إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطّرق إلى معرفة الله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطّرق إلى معرفة الله

    هناك كلمة قيّمة لأهل المعرفة وهي: إنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد أنفاس الخلائق بل فوقها بكثير وكثير، فإنَّ لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية وجهين، يشبهان وجهي العملة الواحدة، أحدهما يحكي عن وجودها وحدودها وخصوصياتها وموقعها في الكون، والآخر يحكي عن اتّصالها بعلّتها وقوامها بها ونشوئها منها. فهذه الظاهرة الطبيعية "من الوجه الأول" تقع موضوع البحث في العلوم الطبيعية، فيأخذ كل باحث جهة خاصة من هذا الوجه حسب تخصصه وذوقه واطّلاعه، فواحد يبحث عن التراب والمعادن وآخر عن النبات والأشجار، وثالث عن الحيوان إلى غير ذلك من الموضوعات.

    كما أنها من الوجه الثاني تقع طريقاً لمعرفة الله سبحانه والتعرف عليه من ناحية آثاره:

    إِنَّ آثارَنَا تَدُلُّ علينَا فَانْظُروا بَعْدَنا إلَى الآثارِ

    وبما أنَّ الظواهر الطبيعية، جليلها وحقيرها لها وجهان، فقد أكَّد الإِسلام على معرفتها والغور في آثارها وخصوصياتها، قائلا: ï´؟قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ وَ الاَْرْضِï´¾(يونس:101)، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف واتخاذه هدفاً، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسراً لمعرفة بارئها وخالقها، ومن أوجد فيها السُّنَن والنُّظُم.

    إِنَّ الفرق الواضح بين تعرّف المادي على الطبيعة وتعرّف الإِلهي عليها هو أَنَّ الأول ينظر إلى الطبيعة بما هي هي، ويقف عندها من دون أنْ يتخذها وسيلة لتعرف آخر، وهو التعرف على مبادئ وجودها وعلل تكونها، في حين أنَّ الإِلهي، مع أنَّه ينظر إلى الظواهر الطبيعية مثلما ينظر إليها المادي ويسعى إلى التعرف على كل ما يسودها من نُظُم و سُنَن، فإِنَّه يتخذها وسيلة لتعرف عال وهو التعرف على الفاعل الذي قام بإيجادها وإجراء السُّنن فيها، فكأَن النظرة في الأولى نظرة إلى ظاهر الموجود، وفي الثانية نظرة إلى الظاهر متجاوزاً منها إلى الباطن.

    وبعبارة أوضح: إنَّ المادي يقتصر في عالم المعرفة، على معرفة الشيء ويغفل عن معرفة أخرى، وهي معرفة مبداً الشيء من طريق آثاره وآياته، فلو اكتفينا في معرفة الظواهر بالمعرفة الأولى حبسنا أنفسنا في زنزانات المادة، ولكن إذا نظرنا إلى الكون بنظرة وسيعة وأخذنا مع تلك المعرفة معرفة أخرى وهي المعرفة الآيوية لوصلنا في ظل ذلك، إلى عالم أفسح ملي بالقدرة والعلم والكمال والجمال. وعلى ذلك فكل المظاهر الطبيعية مع ما فيها من الجمال والروعة ومع ما فيها من النُظم والسُنن آيات وجود بارئها ومكونها ومنشئها، وعند ذلك يتجلى للقارئ صدق ما قلنا من أنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد الظواهر الطبيعية بدءاً بالذرة وانتهاء إلى المجرة. ولأجل ذلك نرى أنَّ رجال الوحي ودعاة التوحيد يركّزون في معرفته سبحانه على الدعوة إلى النظر في جمال الطبيعة وروعتها فإِنها أَصدق شاهد على أَنَّ لها صانعاً ومبدعاً، وهذا مشهود لمن طالع القرآن وتدبّر في آياته. فهو من خلال توجيه الإِنسان إلى الطبيعة وإلى السماء والأَرض وما فيها من كائنات، يريد هدايته إلى مبدئها، ويكفي في ذلك قوله سبحانه: ï´؟إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا
    مِن كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ لآَيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ
    ï´¾(البقرة:164).
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة التقي; الساعة 21-12-2014, 03:12 PM.

  • #2
    احسنتم وفقكم الله

    تعليق


    • #3

      وفقكم الله لكل خير أختي أضيف لما طرحتِ ما قاله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
      في كتابه :
      محاضرات الاستاذ الشيخ جعفر السبحاني

      إِنَّ ذاتَه سبحانه و أَسماءَه و صفاتَه و أَفعالَه ، و إنْ كانت غيرَ مسانخة لمُدْرَكات العالَم المحسوس ، لكنها ليست على نحو يستحيل التعرفُ عليها بوجه من الوجوه. و من هنا نجد أَنَّ الحكماء و المتكلمين يسلكون طرقاً مختلفة للتعرف على ملامح العالَم الرُّبوبي ، و هم يرون أَنَّ ذلك العالم ليس على وجه لا يقع في أُفق الإِدراك مطلقاً ، بل هناك نوافذ على الغيب عقليةٌ و نقليةٌ ، يُرى منها ذلك العالم الفسيح العظيم.
      وها نحن نشير إلى هذه الطرق :
      الأول ـ الطريق العقلي :
      إِذا ثبت كونه سبحانه غنياً غيرَ محتاج إلى شيء ، فإِنَّ هذا الأَمر يمكن أَنْ يكون مبدأً لإِثبات كثير من الصفات الجلالية ، فإِنَّ كل وصف استلزم خللا في غناه و نقضاً له ، انتفى عنه ولزم سلبُه عن ذاته.
      و قد سلك الفيلسوف الإِسلامي نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة على جملة من الصفات الجلالية حيث قال : « ووجوب الوجود يدل على سَرْمَدِيَّتِه ، و نفي الزائد ، و الشريك ، و المِثْل ، و التركيب بمعانيه ، و الضَّدّ ، و التَّحَيُّز ، والحُلول ، و الإِتحاد ، و الجهة ، و حلول الحوادث فيه ، و الحاجة ، و الأَلم مطلقاً و اللذة المزاجية ، و المعاني و الاحوال و الصفات الزائدة و الرؤية ».
      بل انطلق المحقق من نفس هذه القاعدة لإِثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال : « ووجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود ، والمُلْك ، والتّمام ، والحقيّة ، والخيريّة ، والحكمة ، والتجبر ، والقهر ، والقيوميّة » (1).
      و قد سبقه إلى ذلك مؤلِّف الياقوت إذا قال : « و هو (وجوب الوجود) ينفي جملة من الصفات عن الذات الإِلهية و أَنَّهُ ليس بجسم ، و لا جوهر ، ولا عرض ، ولا حالاًّ في شيء ولا تَقُوم الحوادث به وإِلا لكان حادثاً » (2).
      وعلى ذلك يمكن الإِذعان بما في العالم الرُّبوبي من الكمال و الجمال بثبوت أصل واحد و هو كونُه سبحانَه موجوداً غنياً واجبَ الوجود ، لأَجل بطلان التسلسل الذي عرفته. و ليس إِثباتُ غناه و وجوبِ وجودهِ أَمراً مُشكلا على النفوس.
      و من هذا تنفتح نوافذ على الغيب و التعرف على صفاته الثبوتية و السلبية ، وستعرف البرهنة على هذه الصفات من هذا الطريق.
      الثاني : المطالعة في الآفاق و الأَنْفُس :
      من الطرق و الاصول التي يمكن التَّعرفُ بها على صفات الله ، مطالعة الكون المحيط بنا ، و ما فيه من بديع النظام ، فإِنه يكشف عن علم واسع و قدرة مطلقة عارفة بجميع الخصوصيات الكامنة فيه ، و كلِّ القوانين التي تسود الكائنات. فمن خلال هذه القاعدة و عبر هذا الطريق أي مطالعة الكون ، يمكن للإِنسان أنْ يهتديَ إلى قسم كبير من الصفات الجمالية. و بهذا يتبين أَنَّ ذات الله سبحانه و صفاته بحكم أَنها ليس كمثلها شيء ليست محجوبةً عن التعرُّفِ المُطْلَق و غيرَ واقعة في أٌفق التعقل، حتّى نعطل العقول ونقول : « إنما أُعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإِدراك الربوبية ». و قد أَمر الكتاب العزيز بسلوك هذا الطريق. يقول سبحانه : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [يونس: 101]. و قال سبحانه : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]. و قال سبحانه : {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 6].
      و قد سلك هذا الطريق المحقق الطوسي في إثبات صفة العلم و القدرة حيث قال : « و الإِحكامُ والتَجَرّدُ و استنادُ كلِّ شيء إليه دليلُ العلم » (3).
      الثالث : الرجوع إلى الكتاب و السنَّة الصحيحة :
      و هناك أَصل ثالث يعتمد عليه أَتباع الشرع ، و هو التعرف على أَسمائه و صفاته و أَفعاله بما ورد في الكتب السماوية و أَقوال الأَنبياء و كلماتهم ، و ذلك بعدما ثبت وجودُه سبحانه و قسمٌ من صفاته ، ووقفنا على أنَّ الأَنبياءَ مبعوثون من جانب الله و صادقون في أَقوالهم و كلماتهم.
      و باختصار ، بفضل الوَحْي ـ الذي لا خطأ فيه ولا زَلَل ـ نَقِفُ على ما في المَبْدَأ الأَعلى من نعوت و شؤون. فَمِنْ ذلك قولُه سبحانه : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 23، 24].
      الرابع : الكَشْفُ والشُّهود :
      و هناك ثُلَّةٌ قليلةٌ يشاهدون بعيونِ القلوبِ ما لا يُدْرَكُ بالأَبْصار ، فَيَرَوْن جمالَهُ و جلالَه و صفاتَه و أَفعالَه بإِدراك قلبي ، يدرك لأَصحابه و لا يوصَفُ لغيرهم. والفُتوحاتُ الباطنيّة من المكاشفات و المشاهدات الروحيّة و الإِلقاءات في الروع غَيْرُ مَسْدودَة ، بنص الكتاب العزيز. قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] أَي يجعل في قلوبكم نوراً تُفَرِّقون به بين الحقِّ و الباطلِ و تُمَيِّزون به بين الصحيحِ و الزائفِ لا بالبَرْهَنَةِ و الإِستدلال بل بالشهود و المكاشَفَة.
      و قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحديد: 28].
      و المُراد من النور هو ما يمشي المؤمن في ضوئه طيلةَ حياتِه ، في معاشه و معاده ، في دينه و دنياه. (4).
      و قال سبحانه : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في أَنَّ المُؤمِنَ يَصِلُ إلى معارف و حقائِق في ضوء المُجاهدة و التَّقوى ، إلى أَنْ يقدر على رؤية الجحيم في هذه الدنيا المادية ، قال سبحانه : { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } [التكاثر: 5، 6].
      نعم ليس كلُّ من رمى أصاب الغَرَض ، و ليست الحقائق رمية للنِّبال ، و إِنما يَصِل إليها الأَمْثَلُ فالأَمْثَل ، فلا يحظى بما ذكرناه من المكاشفات الغيبية و الفتوحات الباطنية إِلاّ النزر القليل ممن خَلُصَ روحُه و صفى قلبُه.
      و قد بان بهذا البحث الاضافي ، أَنه ليس لمسلم التوقف عن محاولة التعرف على صفات الله و أَسمائه بحُجَّة أنَّه لا مسانخة بين البشر و خالقهم.
      نعم ، نحن لا نَدَّعي أَنَّ بعضَ هذه الطرق ميسورَةَ السلوكِ للعامة جميعاً ، بل منها ما هو عام مُتاحٌ لكلِّ إنسان يريد معرفة ربه ، و منها ما هو خاص يستفيد منه من بلغ مبلغاً خاصاً من العلم و المعرفة (5).
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
      1 ـ تجريد الإِعتقاد ، باب إِثبات الصانع و صفاته ، ص 178 ـ 185.
      2 ـ أنوار الملكوت في شرح الياقوت ، ص 76 و 80 و 81 و 99.
      3 ـ تجريد الإِعتقاد ، ص 172 ، طبقة مطبعة العرفان ـ صيدا.
      4 ـ أَما في الدنيا فهو النور الذي أَشار إليه سبحانه بقول : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].
      و أَما في الآخرة فهو ما أَشار إليه سبحانه بقوله : {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12].
      5 ـ راجع في الوقوف على مفتاح هذا الباب : مفاهيم القرآن ، الجزء الثالث ، ص 244 إلى ص 259.
      الملفات المرفقة
      التعديل الأخير تم بواسطة الخفاجي14; الساعة 21-12-2014, 02:58 PM.
      (الخـفــاجــي)


      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X