إن المجتمع المدني بكلا صنفيه المهاجري والانصاري مدركين تماما مظلومية الامام علي عليه السلام وهو شعورهم بالذنب وترجمته بالتعاطف النفسي مع ال بيته الاطهار فتارة يأنون ويبكون مع حنين الزهراء عليها السلام وتارة مع الامام علي عليه السلام فقد ذكر احد الباحثين تحليل جميل وذكر ضمنها حادثة البكاء وهو دليل على إنهم غير معذورين امام الله وامام التأريخ بخذلانهم لاميرالمؤمنين صلوات الله عليه
جاء في الكتاب {....ونزلت بعمر نازلة قام لها وقعد ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد ـ فقال عمر لمن عنده : ما تقولون في هذا الأمر ، فقالوا أنت المفزع مقضب وقال : ( يأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً ) أما والله إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بإدارتها ، فقالوا : كأنك أردت علي بن أبي طالب ؛ فقال : وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله ؟ قالوا فلو دعوته يا أمير المؤمنين : فقال : هيهات إن هناك شمخاً من هاشم ، وإثرة من علم ، ولحمة من رسول الله ، إن علياً يؤتى ولا يأتي ، فامضوا بنا إليه ، فمضوا نحوه ، فألفوه في حائط له عليه تبّان ، وهو يركل مسحاته ويقرأ : ( أَيحسبُ الإنسنُ أَن يُتركَ سُدى ) ودموعه تنهمل على خديه ، فأجهش الناس لبكاءه وسأله ابن الخطاب عن تلك الواقعة ، فأجاب علي ، فقال عمر :
« أما والله لقد أرادك الحق ، ولكن أبى قومك » .
فقال علي عليه السلام : خَفضّ عليك . من هنا ومن هنا :
( إنَّ يَومَ الفَصلِ كَانَ مِيقَتا ) .
فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض ، كأنما ينظر في رماد .
وكما نصح عليّ عليه السلام لعمر من موقعه القيادي ، فقد أبان عمر منزلته في غير موضع ، وتحدث عن فضله بأكثر من حقيقة ؛ فقد روى ابن أبي الحديد عن أبي بكر الأنباري : أن علياً جلس إلى عمر في المسجد ، فلما قام من مجلسه ؛ عرض بعضهم به ونسبه إلى التيه والعجب ، فقال له عمر :
وحق لمثله أن يتيه ، والله لولا سبقه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمة ، وذو سابقتها وشرفها ، فقال له الرجل : ما دام كذلك فما منعكم عنه ؟ قال : كرهناه لحداثة سنه ، وحبه لبني عبد المطلب .
ولم يكن عليّ عليه السلام حدث السن ، فقد تجاوز الثلاثين من عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحنكته التجارب والمواقف ، وجعلت منه قائداً ألمعياً في الظروف الصعبة الشاقة ، ولم يكن محباً لبني عبد المطلب بالشكل الذي يخرجه من الحق ، فقد روى الصحابة أجمعهم قول الرسول :
« علي مع الحق والحق مع علي » وقد وجدنا سيرته مع بني هاشم عند توليه الخلافة كسيرته مع غيرهم عدلاً وإنصافاً .
وكان عمر يكرر هذين الملحظين في علي عليه السلام ، فهّلا كرر الأول بأمرة أسامة بن زيد على شيوخ المهاجرين والأنصار ، وهو دون العشرين ، وكان عمر يخاطبه بالأمير ؛ وهلا كرر الثاني عند ترشيحه لعثمان في حبه لبني أمية ، وإيثارهم في كل شيء ، وهلاّ حاذر على المسلمين من ذلك . ولكن عمر لم يكن جاداً فيما قال ، بل كان سياسياً حاذقاً يبرم الأمر إبراماً ، ويشده شداً وثيقاً ، وهو القائل لابن عباس مراراً وتكراراً في علي : « ما أرى ـ يا ابن عباس ـ صاحبك إلا مظلوماً » .
قال ابن عباس فأردد إليه ظلامته يا أمير المؤمنين ، فقال :
هيهات يا ابن عباس . قالها دون تعليل !!
ولكن عمر قد يدافع عن وجهة النظر لديه ، ويعاتب من يدعي ظلم عليّ عليه السلام ، فقد قال لابن عباس وكان لصيقاً به :
« إني قد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به » .
فقال ابن عباس : ما هو يا أمير المؤمنين ... ، فقال عمر :
« بلغني أنك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً » .
فقال ابن عباس : « نعم حسداً ، وقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة ؛ ونعم ظلماً ؛ وإنك لتعلم صاحب الحق من هو ؛ ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله ؟ وأحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله ؛ فنحن أحق برسول الله من سائر قريش » .
ولم يكن عمر ليجهل هذه الحقيقة ، ولم يكن له أن ينكرها ، ولكنه يعود إلى أن القوم كرهوا من عليّ حداثة سنه ، وما هو قريب إلى ذلك ، مما لا يشكل إقناعاً ، ولا يعد جواباً ، وإذا أجاب عمر فمن ذا يعترض ، ومن ذا يغير وهو القوي المطاع .
__________________________
الكتاب : الإمام علي عليه السلام سيرته و قيادته /محمد حسين علي الصغير
جاء في الكتاب {....ونزلت بعمر نازلة قام لها وقعد ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد ـ فقال عمر لمن عنده : ما تقولون في هذا الأمر ، فقالوا أنت المفزع مقضب وقال : ( يأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً ) أما والله إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بإدارتها ، فقالوا : كأنك أردت علي بن أبي طالب ؛ فقال : وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله ؟ قالوا فلو دعوته يا أمير المؤمنين : فقال : هيهات إن هناك شمخاً من هاشم ، وإثرة من علم ، ولحمة من رسول الله ، إن علياً يؤتى ولا يأتي ، فامضوا بنا إليه ، فمضوا نحوه ، فألفوه في حائط له عليه تبّان ، وهو يركل مسحاته ويقرأ : ( أَيحسبُ الإنسنُ أَن يُتركَ سُدى ) ودموعه تنهمل على خديه ، فأجهش الناس لبكاءه وسأله ابن الخطاب عن تلك الواقعة ، فأجاب علي ، فقال عمر :
« أما والله لقد أرادك الحق ، ولكن أبى قومك » .
فقال علي عليه السلام : خَفضّ عليك . من هنا ومن هنا :
( إنَّ يَومَ الفَصلِ كَانَ مِيقَتا ) .
فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض ، كأنما ينظر في رماد .
وكما نصح عليّ عليه السلام لعمر من موقعه القيادي ، فقد أبان عمر منزلته في غير موضع ، وتحدث عن فضله بأكثر من حقيقة ؛ فقد روى ابن أبي الحديد عن أبي بكر الأنباري : أن علياً جلس إلى عمر في المسجد ، فلما قام من مجلسه ؛ عرض بعضهم به ونسبه إلى التيه والعجب ، فقال له عمر :
وحق لمثله أن يتيه ، والله لولا سبقه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمة ، وذو سابقتها وشرفها ، فقال له الرجل : ما دام كذلك فما منعكم عنه ؟ قال : كرهناه لحداثة سنه ، وحبه لبني عبد المطلب .
ولم يكن عليّ عليه السلام حدث السن ، فقد تجاوز الثلاثين من عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحنكته التجارب والمواقف ، وجعلت منه قائداً ألمعياً في الظروف الصعبة الشاقة ، ولم يكن محباً لبني عبد المطلب بالشكل الذي يخرجه من الحق ، فقد روى الصحابة أجمعهم قول الرسول :
« علي مع الحق والحق مع علي » وقد وجدنا سيرته مع بني هاشم عند توليه الخلافة كسيرته مع غيرهم عدلاً وإنصافاً .
وكان عمر يكرر هذين الملحظين في علي عليه السلام ، فهّلا كرر الأول بأمرة أسامة بن زيد على شيوخ المهاجرين والأنصار ، وهو دون العشرين ، وكان عمر يخاطبه بالأمير ؛ وهلا كرر الثاني عند ترشيحه لعثمان في حبه لبني أمية ، وإيثارهم في كل شيء ، وهلاّ حاذر على المسلمين من ذلك . ولكن عمر لم يكن جاداً فيما قال ، بل كان سياسياً حاذقاً يبرم الأمر إبراماً ، ويشده شداً وثيقاً ، وهو القائل لابن عباس مراراً وتكراراً في علي : « ما أرى ـ يا ابن عباس ـ صاحبك إلا مظلوماً » .
قال ابن عباس فأردد إليه ظلامته يا أمير المؤمنين ، فقال :
هيهات يا ابن عباس . قالها دون تعليل !!
ولكن عمر قد يدافع عن وجهة النظر لديه ، ويعاتب من يدعي ظلم عليّ عليه السلام ، فقد قال لابن عباس وكان لصيقاً به :
« إني قد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به » .
فقال ابن عباس : ما هو يا أمير المؤمنين ... ، فقال عمر :
« بلغني أنك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً » .
فقال ابن عباس : « نعم حسداً ، وقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة ؛ ونعم ظلماً ؛ وإنك لتعلم صاحب الحق من هو ؛ ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله ؟ وأحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله ؛ فنحن أحق برسول الله من سائر قريش » .
ولم يكن عمر ليجهل هذه الحقيقة ، ولم يكن له أن ينكرها ، ولكنه يعود إلى أن القوم كرهوا من عليّ حداثة سنه ، وما هو قريب إلى ذلك ، مما لا يشكل إقناعاً ، ولا يعد جواباً ، وإذا أجاب عمر فمن ذا يعترض ، ومن ذا يغير وهو القوي المطاع .
__________________________
الكتاب : الإمام علي عليه السلام سيرته و قيادته /محمد حسين علي الصغير