صلح الإمام الحسن (عليه السلام) الدلائل والحيثيات
للمحامي رامي احمد الغالبي
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
كثيرٌ هم السذج في عالمنا الإسلامي وخاصةً عند قرائتهم للوقائع التأريخية واعطائها ترجمان يُدخل الإرباك والخلل عند عقائد المسلمين, ومن عقائد المسلمين الشيعة الإثنى عشرية (( الإمامة)) لذا فإن اي دسٍ للسم وسط العسل يسبب خللاً لدى عقيدة العوام في داخل هذا المذهب المبارك.للمحامي رامي احمد الغالبي
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
ولو تتبعنا ان مخالفينا يكثرون من دس السم في وسط العسل في قضية الإمام الحسن (عليه السلام), ونشر روايات مختلقة لغرض بيان ان صلحه مع معاوية يدل بلالة واضحة على تنازله عن الإمامة السياسية والدينية لمعاوية, ثم تبدأ التبريرات المضحكة للثكلى من انه اراد بذلك وحدة الأمة واراد من ذلك الحفاظ على دماء المسلمين وانه رأى في معاوية الصلاح والخير ... الخ, لذا فإن الإجابة على هذه التخرصات وبيان حيثيات ودلائل صلح الإمام الحسن (عليه السلام) وحصرها بأربع نقاطٍ كالتالي:ــ
1ـ إن الامام الحسن (عليه السلام) بايع معاوية بيعة حقيقية!!!
2ـ إن الامام الحسن (عليه السلام) تنازل عن الخلافة لمعاوية!!!
3ـ إن الامام الحسن (عليه السلام) بايع مختاراً وبدون ظروف قاهرة!!!
4ـ إن معاوية عمل بشروط البيعة أو الصلح!!!
وإثبات كل واحدة من هذه المقدمات دونه خرط القتاد , كما سنحاول مناقشتها لبيان عدم إمكانية ثبوتها .
النقطة الاولى :
إنّ المصادر التاريخية التي بمتناول أيدينا تثبت عدم حدوث بيعة من الامام الحسن (عليه السلام) لمعاوية، بل لم يكن في الأمر غير المعاهدة والصلح. وهذا غير البيعة كما يشهد له كل من عنده بعض الالمام بالعربية .
1ـ قال يوسف [ بن مازن الراسبي ] : فسمعت القاسم بن محيمة يقول: ما وفى معاوية للحسن بن علي صلوات الله عليه بشيء عاهده عليه [ علل الشرائع ج1 ص200 ] .
2ـ في كلام له (عليه السلام) مع زيد بن وهب الجهني قال: (والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني…).[ الاحتجاج 2/69/158 , كمال الدين ] .
3ـ ( فوالله لان أسالمه… ) في كلام له (عليه السلام) مع زيد بن وهب. [ الاحتجاج 2/69/158 ] .
4ـ فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة. [ الارشاد للمفيد 2/14 ] .
5ـ في رواية له (عليه السلام): (إنما هادنت حقناً للدماء…). [ المناقب لابن شهر آشوب ] .
6ـ لما وادع الحسن بن علي (عليهما السلام) معاوية. [ الامالي الشيخ الطوسي أو الصدوق ] .
ومما يؤيد للمتتبع أن جميع المصادر التاريخية القديمة حين تذكر أحداث (عام 41هـ) تقول (صلح الحسن) وليست (بيعة الحسن)!
النقطة الثانية :
هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس مهما كانت الوسائل والسبل وبين الخلافة الالهية، فحتى لو سلّمنا ببيعة الحسن (عليه السلام) فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس، وهذا لا يعني على الاطلاق التنازل عن الخلافة والمنصب الالهي، بل وليس من صلاحية الامام ذلك. فتعينه إماماً للناس وخليفة كان من قبل الله تعالى فلا يمكن التنازل عنه فهو كما يعبر عنه الفقهاء من الحقوق التي لا يصح إسقاطها، ولا نقلها. ومما يدل على ذلك الروايات الكثيرة الدالة على ثبوت الخلافة للحسن (عليه السلام): (إمامان قاما أو قعدا).
وكيف يجوز للحسن (ع) نزع ثوب ألبسه الله إياه وذلك حينما بايعه المهاجرون والأنصار والمسلمون عامة بعد شهادة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟!
ومما يؤيد ذلك ما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يلين مفاء على مفيء)، أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين أبداً ولو تأمر عليهم لكان غاصباً لحقّ الامارة ظالماً لهم بحكم الشرع والعقل، فحيث كان معاوية طليقاً لم يكن له أن يتأمر على المسلمين. [ علل الشرايع ج1 ص200 ] .
النقطة الثالثة :
وهي نقطة مهمة جداً لو أمكن إثباتها لشكّلت منعطفاً حاداً في تحليلنا ولأمكن أن يقال ـ بوجه ما ـ شرعية قيادة معاوية وحكومته، وذلك لأن الانسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية وليس على ما أكره عليه أو اضطر اليه، فهو منفي عنه وغير منظور عقلاً ونقلاً إذ يستحيل عقلاً أن يكلف العبد ما لا يطيق.
مضافاً الى الايات والروايات المشيرة الى هذا المعنى قال تعالى : ((لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها)) و (( ما جعل عليكم في الدين من حرج )) وقول رسول الله (ص): (رفع عن أمتي تسعة …وما أكرهوا عليه… وما اضطروا اليه…).
وبعد هذه المقدمة نقول :
إنّ دراسة الظرف الذي عاشه الامام الحسن (عليه السلام) يجعلنا نقطع بعدم امكانية الاحتمال الاول وهو (الاختيارية) في حقه وتعيين الثاني، ومعه لا مجال للقول بشرعية خلافة معاوية لأجل تنازل الحسن (عليه السلام) له فهو يؤخذ به لو كان تنازله طواعية وليس كرهاً واضطراراً.
ولابد لتعيين الاحتمال الثاني من النظر في ثلاثة أمور:
1ـ حالة قوّاد جيش الامام (عليه السلام).
2ـ أهل الكوفة .
3ـ رؤساء القبائل.
الاول:
فإن الامام أرسل في البدء قائداً من كنده في اربعة الاف مقاتل، توجه الى الأنبار، فارسل اليه معاوية بخمسمائة ألف درهم فأخذها وتوجه اليه مع مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.
ثم أرسل الامام (عليه السلام) قائداً من مراد في أربعة الآف ، فكتب لهم معاوية وأرسل له خمسمائة ألف درهم ومنّاه أي ولاية أحبّ من كور الشام فتوجه اليه. [ الخرائج ] .
ثم أرسل الامام (عليه السلام) ابن عمّه عبيد الله بن عباس قائداً على الجيش فضمن له معاوية ألف الف درهم يعجل له النصف ويعطيه النصف الاخر عند دخوله الى الكوفة فانسل في الليل الى معسكر معاوية. [ رجال الكشي إلا أن فيه مائة الف درهم ].
الثاني :
إن أكثر أهل الكوفة قد كتبوا الى معاوية : إنا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه اليك. [ البحار ج44 الباب 3 ]
الثالث:
كتب جماعة من رؤساء القبائل الى معاوية بالسمع والطاعة له في السّر واستحثّوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن (ع) اليه عند دنوّهم من عسكره . [ الارشاد للمفيد : 2/12 ] .
ومن ذلك ما ينقله التاريخ عن قول المختار الثقفي لعمه : هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: تستوثق من الحسن (ع) وتستأمن به الى معاوية … [ الكامل في التاريخ / ج3 / سنة 41 ] .
وإذا رأينا الروايات التي يذكر فيها الامام (سلام الله عليه) سبب مصالحته مع معاوية لوجدنا أن الطريقة التي استعملها الامام (وهو الصلح) كانت هي المتعينة لكل لبيب ولكل خبير بالامور العسكرية.
فمضافاً الى ما ذكرناه من النقاط الثلاث نذكر بعض الروايات زيادةً في التوضيح:
1ـ هنالك صنف من الروايات يصرّح الامام (عليه السلام) بقوله : (لولا ما اصنع لكان أمرٌ عظيم) .
وبالتأكيد ان هذا الامر العظيم من الخطورة والاهميّة بمكان بحيث يفضل الامام (ع) الصلح عليه ولعلّه يدخل في باب التزاحم كما يعبّر عنه الفقهاء ، وتجد هذا المعنى من الروايات في المصدر التالي : [ علل الشرائع ج1 ص 200 ] .
2ـ الصنف الاخر من الروايات يتحدث عن السبب بما حاصله (لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الارض أحدٌ إلا قتل).
وهذا القسم يعطينا صورة أوضح وادق من الاول ويمكن أن يكون شرحاً للامر العظيم الذي عبّرت به الروايات في الصنف الاول.
تجد ذلك في: [ علل الشرائع ج1 ص 200 ] .
3ـ الصنف الثالث يصرّح بالقول: (والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت).
تجد ذلك في : [ روضة الكافي ص 330 , الاحتجاج ج2 ص 68 رقم 157 , كمال الدين ج1 باب 29 رقم 2 , فرائد السمطين ج2 رقم 424 ] .
4ـ الصنف الرابع من الروايات يقول: (والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلماً).
وهذا الصنف من الروايات يشير اشارة واضحة الى ما اثبتناه في بداية النقطة الثالثة من الوضعية الحسّاسة والحرجة في جيش الامام (ع) والقلوب المريضة والضعيفة التي كانت تحكم الوضع آنذاك.
تجد ذلك في : [ الاحتجاج ج2 ص 69 الرقم 158 ] .
5ـ الصنف الخامس يقول: (فوالله لان اسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره أو يمنّ عليّ فتكون سبّة على بني هاشم الى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت). [ الاحتجاج ج2 ص 69 رقم 158 ] .
6ـ خطب الامام الحسن (عليه السلام) بعد وفاة أبيه : (… وكنتم تتوجهون معنا ودينكم امام دنياكم ، وقد أصبحتم ألآن ودنياكم امام دينكم وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا…). [ اعلام الدين للديلمي , ابن الاثير الجزري ج2 ص13 من أسد الغابة , الكامل في التاريخ ج3 سنة 41, تاريخ الاسلام للذهبي ، عهد معاوية سنة 41, سير اعلام النبلاء للذهبي ج3/ 269 ترجمة الحسن , تذكرة خواص الامة 114 ] .
7ـ قال الامام الحسن (عليه السلام) لخارجي عاتبه على صلحه: (.. إن الذي أحوجني الى ما فعلت: قتلكم أبي ، وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي). [ تذكرة الخواص , الكامل في التاريخ 3 / سنة 41, تاريخ الاسلام للذهبي / عهد معاوية سنة 41 ] . وقريب منه: [ الطبري في تاريخه 5 / 165, الاستيعاب لابن عبد البر المالكي ] .
8 ـ قول الامام الحسن (ع) لحجر بن عدي: (وانّما فعلت ما فعلت ابقاء عليكم). [ تنزيه الانبياء للشريف المرتضى ص223 ] .
9ـ قول الامام (سلام الله عليه) حينما عذلوه على الصلح: (لا تعذلوني فإن فيها مصلحة). [ المناقب لابن شهر آشوب ] .
ولو لاحظنا التشبيه الذي يستعمله الامام (ع) في بيان الهدف من صلحه لحصلنا على المزيد من القناعة بأن صلحه لم يكن إلا لمصلحة كبرى يقتضيها الاسلام ولا تعني على الاطلاق أهلية معاوية للخلافة:
1ـ في كلام يخاطب به أبا سعيد فيقول له: (علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية).[ علل الشرائع ج 1 ص 200 ] .
2ـ يشبّه جهلنا بالحكمة الداعية للصلح بقضية الخضر وموسى على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام.
فقال (عليه السلام) : (ألا ترى الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي). [ علل الشرائع ج1 ص 200 ] .
3ـ (وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه… وكذلك أنا). [ الاحتجاج ج2 ص 67 رقم 156 ] .
النقطة الرابعة والأخيرة :
قبل بيان وفاء معاوية للحسن (عليه السلام) بالشروط لابد من ذكر البنود التي اشترطها الامام (ع) على معاوية وإن كان من المؤسف جداً أن التاريخ أجحف مرّة أخرى بعدم ذكره التفصيلي لجميع البنود وإنما حصلنا على شذرات من هنا وهناك، ومن هذه البنود :
1ـ أن لايسمّيه أمير المؤمنين . [ علل الشرايع ج1 ص200 ] .
2ـ لا يقيم عنده شهادة. [ علل الشرايع ج1 ص200 ] .
3ـ لا يتعقب على شيعة علي (عليه السلام) شيئاً. [ علل الشرايع ج1 ص200 ] .
4ـ أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم، وان يجعل ذلك من خراج دار أبجرد. [ علل الشرايع ج1 ص200, الكامل في التاريخ 3/ سنة 41 ] .
5ـ وأن لا يشتم علياً. [ الكامل في التاريخ ج3 / سنة 41 ] . وقريب منه : [ سير أعلام النبلاء للذهبي ج3/ 264, تهذيب ابن عساكر 4/222 ] .
ولو تأمّلنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفي الخلافة عن معاوية، وهذا من تدبير الامام (عليه السلام) ، فمن المسلم به أن الامام (عليه السلام) من المؤمنين بل على رأسهم فاذا كان معاوية ليس أميراً للمؤمنين عملاً بالبند الأول فهذا يعني أنه ليس أميراً على الحسن (عليه السلام) بل على سائر المؤمنين، وكذلك البند الثاني فكيف يكون الانسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات.
مضافاً الى هذا وذاك، فإن التاريخ يصرّح بإن معاوية لم يف للحسن بن علي (عليهما السلام) بشيء عاهده عليه. (لاحظ: الكامل في التاريخ 3 / سنة 41هـ) قوله : … فطلب أن لا يشتَم ـ أي علي ـ وهو يسمع ، فأجابه الى ذلك ثم لم يف به أيضاً.
وأخيراً فقد بات من الواضح عند الجميع أن الصلح لا يمثل إعطاء خلافة لمعاوية ولا تنازل عنها ولا أي شيء من هذا القبيل