يطلب إمامنا زين العابدين وسيد الساجدين سلام الله عليه في طيّ دعائه هذا الذي نستنير به والموسوم بدعاء مكارم الأخلاق أن يحلّيه الله تعالى بحلية الصالحين ويلبسه زينة المتقين، والتي من جملة مصاديقها ما قد سلف بيانه، فيقول تتميماً لمبتغاه: وإفشاء العارفة، وستْر العائبة، ولين العريكة. الإفشاء النشر والإذاعة والإظهار. والعارفة: المعروف، والتاء فيها باعتبار الخصلة؛ فإفشاء العارفة يعني نشر المعروف. أمّا العائبة ـ وهي مؤنث العائب، والتأنيث فيها باعتبار الخصلة ـ فهي ضدّ العارفة والمعروف. وأمّا السَّتر فالإخفاء؛ فيكون معنى إفشاء العارفة: نشر المعروف وعدم إخفائه، ومعنى ستر العائبة: إخفاء المنكر وعدم إظهاره. وهاتان الخصلتان من صفات الله تعالى؛ ففي الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق سلام الله عليه: «يا من أظهر الجميل وستر القبيح» أمّا كيف يكون إفشاء العارفة وستر العائبة؟ الجواب: أولاً: بالعمل بالمعروف، والانتهاء عن المنكر؛ فإنّ العمل بالمعروف يُعدّ أصدق مصاديق إظهاره، كما أنّ الانتهاء عن المنكر يعدّ كذلك من مصاديق إماتته وإخفائه. فالواجب إذاً يحتمّ على المؤمن أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرّمه ومكروهه. ثانياً: أن نذكر الذين يعملون المعروف ونمدحهم، فنقول مثلاً: فلان وقور وفلان مخلص وهكذا. فهذا يعدّ نشراً للعارفة، وأن نستر على الذين زلّوا ولا نشيع ذكر ما عملوا من المنكرات. ثالثاً: أن لا ننسى معروف الآخرين إلينا ونذكره، وننسى معروفنا إليهم فلا نذكره؛ روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال إذا صنع اليك معروف فاذكره، إذا صنعت معروفاً فانسه أي إذا أحسن إليك شخص ما، فمن إفشاء العارفة أن تذكر لغيرك أنّ فلاناً قد أحسن إليك. أمّا إذا أحسنت إلى غيرك، فليس من العارفة أن تذكر ذلك أينما حللت وارتحلت لتقول مثلاً: «لولاي لكان وضع فلان كذا وكذا» لأنّ هذا يعدّ من العائبة. لقد كان السيّد محمد تقي الخونساري رحمه الله مرجعاً للتقليد في مدينة قم يوم دخلها السيّد البروجردي وكلاهما كانا من تلامذة المرحوم الآخوند (صاحب الكفاية) رحمه الله. ففي إحدى الزيارات المتبادلة بينهما قال السيّد الخونساري للسيد البروجردي: كنت أحضر درسكم في النجف الأشرف، فأنت أستاذي. وربما كانت المدّة التي تتلمذ فيها السيّد الخونساري عند السيّد البروجردي رحمه الله قصيرة جدّاً، ولكن السيّد الخونساري كان يرى أنّ من إفشاء العارفة وأداء حقّ التعليم أن يذكر ذلك ويبيّنه، وإن كان مرجعاً للتقليد. الأمر الذي يبيّن أنّ إفشاء العارفة بحاجة إلى عزم وإيثار وإيمان وتوكّل على الله تعالى؛ فإنّ النفس لا تدع الإنسان عادة يتنازل أمام أصدقائه ومعارفه. ففي مثل هذه الحالة، وبعد أن ذكر السيّد الخونساري ذلك، ترون ماذا سيكون موقف السيّد البروجردي تجاه ما أعلنه السيّد الخونساري؟ هل يؤيّد كلامه وهو يعلم أنّه ليس من العارفة أن يذكر الإنسان إحسانه إلى غيره؟ أم ينكر الحقيقة، وذلك لا يصحّ أيضاً. لقد بادر السيّد البروجردي إلى حلّ وسط، فجعل نفسه كمن لا يتذكّر ـ أي أعطى انطباعاً لذلك، دون أن يقع في الكذب ـ تخلّصاً من حراجة الموقف. ولكن السيّد الخونساري أعاد الكلام ثانية وأكّده. فقال السيّد البروجردي: لعلّي لا أتذكّر فتبسّم السيّد الخونساري وقال: يحقّ لك أن تنسى لأنّ كثيرين من أمثالي درسوا عندكم؛ ولذا من الطبيعي أن لا تتذكّروني، أمّا أنا فمن حقّي أن لا أنسى لأنّي قلّما رأيت أستاذاً مثلكم، ولذلك لا أنساكم. كما ينبغي لنا أن نتحلّى بحلية الصالحين في إفشاء العارفة، كذلك الحال في ستر العائبة وإخفاء عيوب الآخرين فضلاً عن عيوب أنفسنا. |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
إفْشاء العَارِفَة، وسَتر العائبَة
تقليص
X
-
إفْشاء العَارِفَة، وسَتر العائبَة
التعديل الأخير تم بواسطة ياراعي الجود; الساعة 13-10-2014, 12:45 PM.قاسوك ابا حسن بسواكوهل بالطود يقاس الذر أنىّ ساووك بمن ناووك وهل ساووا نعلي قنبرالكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
المشاركة الأصلية بواسطة احمد البرائي مشاهدة المشاركةيطلب إمامنا زين العابدين وسيد الساجدين سلام الله عليه في طيّ دعائه هذا الذي نستنير به والموسوم بدعاء مكارم الأخلاق أن يحلّيه الله تعالى بحلية الصالحين ويلبسه زينة المتقين، والتي من جملة مصاديقها ما قد سلف بيانه، فيقول تتميماً لمبتغاه: وإفشاء العارفة، وستْر العائبة، ولين العريكة.
الإفشاء النشر والإذاعة والإظهار. والعارفة: المعروف، والتاء فيها باعتبار الخصلة؛ فإفشاء العارفة يعني نشر المعروف.
أمّا العائبة ـ وهي مؤنث العائب، والتأنيث فيها باعتبار الخصلة ـ فهي ضدّ العارفة والمعروف. وأمّا السَّتر فالإخفاء؛ فيكون معنى إفشاء العارفة: نشر المعروف وعدم إخفائه، ومعنى ستر العائبة: إخفاء المنكر وعدم إظهاره. وهاتان الخصلتان من صفات الله تعالى؛ ففي الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق سلام الله عليه: «يا من أظهر الجميل وستر القبيح»
أمّا كيف يكون إفشاء العارفة وستر العائبة؟ الجواب:
أولاً: بالعمل بالمعروف، والانتهاء عن المنكر؛ فإنّ العمل بالمعروف يُعدّ أصدق مصاديق إظهاره، كما أنّ الانتهاء عن المنكر يعدّ كذلك من مصاديق إماتته وإخفائه. فالواجب إذاً يحتمّ على المؤمن أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرّمه ومكروهه.
ثانياً: أن نذكر الذين يعملون المعروف ونمدحهم، فنقول مثلاً: فلان وقور وفلان مخلص وهكذا. فهذا يعدّ نشراً للعارفة، وأن نستر على الذين زلّوا ولا نشيع ذكر ما عملوا من المنكرات.
ثالثاً: أن لا ننسى معروف الآخرين إلينا ونذكره، وننسى معروفنا إليهم فلا نذكره؛ روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال إذا صنع اليك معروف فاذكره، إذا صنعت معروفاً فانسه أي إذا أحسن إليك شخص ما، فمن إفشاء العارفة أن تذكر لغيرك أنّ فلاناً قد أحسن إليك. أمّا إذا أحسنت إلى غيرك، فليس من العارفة أن تذكر ذلك أينما حللت وارتحلت لتقول مثلاً: «لولاي لكان وضع فلان كذا وكذا» لأنّ هذا يعدّ من العائبة.
لقد كان السيّد محمد تقي الخونساري رحمه الله مرجعاً للتقليد في مدينة قم يوم دخلها السيّد البروجردي وكلاهما كانا من تلامذة المرحوم الآخوند (صاحب الكفاية) رحمه الله.
ففي إحدى الزيارات المتبادلة بينهما قال السيّد الخونساري للسيد البروجردي: كنت أحضر درسكم في النجف الأشرف، فأنت أستاذي.
وربما كانت المدّة التي تتلمذ فيها السيّد الخونساري عند السيّد البروجردي رحمه الله قصيرة جدّاً، ولكن السيّد الخونساري كان يرى أنّ من إفشاء العارفة وأداء حقّ التعليم أن يذكر ذلك ويبيّنه، وإن كان مرجعاً للتقليد. الأمر الذي يبيّن أنّ إفشاء العارفة بحاجة إلى عزم وإيثار وإيمان وتوكّل على الله تعالى؛ فإنّ النفس لا تدع الإنسان عادة يتنازل أمام أصدقائه ومعارفه.
ففي مثل هذه الحالة، وبعد أن ذكر السيّد الخونساري ذلك، ترون ماذا سيكون موقف السيّد البروجردي تجاه ما أعلنه السيّد الخونساري؟ هل يؤيّد كلامه وهو يعلم أنّه ليس من العارفة أن يذكر الإنسان إحسانه إلى غيره؟ أم ينكر الحقيقة، وذلك لا يصحّ أيضاً.
لقد بادر السيّد البروجردي إلى حلّ وسط، فجعل نفسه كمن لا يتذكّر ـ أي أعطى انطباعاً لذلك، دون أن يقع في الكذب ـ تخلّصاً من حراجة الموقف. ولكن السيّد الخونساري أعاد الكلام ثانية وأكّده.
فقال السيّد البروجردي: لعلّي لا أتذكّر
فتبسّم السيّد الخونساري وقال: يحقّ لك أن تنسى لأنّ كثيرين من أمثالي درسوا عندكم؛ ولذا من الطبيعي أن لا تتذكّروني، أمّا أنا فمن حقّي أن لا أنسى لأنّي قلّما رأيت أستاذاً مثلكم، ولذلك لا أنساكم.
كما ينبغي لنا أن نتحلّى بحلية الصالحين في إفشاء العارفة، كذلك الحال في ستر العائبة وإخفاء عيوب الآخرين فضلاً عن عيوب أنفسنا.
السلام عليكم أخي القدير أحمد البرائي ورحمة الله وبركاته..
بارك الله تعالى بنشركم وحسن اختياركم وثبّتكم على طريق محمد وآل محمد عليهم السلام..
أين مجتمعنا عن هذه المعاني السامية التي يجب أن يتحلّى بها ويجعلها دستوراً يعتمد عليه..
بل بالعكس أصبح الناس ينقادون بكل بساطة الى ما ينسجه الشيطان، فاذا ما فعل أحد معروفاً فتجده يتكلّم في كلّ مكان حتى حدّ الملالة، وإذا ما صادف سوءاً من أحد نتيجة غفلة أو في حالة عصبية أو أي عذر آخر مع انّه كان من أحسن الاصدقاء أو الأقرباء له، فسرعان ما يُنسى كلّ ذلك بلحظة واحدة وكأنّ كلّ ذلك البناء قدّ هدّ في هبّة ريح واحدة وصار ذلك العمل السابق كرماد تذروه الرياح..
ولو انّا تربينا التربية المحمدية العلوية لما وصلنا الى هذه الحال، فأين نحن من قول أمير المؤمنين عليه السلام ((لا يكوننّ أخوكَ على الإساءةِ إليكَ أقوى منكَ على الإحسانِ إليه)).
- اقتباس
- تعليق
تعليق