الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام رابع أصحاب الكساء وثاني أئمة أهل البيت ، سر من الأسرار الإلهية لا يمكن لأحد أن يعرف قدره أو يدرك مكانته، فهو سلام الله عليه أحد أركان العرش، والعرش هو مركز علم الله سبحانه وتعالى أي أن الوجود قائم به ((ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية )) أربعة من الأولين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأربعة من الآخرين محمد وعلي والحسن والحسين.
الحسن المجتبى هو كريم أهل البيت ، قال تعالى (( والتين والزيتون وطور سينين)) يقول أهل البيت عليهم السلام أن المقصود بالتين في الآية السابقة هو الحسن عليه السلام لشدة كرمه وعطائه ، فلو نظرنا إلى التين نجد أنها فاكهة لها مواصفات خاصة لا تجتمع كل هذه المواصفات في نبات واحد، فهي فاكهة طرية ، خالية من النواة ، تؤكل بقشرها ولا يرمى منها شيء وكذلك الإمام الحسن كله عطاء سهل كيّس كريم سمح ، ثم أن أهم خاصية لشجرة التين أنها تُثمر قبل أن تُورق، بعكس كل أنواع الشجر التي تحمي نفسها وتحمي ثمارها بأوراقها، كذلك كان الحسن سلام الله عليه ، كان عطاؤه سباقا دون أن يحمي نفسه بأعوانه فكان عطاؤه وسخاؤه قل نظيره حتى سُمّي بكريم أهل البيت .
إن الحديث عن الإمام الحسن عليه السلام حديثٌ يلهب القلب حسرة ويجري في العين دمعة، فهو المظلوم من أعدائه ومظلوم من أعوانه وشيعته .
عاش الحسن حياته مظلوما عانى ما عاناه من بداية حياته في حزنه على فراق رسول الله ثم فراق أمه الزهراء ، وشهد ما تعرض له أبوه عليّ صلوات الله عليه من الظلم والجفاء، خاض معه حروبه ضد الفاسقين والمارقين إلى يوم استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام وحزنه مما فعله معاوية لعنة الله عليه بأصحاب أمير المؤمنين .
إن معاناة الحسن عليه السلام ومظلوميته كانت أيضا في زواجه، فقد جاء الأشعث (وهو من المخططين لقتل أمير المؤمنين فهو من دفع لإبن ملجم مالا لقتل الإمام) في يوم من الأيام إلى أمير المؤمنين يطلب يد السيدة زينب عليها السلام فقال له الإمام عليّ عليه السلام " بناتنا لبنينا " وكان يقصد عبد الله بن جعفر الطيار وبيّن للأشعث أنه يعلم باطنه ونواياه ، فاغتاظ الأشعث وحاول إحراج الإمام أمام الناس وقال أنتم أهل البيت تعاملون الناس بالسماحة فإن كنت تقول أنك لن تعطيني زينب فأقسم عليك بأخيك رسول الله أن لا تردني وتزوج ابنتي جعدة لابنك الحسن، وبذلك أُلزم الإمام الحسن بجعدة التي كانت جاسوسة لمعاوية في بيته، فكان عليه السلام يعلم أنها قدره الذي قدره الله له ويعيش معها وهو يعلم بأنها قاتلته .
إن الظلم مهما كان قاسيا على البشر تخف وطأته إن استطاع الإنسان أن يدافع عن نفسه أو يندد بهذا الظلم الواقع عليه ولكن الحسن عليه السلام لم يستطع حتى أن يندد به أو يصرح عنه إن مظلومية الحسن لا تقل أهمية عن مظلومية الحسين عليه السلام ولكن إن كان مع الحسين سبعين من الأنصار فلم يكن مع الحسن سبعة ، وإن استطاع الحسين عليه السلام الدفاع عن الإسلام وأن يصرخ صرخته المدوية إلى يوم الدين "هيهات منّا الذلة " فالحسن عليه السلام لم يقو حتى على النداء لطلب الناصر حُرم سلام الله وصلواته عليه حتى من الجهاد في سبيل الله ، وكيف يجاهد من لا ناصر له ولا معين، حتى أصحابه تخلوا عنه .... لم يؤمنوا به .... بل لم يعرفوه .
لقد بويع الإمام الحسن عليه السلام خليفة للمسلمين بعد استشهاد الإمام عليّ عليه السلام، وكان مقر دولته في الكوفة وكان معاوية حينها والي على الشام وقد تعرض الحسن عليه السلام لعدة محاولات اغتيال ، ففي أحد الأيام وبينما كان يصلي في مسجد الكوفة هاجمه رجل من أهل الكوفة وضربه بسكين مسموم في فخذه حتى شق العظم ، وقد استخدم عليه السلام الإعجاز حتى لا يسري هذا السم في بدنه على الرغم أن أهل البيت لا يستخدمون الإعجاز في مصالحهم الخاصة, ثم تعرض إلى محاولة ثانية ونجا منها وقد حاول معاوية أن يقلّب الناس على خلافة الإمام الحسن ودارت بين الإمام ومعاوية مناظرات كثيرة وكتابات ولكن أتلفتها شيعة الإمام , إلى أن قرر عليه السلام محاربة معاوية، فأنشأ جيشا للحرب على رأسه ابن عمه عبيد الله بن العباس ولكن انقلب عليه قائد جيشه بعد أن قدم له معاوية المال والوعود كما كان يقدم العطايا إلى كل أصحاب الإمام الحسن الذين أرادوا الدنيا والآخرة فبايعوا معاوية على نصرته لينالوا من دنياه وبايعوا الإمام لينالوا من آخرته ، ولكن نسوا أو تناسوا أن أهم مبادئ الولاية التبري قبل التولي فنحن نقول لا إله وهذا التبري من كل إله غير الله ثم نقول إلا الله أي تولي الله الواحد الأحد ولكن أصحاب الحسن كان لهم ولاية ظاهرية لله وولاية باطنية لأعداء الله .
فبعد كل هذه الانقلابات ومحاولات الاغتيال وتفرُق الناس عنه وخيانة الجميع له ، وبعد ما لحق بأصحابه المخلصين وأصحاب أمير المؤمنين من التعذيب والقتل على يد معاوية وأزلامه، قرر الإمام أن يعقد صلحا مع معاوية يتنازل فيه عن الحكم السياسي لمعاوية مقابل حقن دماء الشيعة من خلال معاهدة صلح ببنود محددة وشروط تحفظ لشيعة أمير المؤمنين حياتهم وتحفظ الدين من أن ينتهكه رجل كمعاوية، ولكن معاوية لم يلتزم بتلك المعاهدة فدخل الكوفة جمع الناس ورمى بأوراق المعاهدة أرضا وداسها بقدمه قائلا هذا صلحي مع الحسن بن عليّ أدوسه بقدمي .
فانقسم الناس بين مؤيد للصلح ومعارض له ولم يفهموا سبب تصرف الإمام عليه السلام فواجه الاعتراض واللوم من أقرب الناس إليه حتى قال له حجر بن عدي وجابر الأنصاري السلام عليك يا مذل المسلمين وبرواية ثانية السلام عليك يا مذل الشيعة فأجابهم عليه السلام "مثلي كمثل الخضر مع موسى" موسى الذي لم يدرك أفعال الخضر لأنه لم يكن يملك علمه ولا يرى ما يراه وكذلك الإمام الحسن المعصوم الذي يتصرف بوحي من الله، وكما قال رسول الله صلى الله عليه آله " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا" فهو وإن لم يحارب معاوية إنما كان يضع أسس الثورة التي قام بها الحسين، فلو لم يعقد الحسن عليه السلام صلحا مع معاوية،ثم ينقض معاوية هذا الصلح أمام الناس وبعدها قتله كل أصحاب الإمام ومعاونيه، لم تُكشف حقيقة معاوية القائل: ما وليتم لأمركم بالصلاة والصيام بل وليتكم لأتأمر عليكم ، فبذلك ظهر وجه معاوية الخفي واكتشف الناس الحقيقة وانقلبوا ضده مما هيأ لثورة الحسين عليه السلام .
لم تقتصر مظلومية الحسن على حياته بل استمرت حتى بعد استشهاده ، فعندما جيء بالنعش ليدفن في مسجد جده صلى الله عليه وآله ، قالت إحداهن : لا تدفنوا في بيتي من لا أحب. ورُشقَتْ جنازته عليه السلام بالسهام من كل جانب فثار أبو الفضل العباس عليه السلام ليدافع عن أخيه ولكن منعه الحسين عليه السلام نزولا عند وصيّة الحسن عليه السلام له، بأن لا يهرق في جنازته قطرة من دماء المسلمين ورجع بنعش أخيه إلى مقبرة البقيع ليدفنه فيها بعيدا عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، واستمر الحقد والظلم على الإمام المظلوم فهدموا قبره وأُزيلَ شاهده ومُنعَتْ زيارته فكان عليه السلام سجين مقبرة البقيع .
وأي مظلومية للإمام الحسن وأي صبر فاق صبر أيوب مئات المرات ، السلام عليك أيها الطاهر، السلام أيها البر الوفي، السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا محمد يا حسن بن علي ورحمة الله وبركاته .