إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بحث عميق في مدلول آية « وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا »

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحث عميق في مدلول آية « وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا »

    12 ـ آية الشهادة

    {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[1]

    كذلك
    :
    قيل: إنّ الظاهر بملاحظة ما سبق من الكلام في شأن القبلة أنّ المراد من قوله (وكذلك..) أنه كتحويل القبلة لغاية الهداية إلى صراط مستقيم جعلناكم أمة وسطاً لتحقق الشهادة. لكن لا يبعد أن تكون الواو للاستئناف، و(كذلك) كلمة يراد بها تثبيت الخبر على عكس ما تفيده لفظة (كلام).

    قال الخفاجي في ( شرح الشفا بحقوق المصطفى) بعد ما نقل عن الكشّاف وشرّاحه كلاماً طويلاً في معنى (كذلك): أقول: لم أزل أبحث عن هذا كل مَنْ ناقشته من الفضلاء، فلم أظفر بما يثلج الصدر، فتصفّحت الدفاتر، وراجعت خزائن الضمائر، فرأيت في شرح القصائد الطوال في شرح قول زهير:
    كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مسّتهم الضراء خيم
    نقلاً عن الجرجاني أنه قال: لفظ (كذلك) مما يكون تثبيتاً لخبر مقدم أو متأخر، فهي نقيض(كلا) لأنها تنفي[2].


    الوسط
    :
    الوسط: ما له الطرفان أو الاطراف، ويستعمل بمعنى العدل؛ لأن الوسط هو أعدل ما يكون من الشيء وأبعده من الانحراف. وبعبارة أخرى: لأن العدل متوسط بين التفريط والإفراط. ويقرب منه استعماله في معنى الخيار. وكيف كان فهو صفة للشيء بالقياس إلى الغير.


    الشهادة
    :
    الشهادة والشهود: الحضور مع المشاهدة بالصبر أو بالبصيرة.

    يقال: شهد المجلس: حضره واطّلع عليه. والمستفاد من موارد استعمال هذه المادة اشراب معنى التطلّع والإشراف فيها في كثير من الموارد، فيفيد معنى الرقابة والنظارة، فيستعمل مع لفظة (على) الاستعلائية. ومنه ما تكرر في القرآن الكريم من اطلاق الشهيد على الله تعالى، مثل قوله سبحانه {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[3].

    الأمة الوسط
    :
    وغير خفي على الناظر في الآية المبحوث عنها في وصف الأمة بالوسيطة تكريم لهم وتعظيم لشأنهم ومنّة من الله سبحانه عليهم، وأنّ غاية هذا الجعل كونهم شهداء على الناس، وكون الرسول عليهم شهيداً.

    فالشهادة المذكورة علّة غائية للجعل المذكور، متفرّع عليه نحو تفرّع الغاية على ذيها.
    هذا كله مما لا ريب فيه، وإنما الكلام في ما هو المراد من كونهم وسطاً وفي ارتباط الشهادة به.
    فقد قيل: إنّ المراد هو كون هذه الأمة على النهج الأوسط المعتدل، فلا إفراط ولا تفريط.
    والى هذا القول يرجع ما قيل من أنّ الله سبحانه أقام في دينه توازناً بين متطلبات الروح ومتطلبات البدن تحقيقاً للواقعية الكاملة.
    ولذا، فإن هذه الأمة تشكّل النموذج الكامل الذي يشهد على المادّيين المفرطين بأنهم عطّلوا الجانب المعنوي الراقي في الوجود الإنساني وأخلدوا إلى البهيمية، كما يشهد على أولئك الذين اغرقوا في الجانب الروحي فخرجوا عن صراط الاعتدال وراحوا إلى الرهبنة المقيتة.
    وعليه، فتكون هذه الأمة مثلاً أعلى للناس، كما أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله هو المثال الأكمل لهذه الأمة.
    ويقرب من هذا الرأي ما قيل من أنّ هذه الآية تؤدّي ما بيّنته الآية الكريمة الأخرى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..}[4] فهذه الأمة المسلمة هي أسمى أمة وأكملها، وهي واسطة العقد بين الأمم.
    وقيل: إنّ المراد هو جعل هذه الأمة حجة ومناراً للخلق، فهي تبلغ أحكام الإسلام، وتعلم الناس سبيل الكمال، كما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله حجة عليها، إذ تأخذ معالم الدين منه (ص) ويأخذ الناس منها هذه المعالم السامية، فتكون وسطاً بينهم وبين (ص)، كما أنه وسط بين الأمة وبين الله تعالى.
    وقيل: إنّ هؤلاء المخاطبين جعلوا في حاق الوسط والاعتدال تكويناً؛ ليقوموا بمهمة الاشراف على الناس ومراقبة أعمالهم وأقوالهم، بل والإشراف على مبادئ نيّاتهم، وبذلك يتحمّلون الشهادة ليؤدّوها يوم القيامة.
    ومهما كان مبلغ ما قيل أو يقال من الصحة، فإنه من غير المشكوك فيه أنّ وصف (الوسطية) السامي إنما هو للخواص من الأمة دون من ينتحل الإسلام وهو لا يفهم منه إلا لماماً، أو هو أشقى من غير المسلمين، بل قد يكون أشقى الآخرين كما جاء في بعض الروايات.
    فإذا وصفت الأمة بأنها (الأمة الوسط) فإن ذلك على أساس وجود من يتّصف بهذا الوصف العالي فيها، وذلك على حد قوله سبحانه وتعالى موجّهاً الخطاب إلى بني إسرائيل {: وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا}[5] وقوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[6] رغم أنّ الملك كان واحداً في كل عصر، وأنّ الأفضلية على العالمين كانت لخصوص فئة منفردة منهم. ومثله قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ..}[7] رغم أنّ فيهم المنافقين والفاسقين.
    الآية الكريمة بعد التأمل فيها وفي ما يناسبها من الآيات تؤكّد على حقيقة قرآنية يتكرر التعبير عنها في الكتاب المجيد، وهي موقف الشهادة يوم القيامة، وتنوع الشهود فيه على أعمال العباد. فهناك الاعضاء والجوارح، والملائكة المكرمون، والأولياء المقربون من النوع الإنساني كالأنبياء والصالحين. فيقول تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ}[8] ويقول سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء} [9] ويقول عز وجل {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}[10].
    فكل هذه الآيات تتحدث عن ذلك الموقف بصراحة، ولا سيّما الآيتين المذكورتين من سورة النساء. إذ نفي الظلم أولاً عن الله سبحانه في مجال الجزاء، ثم فرّع عليه المجيء من كل أمة بشهيد، وإحضار الرسول صلى الله عليه وآله شهيداً مما يكاد يكون صريحاً في الحديث عن ذلك الموقف العظيم.
    وأصرح من ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ}[11]وقوله تعالى: في عيسى بن مريم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [12].
    فإذا تمّ هذا قلنا: إنّ من الطبيعي أن لا تتحقق الشهادة إلا بالحضور والإشراف على المشهود عليه ثم أداء الواقع بدقة. كما أنّ الشهادة ليست على مجرد شكل العمل وصورته الظاهرة المتقضية، وإنما تتكون أيضاً على ما هو السر في كون العمل طاعة أو عصياناً، أي النية والسريرة ونوعها. فلابد إذن من أن يكون مثل هذا الشاهد واقفاً على الضمائر، ومطّلعاً على السرائر في النشأة الأولى، لكي تتحقق مقوّمات الشهادة يوم القيامة وفي النشأة الأخرى.
    وهذا المعنى يظهر من قوله سبحانه حكاية عن عيسى بن مريم عليه السلام وجوابه لله سبحانه في ذلك الموقف العظيم يوم الحساب {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[13] ذلك أن اقترن شهادة المسيح على أمته ورقابته عليهم بشهادة الله ورقابته عليهم يدل على مدى التشابه بينهما, رغم أنّ شهادة المسيح شعاع من تلك الشهادة. وهذا لا يتمّ إلا بالإشراف والاطلاع على القلوب.
    وربما يشير إلى هذا قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[14] إذ جعلت رؤية الرسول والمؤمنين لأعمال العباد إلى جنب رؤية الله تعالى مما يشير إلى نوع مسانخة بينهما.
    وبهذا تبيّن أنّ المراد من الشهادة في الآية المبحوث عنها هي الشهادة على الأعمال، وأنّ هؤلاء الخواص من الأمة جعلوا وسطاً ومنحوا هذه الكرامة؛ لارتباط هذه الشهادة بهذا الوصف، سواء كان المراد بالوسطية كونهم واسطة بين الرسول والناس، أو كونهم عدولاً غير مائلين إلى الافراط والتفريط فهم مثل عَلْيا للناس، أو غير ذلك.
    ويقرب من هذه الآية في الدلالة قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}[15] وسيجيء البحث عنها إن شاء الله تعالى.
    فخلاصة الكلام: إنّ في الأمة المسلمة طائفة معيّنة فازت بمقام الشهادة على الأعمال، وأنّ هذه الطائفة هي من ذرية ابراهيم عليه السلام على ما يقتضيه انطباق آية الاجتباء الأخيرة على آية الشهادة.


    وقد وردت روايات من الفريقين تؤيّد بل تدل على ما استفدناه من نفس الآيات من كون الشهادة هي الشهادة على الأعمال:


    فعن طريق القوم ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يُدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب. فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم.

    فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وآله وأمته. فيشهدون أنه قد بلّغ {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[16]، فذلك قوله {: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[17] والوسط: العدل[18].

    وفي الكشاف: روي أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبيّنة، ويقرب منه ما في الدر المنثور وروح المعاني ومجمع البيان.


    وعن طريقنا روى الكليني عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل:
    {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه.

    قلت: قول الله عزوجل {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[19]؟ قال: إيّانا عنى خاصة {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}[20] في الكتب التي مضت(وفي هذا) القرآن {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ}[21] فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما بلّغنا عن الله عزوجل، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدّق صدّقناه يوم القيامة، ومن كذب كذّبناه يوم القيامة[22].

    وقد عقد في الكافي باباً عنوانه(في أن الأئمة شهداء الله عزوجل على خلقه) وكذا في البحار[23]، والمفيد في الاختصاص.


    وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تعالى
    {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[24] فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى أنّ من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟! كلا! لم يعنِ الله تعالى مثل هذا من خلقه، يعني: الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم، وهم الأمة الوسطى، وهم خير أمة أخرجت للناس[25].


    وهذا الصنف من الأخبار وإن كان أضيق مدلولاً من آية الشهادة ـ من جهة ـ حيث إنّ مدلوله نوع من العمل وهو التبليغ لا جميع الأعمال من الطاعات والمعاصي كما هو مدلول الآيات، إلا أنّ دلالته على كون الشهادة هي الشهادة على الأعمال مما لا يقبل الإنكار.

    نعم، أخبار عرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام الوارد جلّها في تفسير الآية الاتي ذكرها {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[26] كالنص في علمهم بأعمال العباد. مثل ما رواه في البحار عن البصائر عن يونس عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول في الأيام حين ذكر يوم الخميس قال عليه السلام: هو يوم تعرض فيه الأعمال على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام[27].
    وفي بعض تلك الروايات أضيف إلى الخميس يوم الاثنين، وفي بعضها كل صباح ومساء.
    وهنا لابد وأن ننبّه على ما يبدو من الاختلاف بين ما دلّت عليه آيات الشهادة بل دلّت عليه آية الرؤية أيضاً ـ التي اقترنت فيها رؤيتهم لأعمال الخلق برؤية الله تعالى ـ وبين مدلول تلك الأخبار. فالآيات تدل ظاهراً على إشرافهم المستمر على الأعمال, بل على أسسها ومبادئها النفسية التي تصبغ العمل بالطاعة والعصيان، في حين نجد أنّ الأخبار تُوهِم عدم إشرافهم على الأعمال حين صدورها من الفاعلين حيث عبّرت بالعرض عليهم، فلماذا العرض إذا كانوا مشرفين على الأعمال وعلى مبادئها النفسية؟
    إلا أنّ هذا الاختلاف يرتفع بعد التأمل في مراتب العلم والشهود.
    ذلك أنّ للعلم مراتب متفاوتة، والتعبير بالعرض تعبير عن بعض مراتبه, ومن هنا يمكن أن نصحح العرض على الله سبحانه وتعالى يوم الخميس، مع أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.


    مقتضيات هذا المقام الرفيع :

    وإذا استعرضنا جلال هذا المقام الرفيع وما أثبتته آيات الشهادة لهؤلاء الكرام من العلم الحضوري أمكننا أن نتوصّل إلى بعض مقتضيات هذا المقام، وها نحن نذكر بعضها:

    الأول: علمهم عليهم السلام بالغيب بسبل تختلف عن سبل غيرهم من الناس، وهو ظاهر.


    الثاني: إنهم واسطة الفيض الإلهي المعبّر عنه بـ (الولاية التكوينية) فإن العلم الحضوري هو حضور المعلوم بوجوده الخارجي عند العالم وهذا ـ كما برهن في محله ـ لا ينطبق في المقام إلا على علم العلة بمعنى ( ما به ) على المعلوم.

    ويدل على ذلك روايات، منها ما رواه في الكافي عن مولانا الصادق عليه السلام قال: إنّ الله خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يُدلّ عليه، وخزانه في سمائه وأرضه. بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عُبد الله[28].


    الثالث: العصمة من الضلال، فإن إطلاق الوسط وعدم تقييده في قوله سبحانه يدل على أنهم في قلب الوسط الحقيقي، ولذا فهم معصومون عن الانحراف والإفراط والتفريط.

    على أنّ قوله سبحانه وتعالى: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[29] يدل ـ كما سبق ـ على أنّ الله تعالى قد اصطفاهم من بين الناس، وهو ما نطق عليه قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ}[30]. وقد رأينا القرآن الكريم ينص على اجتباء ثلّة من الأنبياء كإبراهيم ويوسف عليهما السلام، وواضح أنّ الاجتباء يعني اصطفاءهم وجعلهم خالصين من كل ما يدنّس الفطرة ويشوبها بالأكدار، وبذلك يئس ابليس من إغوائهم حيث قال: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[31] وقال سبحانه في حق يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [32]وما ظنّك بمن كان الله عزوجل يتولّى أمره ويصرف عنه السوء والفحشاء؟!

    الرابع: أنّ هؤلاء الشهداء موجودون في الناس ولو على سبيل البدل والتدريج ما دام السلام إلى يوم القيامة.

    روى الكليني ـ قدس سره ـ عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}[33] قال: نزلت في أمة محمد صلى الله عليه وآله خاصة، في كل منهم إمام منّا شاهد عليهم، ومحمد (ص) شاهد علينا[34].
    ___________________________________

    [1] سورة البقرة، الآية: 143.
    [2] شرح الشفا: ج 1، ص 209.
    [3] سورة البروج، الآية: 9.
    [4] سورة آل عمران، الآية: 110.
    [5] سورة المائدة، الآية: 20.
    [6] سورة البقرة، الآية: 47.
    [7] سورة الفتح، الآية: 29.
    [8] سورة الزمر، الآية: 69.
    [9] سورة النحل، الآية: 89.
    [10] سورة النساء، ، الآية: 40 ـ 41.
    [11] سورة هود، الآية: 18.
    [12] سورة النساء، الآية: 159.
    [13] سورة المائدة، الآية: 117.
    [14] سورة التوبة، الآية: 105.
    [15] سورة الحج، الآية: 78.
    [16] سورة البقرة، الآية: 143.
    [17] سورة البقرة، الآية: 142.
    [18] صحيح البخاري: ج6.
    [19] سورة الحج، الآية: 78.
    [20] سورة الحج، الآية: 78.
    [21] سورة الحج، الآية: 78.
    [22] الكافي: ج1، ص 190.
    [23] راجع الجزء 23 من الطبعة الحديثة.
    [24] سورة البقرة، الآية: 142.
    [25] راجع الجزء23 من الطبعة الحديثة.
    [26] سورة التوبة، الآية: 105.
    [27] البحار: ج23، ص 346.
    [28] الكافي: ج1، 144، ح5.
    [29] سورة البقرة،الآية: 142.
    [30] سورة الحج، الآية: 78.
    [31] سورة الحجر، الآية: 39، 40 ص: 83.
    [32] سورة يوسف، الآية: 24
    [33] سورة النساء، الآية: 41.
    [34] الكافي: ج1، ص 190، ح1.
    التعديل الأخير تم بواسطة خادمة الامام الحسن; الساعة 04-12-2014, 12:22 PM.
    sigpic
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X