إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ماذا تعرف عن سعيد بن جبير{{رضوان الله عليه}}

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماذا تعرف عن سعيد بن جبير{{رضوان الله عليه}}

    هو الإمام العلم العلامة، إمام التفسير، تلميذ حبر الأمة، نور العلم، وقدوة التابعين، مستجاب الدعوة، العالم الرباني سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد بإذن الله، أحد أعلام الأمة وأبطالها في مواجهة الطغاة.
    وُلد رحمه الله بالكوفة سنة 38هـ في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، وبها ترعرع ونشأ، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه، فقرأ القرآن على ابن عباس، وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث، كما روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه.
    ثم اصطفى سعيد بن جبير من جملة الصحابة حبر الأمة عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وانقطع إليه وأخذ عنه علم التفسير وسائر علومه، وصار من أكبر تلاميذه وأخص رفقائه وأنجب طلابه، وكان سعيد من شدة أدبه مع شيخه ابن عباس لا يفتي في حضرته، فلما مرض ابن عباس وذهب صره تصدى سعيد للإفتاء، وكان ابن عباس يحيل الفتاوى عليه ويوصي به أهل العراق عند سؤالهم.
    كان سعيد بن جبير بجانب علمه الغزير وفقهه الدقيق، مشهورًا بالورع والزهد والعبادة إلى المنتهى، شديد الخوف من الله، متوكلاً عليه في الأمور كلها، يطيل صلاته لدرجة أنه كان يختم القرآن في صلاة القيام، وروي ذلك عنه من طرق كثيرة صحيحة، محافظًا على الحج والعمرة كل سنة حتى في سنوات محنته، كان إذا قام للصلاة كأنه وتد، مستجاب الدعوة له في ذلك مواقف مأثورة، بكى من الليل حتى ضعف بصره وعمشت عينه.


    ثناء أهل العلم عليه:
    سعيد بن جبير علم من أعلام السلف وإمام من كبار أئمة المسلمين، وأحد ورثة علم الصحابة عمومًا وحبرهم ابن عباس خصوصًا، كان كلمة إجماع في عصره، ولم يؤثر عن أحد من أهل العلم أو رواة الحديث أنه قد جرحه بأدنى كلمة، فهو مجمع على توثيقه بين الناس.
    هذه طائفة من ثناء الناس عليه:
    كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا أتاه أهل الكوفة يستفتون يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟! يقصد سعيد بن جبير.
    وجاء رجل إلى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ليسأله عن فريضة فقال له: ائت سعيد بن جبير، فإنه أعلم بالحساب مني، وهو يفرض منها ما أفرض.
    قال علي بن المديني: ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير، قيل: ولا طاووس؟ قال: ولا طاووس ولا أحد.
    قال ميمون بن مهران: لقد مات سعيد بن جبير، وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.
    قال خصيف: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.


    محنة الإمام سعيد بن جبير:
    محنة الإمام سعيد بن جبير رحمه الله تبدأ مبكرًا وهو في الخامسة والثلاثين من العمر عندما رأى بعينه التحولات الكبرى التي حدثت داخل بناء الأمة الإسلامية، عندما رأى قيام الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي بمحاصرة مكة بلد الله الحرام وانتهاكه لحرمة الكعبة وضربه إياها بالمنجنيق ثم قتله للخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير وتمثيله بجثته، وذلك سنة 73هـ، وأخذه للبيعة من الناس كرهًا ـ وسعيد منهم ـ بحد السيف، فتولد في قلب الإمام البغض والكره لهذا الطاغية وأفعاله الإجرامية، والبغض لكل الظلمة والطغاة الذين استذلوا الناس وأهانوهم واستحلوا حرماتهم.
    بعد أن أعطى سعيد بن جبير بيعته للحجاج بن يوسف الثقفي بحد السيف في مكة بعد مقتل ابن الزبير رضي الله عنهما، عاد إلى الكوفة وأخذ في نشر العلم ورواية الحديث، ولكن سرعان ما فوجئ بتعيين الحجاج واليًا على العراق، ولما دخل الحجاج العراق حاول استمالة العلماء والقراء لعلمه بسخط الناس وأهل العلم على سياسته وظلمه وأسلوبه في الحكم، فأغدق العطايا على الإمام سعيد وجعله بمثابة القاضي والمشير ومن خاصته، ولكن لم تكن تلك اللعاعة من الدنيا لتغري إمامًا مثل سعيد بن جبير وتغير موقفه ورأيه في الحجاج وسياسته وجرائمه.
    اتبع الحجاج سياسة ذكية في احتواء ثورات أهل العراق وطاقاتهم الكبيرة بشغلهم بالجهاد في سبيل الله في بلاد المشرق حيث كفار الترك، فانصرف الناس لنصرة دين الله عز وجل عدة سنوات، والحجاج مستمر على سياسته وبطشه بالمعارضين، حتى كانت سنة 82هـ وفيها وقعت أعنف ثورة قام بها أهل العراق، وهي فتنة ابن الأشعث، وكان ابن الأشعث أحد قادة الحجاج وكان الحجاج يبغضه بشدة للتنافس بين الرجلين، وللطموح الذي يجمع بينهما، وكان سبب الثورة هو إصرار الحجاج على أن يواصل جيش ابن الأشعث التوغل في بلاد «الرتبيل» ملك الترك، في حين رفض ابن الأشعث الأوامر لقسوة فصل الشتاء وكثرة الثلوج ووعورة الطريق، فترددت الرسائل الخشنة بين الرجلين، ثم انتهت بإعلان ابن الأشعث العصيان والثورة وخلع الطاعة للحجاج ولعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي أيضًا.
    كان في جيش ابن الأشعث العديد من العلماء والفقهاء وحفظة كتاب الله، ممن خرج للجهاد ونصرة دين الله عز وجل، منهم سعيد بن جبير وطلق بن حبيب ومجاهد بن جبر والشعبي وابن أبي ليلى وهم علماء الزمان وأهم شيوخ العصر عامة والعراق خاصة، فأعلن هؤلاء العلماء والقراء دعمهم لابن الأشعث ضد الحجاج الذي فاقت جرائمه بحق المسلمين كل حدود، وكان لذلك الدعم المعنوي من جانب العلماء أثر كبير في ثورة ابن الأشعث، فانضم إليها الناس من كل مكان، فلقد كان الحجاج مبغوضًا من الجميع.
    وقعت العديد من المعارك الطاحنة بين الفريقين كان لكتيبة العلماء والقراء دور كبير في تحميس الناس وتقوية عزائمهم، وكان سعيد بن جبير يقف بين الصفوف ويشد من أزر المقاتلين ويقول: قاتلوهم على جورهم واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة، وكذلك فعل الشعبي وجبلة بن زحر زعيم القراء وطبعًا ربما يتطرق البعض للكلام على مدى جواز اشتراك العلماء والفقهاء في مثل تلك الثورة، وهل يعد ذلك خروجًا على السلطة أم لا؟ ولنا في موقفهم عبرة وعظة، وفي إجماعهم على ذلك ـ وهم أعلام الأمة وأكبر علمائها ـ دليل على جواز ذلك بشروط مخصوصة كانوا هم أدرى بها وأعلم بطبيعتها، وهم قد رأوا من الحجاج ما سمعناه نحن فقط، وعاينوا على الطبيعة أفعاله وجرائمه لذلك فهم أحق الناس بالحكم على الأمر.
    ظلت ثورة ابن الأشعث مشتعلة بأرض العراق كلها طيلة سنتين كاملتين وكادت أن تؤتي أكلها، ولكنها فشلت في النهاية، وأمعن الحجاج في التنكيل بالثوار فقتل منهم عشرات الآلاف، وكان يؤتى بالرجل بين يدي الحجاج فيطلب منه أن يشهد على نفسه بالكفر فإن فعل أطلق سراحه، وإلا ضرب عنقه، فاضطر كثير من الناس للفرار من العراق، ومنهم سعيد بن جبير وطلق بن حبيب ومجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار، وهم وجوه الناس وعلماؤهم.
    انتقل سعيد بن جبير إلى أصبهان وعاش هناك في الخفاء، وكان حريصًا على ألا يعرفه أحد وذلك سنة 83هـ، ومع ذلك لم يترك الحج والعمرة كل سنة فعلم الحجاج بوجوده بأصبهان فأرسل في طلبه، فهرب منها ودخل العراق مستخفيًا، وأخذ في التنقل من مكان لآخر، والحجاج يشتد في طلبه، وذلك طيلة اثني عشر سنة كاملة، وفي النهاية استقر في مكة ليسهل عليه الحج والعمرة، واستقر معه باقي إخوانه العلماء، وكان والي مكة خالد القسري يغض الطرف عنهم، حتى قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بعزل عمر بن عبد العزيز عن ولاية المدينة، وعين مكانه عثمان بن حيان الذي أخذ في القبض على أصحاب ابن الأشعث في المدينة وإرسالهم للحجاج بالعراق ليقتلهم فاضطر عندها خالد القسري لحذو فعله، فقبض على سعيد بن جبير واصحابه، وقد عُرض على سعيد الهروب من مكة فقال: والله لقد استحييت من الله من كثرة الفرار، ولا مفر من قدر الله، وكان الحجاج قد أرسل إلى خالد القسري يتهدده من أجل إرسالهم، فلم يجد خالد من بدّ في ذلك.
    حمل سعيد بن جبير وأصحابه مثقلين بالقيود والحديد في رحلة طويلة من المدينة إلى الكوفة، وفي الطريق الطويل الشاق مات طلق بن حبيب، ولما وصلوا إلى الكوفة أمر الحجاج بسجنهم باستثناء سعيد بن جبير الذي أمر بإحضاره بين يديه وقد بسط له النطع وأحضر السياف والجلاد للتنكيل بالإمام سعيد بن جبير، فلما أحضر بين يدي الحجاج قال له: اشهد على نفسك بالكفر، فقال الإمام: لا أفعل ذلك أبدًا، فقال الطاغية: اختر أي قتلة أقتلك، قال: اختر أنت، فإن القصاص أمامك، ثم دار حوار بين الطاغية والإمام انتهى بمقتل الإمام وتقطيع أوصاله بصورة مأساوية بشعة تدل على مدى حقد الطاغية الحجاج الثقفي على الإمام سعيد بن الجبير.
    لقد كان سعيد بن جبير مستجاب الدعوة، لا يرد الله عز وجل له دعوة قط، وكان يستطيع أن يدعو على الحجاج فلا ينال منه بسوء، ولكنه استقتل لله ورحب بالشهادة، وكانت دعوته التي دعا بها قبل موته على الحجاج: ألا يسلطه الله عز وجل على أحد بعده، فاستجاب الله عز وجل له، ومات الحجاج مذمومًا مدحورًا بعد سعيد بن جبير بأربعين ليلة ولم يقتل أحدًا بعد سعيد، واشتهر الرجلان في التاريخ أيما شهرة، ولكن شتان بينهما هذا صار علمًا للدعاة والمجاهدين والعلماء، وذاك صار علمًا للطغاة والظلمة المستكبرين. ومات سعيد شهيدًا سنة 95هـ، وله من العمر سبع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.


    نعم! وهب سعيد حياته للإسلام، ولم يَخْشْ إلا الله. كان يملك لسانًا صادقًا وقلبًا حافظًا، لا يهاب الطغاة، ولا يسكت عن قول الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فلم يستطع الحجاج أن يسكت لســانه عن قول الحق بالتـهديد أو التخويف، فقد كان سعيد بن جبير مؤمنًا قوي الإيمان، يعلم أن الموت والحياة والرزق كلها بيد الله، ولا يقدر عليه أحد سواه.
    فاتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، أغراه بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه، فما كان من هذا الإمام الجليل إلا أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا، فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
    لقد أفهمه سعيد أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}
    ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عباد الدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم، وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما:
    الحجاج: ويلك يا سعيد!
    سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
    الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
    سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
    الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
    سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
    الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
    فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟
    الرجل: لما أصابك.
    سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه، فسأله الحجاج: ما أضحكك؟
    سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
    الحجاج: اقتلوه.
    سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين}
    الحجاج: وجهوه لغير القبلة.
    سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله}
    الحجاج: كبوه على وجهه.
    سعيد: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}
    الحجاج: اذبحوه.
    سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده
    ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X