إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مظاهر كرم الإمام الحسن بين السلوك والأهداف الاجتماعية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مظاهر كرم الإمام الحسن بين السلوك والأهداف الاجتماعية




    قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(الشورى:23)
    صدق الله العلي العظيم.

    وقال صلى الله عليه وآله:
    ‹‹إنّ ابني هذا سيد››، وفي رواية أخرى، ‹‹الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة››.
    تمر علينا ذكرى ميلاد الإمام الحسن عليه السلام في النصف من شهر رمضان، لتضفي على هذه الأيام المباركة سعادة وحبوراً وروحيةً عاليةً، وحياة هذا الإمام العظيم حافلة بالدروس والعِبَر إلا أننا سنأخذ درساً من حياته عليه السلام يتناسب مع شهر رمضان المبارك، وهذا الدرس مستوحى من خصلة عُرف بها عليه السلام وأصبحت عنواناً عريضاً في شخصيته الاجتماعية، إذ سُميّ ولُقب بكريم أهل البيت، لكثرة عطاياه وكرمه وجوده، وهذا اللقب الشريف له علاقة وثيقة بشهر رمضان، باعتبار أنّ الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام دأبوا على تعليم المسلم الرسالي العطاء والبذل في سبيل الله تبارك وتعالى، وأن يبقى مصدراً للجود والكرم، وبالخصوص في هذا الشهر الكريم، الذي يفاض فيه الكرم الإلهي على المؤمنين. وكُتب الروايات والسيرة تؤكد على أنّ الإمام عليه السلام كان يعطي كل حين، بل ويغدق في عطائه على من يسأله، وعلى من لا يسأله، حتى أنه كان يُرسل عطاياه لبعض الناس الذين لم يسألوه.

    أنماط كرم الإمام الحسن عليه السلام.
    والإمام عليه السلام في عطائه يعلمنا درساً نحن بأمس الحاجة إليه، لإخراج مجتمعنا الذي نعيش فيه من دائرة الفقر من خلال عدم الاكتفاء بالتكاليف المالية الشرعية كالزكاة والخمس، وإنما يتعدى العطاء إلى دائرة أوسع، فيشمل كل أنواع المساهمة والدعم المالي لكل المشاريع الخيرية، التي من شأنها رفع المستوى المعيشي والاجتماعي للفقراء والمعوزين، ولذلك، عبّر عنه القرآن الكريم بالحق، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }(المعارج:24-25)، بالإضافة إلى أننا نجد إمامنا الصادق عليه السلام يفسر هذا الحق المعلوم في الآية بقوله: ‹‹الحق المعلوم ليس الزكاة، وهو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كل جمعة، وإن شئت كل يوم، ولكل فَضلٍ فَضلُهُ››
    . والإمام الحسن عليه السلام هو المجسد عملياً لما طرحته الآية السابقة، وذلك، من خلال أنماط وأنواع الكرم التي مارسها في ثنائية أخلاقية اجتماعية، وأهم تلك الأنماط لجوده عليه السلام:
    الأول:
    التواضع والعاطفة الممتزج بالسخاء.
    إنّ كتب السيرة والروايات تحدثنا أنّ الإمام عليه السلام مرّ ذات يوم على مجموعة من الفقراء الذين ابتلوا ببعض الأمراض فدعوه إلى مُؤاكلتهم، فنزل من على دابته وجلس يأكل معهم وقام بتقديم الطعام لهم، وبعْد أنِ انتهى دعاهم إلى بيته في مأدبة خاصة بعد الفراغ منها أعطى كل واحد منهم عطية.
    الثاني:
    الجـزاء المضاعف.
    ويُذكر لنا المؤرخون مواقف متعددة للإمام الحسن عليه السلام توضح أسلوب مجازاته لمن يُقَدِّم الخير والعطاء بالأضعاف المضاعفة، فقد روي أنه عليه السلام كان مسافراً إلى مكة مع عبد الله بن جعفر ونفر من قريش، وكانوا يسيرون على غير الجادة، فمروا بامرأة فقيرة، وما كان لديهم طعام، فطلبوا منها أن تُطعمهم، وقالوا لها: نحن نفر من قريش سِرّنا على غير الجادة ونفد طعامنا، فقالت: لا يوجد لديّ إلا هذه العنزة، فذبحتها لهم، وأكلوا منها، ثم قال الإمام الحسن عليه السلام لتلك المرأة: ‹‹إننا نفر من قريش فإذا جئت إلى المدينة فمُري بنا لعلنا ننفعك›› ، وبالفعل أجذبت الأرض التي تعيش فيها المرأة، فذهبت إلى المدينة فرآها الإمام الحسن عليه السلام ، فعَرفها ولم تعرفه، ثم قدّم لها ألف شاة وأعطاها ألف دينار أو ألف درهم، ثم أرسلها إلى الإمام الحسين عليه السلام وإلى عبد الله بن جعفر، فقدّم لها كل واحدٍ منهما كما قدّم الإمام الحسن عليه السلام.
    الثالث:
    العطاء والإيثار فوق ما يتصوره الإنسان.
    والأمر الآخر الذي يلفت الإمام انتباهنا إليه أسلوب المناصفة مع الله تبارك وتعالى في أمواله ثلاث مرات، فكان يُقَسم جميع ما يملك بالنصف، فيُقدم للفقراء والمعوزين والمحتاجين نصف ما يملكه، وقد تكرر منه عليه السلام هذا العمل ثلاث مرات، ليُعلم الإنسان الرسالي كيفية البذل والعطاء في سبيل الله وأنّ هذا البذل لا ينحصر في دائرة التكليف الشرعي، وإنما دائرته أوسع، وله مفهوم يمثل عمقاً في وجدان الإنسان المُعطي له صِلةً بذلك الإنسان المُعطى.

    لماذا هذا العطاء اللا محدود من قِبل الإمام عليه السلام؟
    إنّ أهمية هذا الأسلوب الذي اتخذه الإمام تتضح بجلاء إذا تأملنا في أواخر العصر الذي عاشه الإمام حيث برزت ظاهرة تُسمى بالتكاثر الاترافي، إذ أنّ هناك أفراداً من الصحابة وأبنائهم استفادوا من الفتوحات الإسلامية استفادة كبيرة من الناحية الاقتصادية والمالية فجمعوا ثروات هائلة، بينما كان بجانبهم الكثير من الفقراء والمعوزين،بل، ومن المُعدمين، فأراد الإمام أن يُعلِّم هؤلاء درساً في البذل والعطاء من أجل القضاء على التفاوت الطبقي الصارخ الذي كان يعيشه المجتمع آنذاك، بحيث أخذ ينتشر ويشكل أوائل نشوؤه كظاهرة خطيرة تجتاح المجتمع الإسلامي، فأراد الإمام الحسن عليه السلام أن يعالج هذا التفاوت والتكاثر الطبقي في بداية تشكله أو في بداية مراحله الأولى، وذلك، من خلال خطواته العملية في البذل، بأن ناصف الله تعالى أمواله ثلاث مرات، وخرج من أمواله كلياً، فقدّم جميع ما يملك في سبيل الله وبدأ حياته جديدة. ولذا، عندما نُطلق على الإمام لقب كريم أهل البيت عليهم السلام، فهذا يعود إلى أسس وركائز كانت في حياة الإمام أوجبت أن نَسِمَهُ بهذا اللقب، وهذه الركائز لم تنطلق من بذله وعطائه عليه السلام في دائرة التكليف الشرعي الواجب، وإنما تنطلق من مبدأ أوسع، يشمل رفع حاجة الإنسان المُملِق والمحتاج ومشاركة هذا الإنسان، الذي نقرأ عنه في بعض الأدعية، ‹‹وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك بما وسعت عليّ من فضلك ونشرت عليّ من عدلك وأحييتني تحت ظلك››
    ، فالإمام يريد مواساة من قُتِّر عليه بالرزق. هذه بعض الصور الناصعة في حياة إمامنا الحسن عليه السلام، والتي تعلمنا درساً في البذل والعطاء في هذا الشهر الفضيل، وبالخصوص تجاه أرحامنا وأقاربنا الفقراء، الذين يتوقون إلى العون والمساعدة في هذا الشهر، الذي تكبر فيه الحاجات بالقياس إلى سائر الشهور، و كلنا يعرف أنّ البذل في هذا الشهر أكبر، لأنّ هناك كسوة العيد وغيرها من الحاجات المتعددة التي لا غنى عنها.
    الرابع:المبادرة في العطاء من دون سؤال.
    الله تبارك وتعالى عندما يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(المعارج:24-25)، فهو يشير إلى وجود سائل يسأل الناس، إلا أن هناك الكثير من الناس لا يسألون، وينأون بأنفسهم عن المسألة، غير أنهم يعيشون الفقر والفاقة، وهم بحاجة إلى مد يد المساعدة ليس بعنوان الصدقة وإنما بعنوان البذل عن طريق الهدية والاحترام، فقيمة هذا الإنسان من الناحية الشخصية والمعنوية جسّدها الإمام عليه السلام عندما جاءه شخص وأراد أن يسأل بالكلام بين الناس، ومنعه عليه السلام عن السؤال بمرئً من الناس، وقال له: ‹‹اكتب حاجتك في رقعة ونحن نقضيها إنْ شاء الله››، بل، فعل الإمام أكثر من ذلك حيث علّم أصحابه والمحيطين به إنما يعطيه الإنسان للسائل لا يمثل جوداً، وقال: ‹‹إنّ الجود قبل المسألة وما أعطيته بعْد المسألة فهو ليس بجود وإنما هو مبادلة بما يشتريه الإنسان منك بماء وجهه››، وهذا التعليم الحسني الرائع والجميل يمثل احتراماً وتكريماً للإنسان، فإذا أردت أن تكون جواداً فابدأ بعطاياك للفقراء المحتاجين من الأرحام المعوزين.

    كيف نجسد كرم الإمام الحسن عليه السلام؟
    ونحن في شهر رمضان المبارك الذي تتعدد فيه سبل الخير من خلال المشاريع الاجتماعية المتعددة، لا بد أن نُجسد كرم الإمام الحسن عليه السلام، ونُبرز جانب القدوة والتأسي بسلوكه عليه السلام، وذلك من خلال مشروع إفطار صائم الذي لا يختص بالفقراء فقط، وهذا ما أكد عليه النبي صلى الله عليه وآله في خطبته: ‹‹من فطّر منكم صائماً فله أجره››
    ، ولم يقل صلى الله عليه وآله: من فطّر فقيراً أو محتاجاً، وهذا يدل على أنّ تفطير الصائم من المستحبات المؤكدة، فلا بد أن نُفَعِّل هذا المشروع أينما كان و في كل مكان، لأنّ هذه المشاركة سوف تصنع تلاحماً وتقارباً بين أفراد المجتمع وتكاتفاً، يَشعر معه جميع أفراد المجتمع أنه وحدة متكاملة في البذل والعطاء.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X