،
لا يسعنا إلّا أن نقف بين يدي الإمام الرضا ( عليه السلام )
في يوم مولده المبارك ونتمثّل قول الشاعر أبي نؤاس الذي وقف عاجزاً
عن مدح الإمام الرضا ( عليه السلام )
حينما طُلب منه ذلك قائلاً :
قِيلَ لي : أنتَ أَوْحَدُ النّاسِ طُرّاً في فُنُونٍ مِنَ الكَلامِ النَبيهِ
لَكَ مِنْ جَوْهَرِ الكَلامِ بَديعٌ يُثمر الدرّ في يدَيْ مُجتَنيهِ
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والخصالَ التي تجمّعن فيهِ ؟
قلت : لا أهتدي لمدح إمامٍ كان جبريلُ خادماً لأبيهِ
فكانت ولادته ( عليه السلام ) تجلّياً جديداً للخير والهدى وحقيقة التوحيد ،
وكان ( عليه السلام ) قائداً ربّانياً منقذاً في عواصف التسلّط والهوى والانكفاء ،
وإماماً أماناً هو الثامن من أئمّة أهل البيت الطاهرين المعصومين ( عليهم السلام ) ،
مباركٌ هو يومُ مولده ومباركةٌ للناس هذه الهبةُ الإلهيةُ الكبيرة ،
وفّقنا الله تعالى في الدنيا لزيارته وأنالنا في الآخرة شفاعته ،
وتلك نعمة سابغة وفوز كبير،
والسلامُ عليه يومَ وُلد ويومَ استُشهد مسموماً ويومَ يُبعث حيّاً ..
لمزيد من التفاصيل عن الموضوع
اضغط هنا