إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إصلاح العيوب وإتمام الكرائم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إصلاح العيوب وإتمام الكرائم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

    « اللهم لا تدع لي خصلة تعاب مني إلا أصلحتها، ولا عائبة أؤنّب عليها إلا حسّنتها، ولا أكرومة فـيَّ ناقصة إلا أتممتها ». دعاء مكارم الأخلاق

    :. ضرورة التدبّر في كلمات الدعاء

    في هذه الفقرات الثلاث نرى أنّ الإمام السجاد سلام الله عليه يسأل الله تعالى ثلاث حاجات، ولكنّه في سؤاله عن كلّ حاجة يستعمل كلمة غير التي يستعملها في السؤال عن الحاجة الأُخرى، فمع أنّ الإمام يطلب من الله تعالى في هذه الفقرات إصلاح الحال وما تنطوي عليه النفس من نقائص، وتغييرها إلى ما هو أحسن، ولكنّه سلام الله عليه يعبّر عن النقص الأوّل بالخصلة المعيبة ويطلب من الله تعالى إصلاحها، ويعبّر عن النقص الثاني بالعائبة التي يؤنّب بسببها ويسأل الله تعالى تحسينها، ويعبّر عن النقص الثالث بنقصان الأكرومة ويطلب من الله تعالى إتمامها.

    ولا شكّ أنّ هناك ربطاً بين سؤال الإمام وحاجته؛ فالخصلة التي تعاب بحاجة إلى إصلاح، والعائبة التي يؤنّب بسببها المرء ويلام تحتاج إلى تحسين، والأكرومة الناقصة تتطلّب إتماماً.

    ولا شكّ أنّ الألفاظ التي استعملها الإمام سلام الله عليه تنطوي على بلاغة عالية وعلى عالم من المعاني والمفاهيم.


    :. للتوضيح أكثر نأتي بمثال:

    قد يكون الشخص سيّئ الخلق، وقد يكون حسن الخلق ولكن عنده إفراط، وقد لا يكون سيئ الخلق ولا مفرطاً، ولكنّه حسن الخلق مع بعض الناس دون بعض، فهذه حالات ثلاث.

    أمّا الشخص الأوّل (سيّئ الخلق) فبحاجة إلى إصلاح لأنّ سوء الخلق فساد والفساد يتطلّب إصلاحاً.


    وأمّا الشخص الثاني (حسن الخلق المفرط، كالشخص الكثير الضحك) فبحاجة إلى تحسين وضعه وحاله، لأنّ الإفراط عيب.


    وأمّا الشخص الثالث الحسِن الخلق مع بعض دون بعض، فهو ينطوي على أكرومة ولكنّها ناقصة؛ فيقتضى إتمامها.


    الحالة الأُولى لا حاجة للوقوف عندها كثيراً؛ لأنّ كلّ فاسد بحاجة إلى إصلاح، فسوء الخلق فساد لابدّ من إصلاحه.

    أمّا الحالة الثانية – وهي حالة وجود الفضيلة ولكن وجود إفراط فيها – فتتطلّب تحسيناً، لأنّها ليست فساداً لكي تُقلع بالمرّة؛ بل لابدّ من التحسين فقط.



    يقول علماء الأخلاق: إنّ كلّ فضيلة هي وسط بين رذيلتين هما الإفراط والتفريط في الحالة. فالكرم وسط بين البخل والإسراف، والشجاعة وسط بين الجبن والتهوّر، وهكذا. وكلّ شيء جاوز حدّه انقلب إلى ضدّه. وخير مثال على ذلك وضع الملح في الطعام فإنّ زيادة الكمية نقص كما نقصانها.

    فالفضائل مطلوبة لكن ضمن حدودها، فإن تجاوزتها انقلبت إلى أضدادها فيحصل التأنيب، وتحتاج إلى التحسين.

    وأمّا الحالة الثالثة فمثالها وجود الفضيلة أحياناً دون أُخرى، فترى الشخص مثلاً حسن الخلق في المجتمع ولكنّه ليس كذلك مع أهله، أو العكس، فمثل هذا الإنسان ليس سيّئ الخلق مطلقاً ليكون محتاجاً إلى الإصلاح ولا حسن الخلق مع إفراط فيحتاجَ إلى التحسين، ولكنّه لا يتوفّر على بعض الفضائل وإن كان يتوفّر على بعض آخر، فهو لذلك بحاجة إلى إتمام ما ينقصه.

    وهكذا يتّضح أنّه كما ينبغي التدبّر في آيات القرآن الكريم بل قد يجب أحياناً من باب مقدّمة الوجود - حسب الاصطلاح العلمي - فكذلك ينبغي وقد يجب التدبّر في أدعية المعصومين عليهم السلام ومواعظهم؛ فإنّ التدبّر فيها يكشف عن دقائق ونفائس في كلماتهم تنير حياتنا.

    خذ مثلاً كلمة (عائبة) فهي مؤنّث (عائب) والشيء العائب يحتاج إلى تحسين ومعالجة؛ كالسفينة إذا خرقت أصبحت معيبة فإن لم تعالج نفذ إليها الماء تدريجياً وآل أمرها إلى الغرق، كما نقرأ ذلك في قصة موسى والخضر عليهما السلام في قوله تعالى حكاية عنهما:

    (أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصباً)(1)، وهكذا الحال مع النفس الإنسانية إذا كان فيها عيب وخلل يلام عليه الإنسان، فلابدّ من ترميمها وإزالة ذلك الخلل والعيب؛ ولذلك يقول الإمام سلام الله عليه «ولا عائبة أُؤنّب بها إلاّ حسّنتها».

    وإذا كان الأئمّة المعصومون وهم في أعظم مقام يمكن أن يبلغه مخلوق، يطلبون من الله دائماً أن يعينهم في التكامل، فما أحرانا وما أحوجنا لأن نتوسّل بالله تعالى في الإطار نفسه، فإنّ الإنسان كلّه نقص وافتقار لله تعالى، ومن ثم فهو مدين لله تعالى ويجب عليه أن يتوجّه إليه بالشكر على كلّ النعم سواء في الأُمور المادّية أو المعنوية. حتّى نعمة الشكر على ما أنعم عليه، فإنّها تستوجب شكراً، ولذلك لا يتوقّف شكر الإنسان لله تعالى عند حدّ.

    لقد أنعم الله تعالى على الإنسان بالنعم المادّية لكي يستطيع أن يزكّي نفسه، ومنحه القوى لكي يكتسب المعالي والفضائل.

    --------------
    (1) الكهف: 79.


المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X