بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الأصبغ بن نباته : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي (ع) في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، فجعل الحارث يتّئد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا ، فأقبل عليه أمير المؤمنين (ع) - وكانت له منه منزلة - فقال : كيف تجدك يا حارث ؟.. فقال : نال الدهر يا أمير المؤمنين مني !.. وزادني أوباً غليلاً ، اختصام أصحابك ببابك .
قال : وفيم خصومتهم ؟.. قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، فمن مفرطٍ منهم غالٍ ، ومقتصدٍ تالٍ ، ومترددٍ مرتابٍ ، لا يدري أيقدم أم يحجم ؟.. فقال : حسبك يا أخا همدان !.. ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي ، فقال له الحارث : لو كشفت - فداك أبي
وأمي - الرين عن قلوبنا ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ؛ قال :
قدك ( أي حسْبك ) فإنك امرؤٌ ملبوسٌ عليك ، إنّ دين الله لا يُعرف بالرجال بل بآية الحقّ فاعرف الحقّ تعرف أهله.
يا حارث !.. إنّ الحقّ أحسن الحديث والصادع به مجاهدٌ ، وبالحق أُخبرك فارعني سمعك ، ثم خبّر به من كانت له حصانة من أصحابك :
ألا إني عبد الله، وأخو رسوله ، وصدّيقه الأول ، قد صدّقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صدّيقه الأول في أمتكم حقا .
فنحن الأولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته ، وأنا صفوه ووصيه ووليه ، وصاحب نجواه وسره .
أُتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب ، وعلم القرون والأسباب ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف عهد ، وأُيدت واتخذت وأُمددت بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك ليجري لي ولمن تحفّظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
وأُبشّرك يا حارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند المقاسمة ، قال الحارث : وما المقاسمة ؟..
قال : مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا وليي فاتركيه ، وهذا عدوي فخذيه ، ثم أخذ أمير المؤمنين (ع) بيد الحارث فقال :
يا حارث !.. أخذت بيدك كما أخذ رسول الله (ص) بيدي ، فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي - :
إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته - يعني عصمته - من ذي العرش تعالى ، وأخذت أنت يا علي بحجزتي ، وأخذ ذريتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع الله بنبيه ؟.. وما يصنع نبيه بوصيه ؟..
خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت - يقولها ثلاثا - فقام الحارث يجر رداءه ويقول : ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني .
قال جميل بن صالح : وأنشدني أبو هاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر :
قـول علي لحارث عجـب *** كم ثمَّ أُعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يري *** من مؤمن أو مــنافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفـــه *** بنعته واسمه وما عملا
وأنت عند الصراط تعـرفني *** فلاتخـف عثرة ولا زللا
أسقـيك مـن بارد على ظـمأ *** تخاله في الحلاوة العـسلا
أقول للنارحين توقـف للعرض ***دعيه لا تقتـلي الرجلا
دعـيه لا تقربــيه إنّ له *** حبلا بحبل الوصي متصلا
ص180المصدر مجالس المفيد
تعليق