إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جَـمَـاْلِيــَّـةُ كِتَاْبُ الإِمَامِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلام) إلى أشراف البصرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جَـمَـاْلِيــَّـةُ كِتَاْبُ الإِمَامِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلام) إلى أشراف البصرة

    جَـمَـاْلِيــَّـةُ بـِنْـيَـةِ النـّـَصِ

    كِتَاْبُ الإِمَامِ الحُسَيْنِ uإِلَى أَشْرَاْفِالبـَصْرَةِاخْتِيَاْرَا

    التحليل التأويليّ الجماليّ لبِنية إيجاز كتابهِ u إلى أشراف البصرة:
    إذا جئنا ولوجاً في رحاب كتابه الذي أرسل به رسوله إلى أصحابه من شيعتهِ الخُلَّص, ونحن متأمّلين تداعياتإنبثاقه إليهم , التي كانت خُلاصةَ رؤيتهِ , إذ تندرج في الأسباب الآتية :أ - تفاقم الإنحراف وسريانهفي بيضة الإسلام , وانتشار الفساد والفجور في جسد الأُمَّةالإسلامية في ظل دولة بني أمية([23]).
    ب – أخذ معاوية فيأُخريات أيامه البيعة من الناس بالقوَّةِ لابنه يزيد ظلماً وجوراً , وطلبمن الإمام الحسين u بمبايعته فرفض ممّا أدّى إلى إرساله العسس خلف الإماملإغتياله في المدينة , وكان هذا سبباً فيهجرته إلى مكةَ المكرمة سرّاً ! ([24]).ج –ومن مكة أرسل كتابه سرّاً عن عيون يزيد بيد رسوله إلى أصحابه بنسخةٍ واحدةٍ وطلبالإمام منهم الكتمان والسريّة به , فَكُلُّ من قرأه كَتَمَهُ ! ([25]).فالنظرة التأملية لهذه التداعيات مع طبيعةتشكُّل بنية إيجاز نصّه من خلال تتبعنا وتحسّسنا علاقات الوظائف التوافقيةالجمالية التي تؤديها البنية بما تحمله من تناسق لبنيات تركيبه وتراتبها فيالمستويات المكوّنة لها , ستتجلّى جماليته البديعة بتآصر عناصرها.إذ رسمت هيالأُخرى تعاضدت الدلالات لتلك الرؤية المجسِّدة لمتطلبات السياق المقاميّوالمضمونيّ معاً صورتها مع البنية نفسها الحاملة لها. ونصُّ كتابهِ المُرْسَلِ إلىالأشراف هو الآتي :- {...أَمَّاْ بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ اصْطَفَىمُحَمَّدَاً عَلَىخَلْقِهِ ,وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ ,وَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ ,ثُمَّقَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ ,وَقَدْ نَصَحَ لِعِبَادِهِ ,وَبَلَّغَ مَاْ أُرْسِلَبِهِ ,وَكُنَّا أَهْلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُوَأَوْصِيَاءَهُ وَوَرَثَتَهُ وَأَحَقَّ النَّاسِ بِمَقَاْمِهِ فِي النَّاسِ,فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ ,فَرَضِيْنَا وَكَرِهْنَا الفُرْقَةَوَأَحْبَبْنَا العَافِيةَ ,وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّاْ أَحَقُّ بِذَلِكَ الحَقِّالمُسْتَحَقِّ عَلَيْنَا مِمَّنْ تَوَلَّاْهُ ؟!,وَقَدْ أَحْسَنُوْا وَأَصْلَحُوْاوَتَحَرَّوْا الحَقَّ فَرَحِمَهُمُ اللهُ وَغَفَرَ لَنَاْ وَلَهُمْ . وَقَدْ بَعَثْتُ رَسُولِي إِلَيْكُمْبِهَذَا الكِتَابِ ,وَأَنَاْ أَدْعُوْكُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِنَبِيِّهِ ,فَإِنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيْتَتْ وَإِنَّ البِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ,وَإِنْ تَسْمَعُوْا قَوْلِي وَتُطِيْعُوْا أَمْرِي أَهْدِكُمْ سَبِيْلَالرَّشَادِ ,وَالسَّلَاْمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُاللهِ...} ([26]).إِنَّ هذه الأجواء الحرجة العامّة المحيطةبالإمام وشيعتهِ آنذاك , جعلت سماء لحظة تقييد كتابهِ متلبِّدة بـ(السريّة)المطلقة جدَّاً , حدَّ أَنَّها استحالتْ مُظلمة بسواد (الكَتْمِ) و(الكِتْمَانِ)في رابعة النهار..! , إذ ألقيا بظلالِهِمَا على كتابه u فكانا مهاداً رحباً تبلورت فيه تكوينات بنية الإيجاز في النصكلّهِ , حتى أَنَّه تجلّى كتلةً موحَّدةً جسّدتْ ما يستدعيهِ المقام القوليوالحالي بظروفهِ كلِّها , فاصطبغتِ البنية بـ(الإيجَازِ المُكَتَّمِ) بفعل هيمنةالسريّة والكتم معاً عليهِ.إذا ألقينا على بنيتهِ الإيجازية نظرتناالتأمّلية التحليلية التأويلية الجمالية سنكتشف الآتي :-إنَّ الإِمام أرسلكتابه إلى شيعته من أشراف البصرة , وقد خلا من ذكر الإستهلال المتعارف عليهيومَئذٍ من دون ذكر البسملة , واسمه المباركينِ أيضاً , ليلفتَ إنتباهَهُم ويشدَّأذهانَهم([27]) ,ليعلمهم بالظرف الإستثنائيّ وحسّاسيته الذي يمرّ بأُمَّة الإسلام إلى مستوى خطرٍجدّاً أَوّلاً , وبحالهِ التي أحاطته في أثناء تدوينهِ ثانياً , ليفصحَ مضموناًسيميائياً عن دلالة مضمرة تشكّل مفتاحاً معنويّاً تترشّح منه دلالات المعانيالمبثوثة في بنية إيجازه العامة , فيفُكُّ متلقُّوه مغاليق إحتمالات أفكار بُعدِغَرَضِ الموضوعِ الرئيسِ في البنية , التي تحوم حول بؤرة الدلالة المركزية ,فَلَقَها كلَّها الإستهلال المحذوف , الذي يعبّر عن سعة إنحراف الأعراف والقيموالتقاليد , ويكشف تخوّف الإمام u على كتاب الله وسُنَّة جدِّه وإسلام أُمَّتهِ , ويعلنبراءته على أفعال بني أُمية بقرينة رفعه البسملة من بنية كتابه , كما أعلن اللهالبراءة في سورة التوبة على المنافقين والكافرين والمشركين([28]).ابتدأ نصّ كلامه ودخله مباشرة بـ(أَمَّاْ بَعْدُ)التي تفيد الأسلوب التركيبي المستأنف معنى فصل الخطاب لشيء لا يُحتمل تجاوز خط شرعالله فَعَمِدَ إليها ليفصل بها بين الحقّ والباطل الذي استشرى , وتعطي دلالةالدعوة لنصرة دين الله الإسلام. لذا نجده تالياً على هذا الأسلوبومؤكّداً بالجملة الإسمية المشتملة على لفظ الجلالة (الله) التي وظّفها بديلة عنالبسملة إذ يتقدم ذكر الله فيها مجاوراً لذكر الإصطفاء المحمّديّ , لأنَّ التأكيدجاء ليصدّق مرجعية الحقِّ بتناسق هذا التراتب من جانب , ولأنَّ هذا التأكيد بأداةالتوكيد الأُمّ (إِنَّ) يفيد التّماسك والائتلاف والسَّبك بعدم الانقطاع بينهما,وبثبوت أزلية التواصل أيضاً, ويفرغ القول إفراغاً واحداً , فيصير أخَّاذاً يؤسرالنفوس ويهزّها ([29]).وهذا التوكيد أجرى إنزياحاً لعمدة الجملةالله) في قوله فَإِنَّ اللهَ اصْطَفَىمُحَمَّدَاً ), بعدما كانت فعلية اصْطَفَىاللهُ مُحَمَّدَاً ), إذ إنَّ الإمام قدّمه على فعلهِ ليعضّد مركز التوكيدالإبتدائيّفي رتبتهِ التركيبية Y بأنَّ (الله) هوالإبتداء قبل الإصطفاء فضلاً عن موضع الإختصاص به وبالإختيار وبالتعيين له I,فهو الأوّل الذيلا أوّل قَبْلَهُ ,إذ اصْطَفَى مُحَمَّدَاً فصارمَظِنَّةَ قرب الله في تراتب الجملة المؤكّدةبفعل الإصطفاء نفسه ,وأكّد الإمام هذا التراتب بشِبه الجملة المتعلقة به تعالى (عَلَى خَلْقِهِ) إذ إنَّ الإضافة بالمضاف (خَلْق) أكّدت الإصطفاء للنّبي ولم يذكر الإمام من همالخَلْق لعلّةِ إفادة العموم والشمول والإطلاق والإستغراق للخلق كلِّـهِ ,وأَمّابالمضاف إليه (الهاء-ـهِ) فحصرت فعل الإصطفاء له وحده تعالى بقرينة ملازمةالتعلُّق به ,ليدل هذا النسق التراتبي دلالة الحصر التركيبي والقصر أيضاً , وإشارةلأهمية حدث الفعل التأبيديّ.إنَّ هذه الإضافة هي الرئيسة المتصدّرة فيكتابه بآلية توظيفها العلائقيّ بالله U حتى انفلقت فشكّلت إضافات متصلة الضمير الدال إلى قرينة المتعلّقبه. إذ توزّعت بين مدلولين جَمَعَهُمَا الإلتفات دلالياً. وبأداة العطف وحرفهِنلحظه عطف أحدهما على الآخر تقديماً وتأخيراً ,لإفادة التلازم والملازمة والإرتباطالوثيق الذي يقهر من أراد الوصول إليه إِلّا قُذِفَ بشهاب ثاقب..!. وهذا البناء المتلاحم الذي جنّده الإمام u ليُجذِّر التأكيدالشديد الذي يُبْعِد شُبَهَ الشك والتردد وعدم الإطمئنان عند الآخر- المتلقي ,وفيالبرهةِ نفسها يقوّي إيمانه وثقته بعمق الإرتباط من قريب رحمة الله ونبوّة الرسول ,و فوق تثبيته وتوكيده هذافقد عزّزه وآصرهوقوّاه بالإفراد اللفظيّ الذي جاء في السياق نفسه بالأفعال الدالة إلى خصوصيةالفاعل الواحد أو المؤشرة إلى المفعولية والمعمولية الواقعة على من اتصل به ذلكالفاعل وهو الله الذي تجسّدت فيه هذه الإعتمالية الدالة إلى الضمير العائد إليهِهو النّبي بَدْءاً بالأفعال المختصّة بفاعلية(الله)=(اصطفى- أكرم – اختار- قبض)وكلّها جاءت متعاطفة على بعضها فدلّت إلى أنَّ المعطوف لهو الأصل والقاعدة ([30]),بقرينة دلالاتها إلى الحدوث والتجدّد ([31])؛أو المسندة بفاعلية النّبي (محمّد)=(نصح – بلّغ) بحسب المطلب السياقيّ ,الذي أعطىجمالية اندماج متلقيهِ في متابعة سلسلة موارد مضمون بنية كتابه , أَمَّا الفعل (أُرْسِلَ) فهو المنفرد بالبناء للمجهول من بينأفعال القسم الأوّل التي وظفّها الإمام u وغاية إنفراده تظهرها علاقتُهُ بالفعل (بَلَّغَ) مضعّف العين الدال إلى الكثرة والمبالغةفيها ؛ مقترناً بدلالة التعظيم للذي لم يصرح بهِ - الاسم الموصول- أرسله اللهُإليه وأدّى تبليغَه , إذ قام الإمام بحصره تراتبيّاً في تركيب الجملة وَبَلَّغَ مَاْ أُرْسِلَ بِهِ) بينها ليكون إشارة رمزية لأصحابه إلى قول الله تبارك اسمه: )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَوَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَالنَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(([32]),هدفاً من الإمام في إبقاء أصحابه تحت ظلال القرآن , وليجعلهم عاملين بأحكامه ,متّبعين أوآمره , مجتنبين نواهيه , عارفين منه الحقّ وأهله , فما أحلاه منتكثيف..!.ومن ثَمَّ نراه يعدل من صيغة الإفرادبإلتفاتهِ إلى خطاب الجمع في قولهِ وَكُنَّا أَهْلَهُوَأَوْلِيَاءَهُ وَأَوْصِيَاءَهُ وَوَرَثَتَهُ وَأَحَقَّ النَّاسِ بِمَقَاْمِهِفِي النَّاسِ) بعطف الجملة المتصدرة على المتقدّم كلِّهِ , لإقامةترابط تأكيدهِ في حال الإفراد الدال إلى عمق صلة المرجعية الإلهية بالنبوّةِوبهِمْ (أهل البيت )عبر تراكيب الجمل الإسمية المتسلسلة عطفاً بـ(واو العطف) اللاحقة بجملة وَكُنَّا أَهْلَهُ...) التي تحمل دلالة الثباتوالدوام ([33]) ,و(كُنَّا) هنا تامّة مرتبطة بالزمنالمستمر والحدث الثابت في تأكيده استمرارية الإمامة , ولقد وردت في التعبيرالقرآنيّ بهذا المدلول كثيراً ؛ كقولهِ تعالى :)وَلَقَدْآَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ(([34]),وقوله :)وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْقَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْبَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ(([35]),فضلاً عن الإضافة الضميرية التي أفادت الإثبات والتأكيد معاً في آن واحد بوصفهاسمة رئيسة في أساس بنية إيجاز النّص , بعدما عمد إلى حذف المسند إليه الواقعمبتدأً , وهو الضمير المنفصل (نحن) في الجمل الإسمية وَنحن أَوْلِيَاؤهُ؛ وَنحنأَوْصِيَاؤهُ ؛ وَنحن وَرَثَتُهُ ؛ وَنحن أَحَقُّ النَّاسِ...) فحذفه يثير جمالية بديعة لايعطيها حال ذكره ([36]),لشدّه إنتباه المتلقي ولإيجازه من عدم التكرار الذي يخلف مَلالاًعنده , ولأن دلالة (نحن) النحويّة تحمل معنىالإنفصال التركيبيّ فلا تقوّي المضمون الذي يقصده الإمام u , ولم يكتفِ بهذا ؛ بل راحَ مؤكّداً بالإضافة أيضاً بعودة الضميرإلى النّبي في أخبار الجمل المتعاطفة, مشفوعاً بتكرار لفظ (النَّاس) مرتين ولكن بدلالته الحصرية في وضع شِبهِ الجملةالمتصلة بالضمير العائد إليه (بِمَقَاْمِ/ـهِ- النّبي) بينهما لتجسّد معنى خصوص أحقيتهم , وليرسّخ تأكيده حال الإفراد في ذهنالمتلقي قبل إلتفاته الجمعيّ ؛ فوضع جملة وَكُنَّا أَهْلَهُ و.. و.. و..إلخ) بين قولهوَبَلَّغَ مَاْ أُرْسِلَ بِهِ ) وقوله بِمَقَاْمِهِ..)ليعبر هذا الحصر عن دلالة التبعيض المعنوية في دائرة واحدة لا انفصال بينهمايتمثّلان صوتاً واحداً هو (الحقّ) الذي يدمغ الباطل , مع ما تضمّنته (الباء) مندلالة البدلية لتوكيد حقّ المقام لهم , وتناسباً مع هذا التراتب التركيبي وتناسقهالدلاليّ بمتطلبات السياق الإيجازيّ منه u تناغماً مع ما أثاره التكرار من وقعٍ خاصٍّ في ذهن المتلقي بفعلالتوكيد اللفظيّ الظاهر على إشتغاله صوت حرف (السين) من جرس جهوريّ يتجاوب ومقامالإثبات والإلتفات إليه. وهذا التأكيد كلُّه جاء الإمام به لكي يهيئذهن القارئ في الوقت نفسه , لشيء ذي أهمية كبرى وحسّاسة , ثمّ لو لاحظنا أن الإمامكيف جاء بالتراتب التعاقبيّ الذي نجده بين العطف والإضافة إذ بتوظيفه إيّاهما جعلابنية نصّ كتابه متماسكاً ومترابطاً دلالياً مع مضمون التأكيد والسياق المقاميّالذي يريد الإمام عبر سلسلة التعاطف بين صيغة الإفراد والإلتفات الجمعيّ وشبهالجملة ذات الضمير العائد إلى النّبي إنفراديّاً والتي كما قلنا أفادت الحصرالتخصيصيّ والتأكيديّ في آن واحد.إذ إنَّ علاقة العطف مع الإضافة علاقة تعاضدتركيبي , من حيث إنَّ العطف كلّه جاء على جملة اسميّة مؤكّدة بـ(إنَّ) التيتفيد التماسك والإئتلاف , وتهزّ المتلقي وتشدّه , وهذه الإفادة أخذها العطف ليعضدتأكيد الجمل الحاصل مع طبيعة سياق المضمون ,أمّا الإضافة بمتعلّقاتها كلّها ,فتجسّد التعالق بين أجزائها في جعل ثبوتية الأحقية (لأهل البيت )قارة في خَلَدِ المتلقي وصولاً إلى الهدف الأسمى الذي شقّ له الطريق عبر هذاالتأكيد المتناهي في العمق الذي يسدُّ أبواب الشكِّ ومشتقاتهِ عنده ودفع أيّ حالترددٍ يصدر منه في الحين نفسه ([37]),وهنا تظهر العلاقات الجمالية التي منحتها الإضافة لبنية الإيجاز , ولمضمون النصكلِّه , بوصفها تعدّ عنصراً مهماً من عناصر الإيجاز في الحركة الدلالية.ومن ثمّ يورد جملة مفتاح الهدف بإلتفاتٍصغير آخر؛ وبصيغة الفعل المفرد الدال إلى الجماعة..!, في أعلى درجات (التكثيف) فيقوله فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ )ليدل إلى بدايات سريان الإنحراف بالأُمّةعندما رضيت على من سلب مقام رسول الله ظلماً وجوراً منهم , حتىأنشب هذا الإنحراف أظافره فيهم , وهم لايحبّون الفتنة.والفعل (فَاسْتَأْثَرَ ) تكتنز فيه جمالية الإيجاز كلِّه بما تحويه من أبعاددلالية اختزلتْ المواقف في المضمون كافة.!, بدءاً من (الفاء) التي تصدرت الفعل إذإنَّها العاطفة الفصيحة ([38]),عن المحذوف المقدّر الذي عطفت عليه وتدلّ إليه ؛ وتقديره طغى قومنا فاستأثرعلينا) , وهنا تتجلّى دقّة الإمام u في التعبير الإيجازيّ , إذ إنَّهُ وظّفها لغاية في حذف المعطوفالمقدّر (طغى) لعلمهِ أنّها تفصح عنه لسريّة الموقف وحسّاسيّته تجاه الوضعالمتأزّم , ولعلم أشراف البصرة به لأنهم شيعته ويواكبون الوضع نفسه , ومن ثَمَّفإنَّ الدلالات المركزية لمضمون الهدف الرئيس الذي يتحدث عنه الإمام ألا وهو(الحقُّ المغتصب) تجذّرت في الفعل نفسه بفضل اقترانها به , . إذ سكبها في الفعل (اسْتَأْثَر) الذي هو موضع انتقال هذه الدلالات إلىسائر تراكيب نصّه , فيستحيل الفعل نفسه مرآة عاكسة أخلاق خطّين : الأوّل :خطّ أهل المقام المحمّديّ ؛ والثاني : يمثّل خطّ القوم الذي استأثر على أهلالمقام ؛ حتى أنَّ اجتماع صوت حرف (السين مع التاء) لا يأتي في العربية إلّاقليلاً إذا أتى فيفيد دلالة التعمية والغموض ([39]),إذاً توظيفه فيه قوّى دلالة مطلب السياق , بمجيء الفعل مزيداً منه ( أ –س –ت ) , وأصله الثلاثي ( أَثَرَ) أي ؛ استبد وأخذ ما ليس له بحقّ . وفضّلالمفضولعلى الفاضل المستحقّ , لذا نلحظالإمام صدّره أحرف مزيدة لدلالة تأكيد أخذ الحقّ الزائد على غير أهله.قبال هذا إنَّ الإمام صوّر لنا معادلةمحكمة تشير إلى المحذوف وهو (الطغيان) كما تبيّن آنفاً, ولم يتوقف عند هذا , بلشكلها صوتيّاً بأصوات حركات وزن بنية (الفعل), مع تعضيده هذه الدلالة بالإضافة الواردة في اتصالالضمير العائد إلى (أهل البيت )مع الفاعل نفسه , ومن ثَمَّ أتبعه باسم الإشارة المتصل بـ(باء البدلية) من المقامالمحمّديّ ؛( بِذَلِكَ) الذي يعود إلىالمقام أيضاً , بدلالة الإشارة إلى الشيء البعيد ليناسب مطلب سياق مضمون الحصرالمترتب آنفاً , أي مع الحقّ المبعد عنه أهله , إذ إنتقاؤه كان دقيقاً ومستمدّاًمن قوله تعالى:)ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ(([41]),لأنَّه تعالى في مورد نفي الريب عنه فاستعمل إشارة البعيد..!., وأكّدالإمام بعطف جملتين تحملان الدلالة نفسها على هذا التقابل الناقص الحامل لدلالةاختلال القيم والمبادئ , عن طريق التقابل التام الذي جاء تضادياً لتقابل تام حذفهالإمام لدلالة المذكور إليه وهو من أبلغ أنواع التقابل في الجمالية النصيةالبلاغية ونهاية الإيجاز([43]),وهما في قوله وَكَرِهْنَا الفُرْقَةَوَأَحْبَبْنَا العَافِيةَ ) وهدف الإمام فيهما هو تعزيز تبريره (رضاهم)وتقوية حجته تجاه المتلقي القارئ لكتابه , ولرفع اللثام عمن يدعي أهليته المقامالنبويّ , كـ(بني أُميّة) , وفي الطرف الأول قام الإمام بإضافة الضميرالمتصل (نا) إلى الفعلين , ليكون في موضع الفاعلية العائدة إليهم التي دلّ إليهاهونفسه (نا) , إذ أشغل وظيفتين في برهةٍ واحدة ,الأولى: تأكيدية , والثانية: ثبوتية ([44]),وكذا الحال عند المفعولين في الجملتين وهماالفُرْقَةَ), (العَافِيةَ) إذ قرن الإمام كليهمابـ(أل) التعريفية التي تفيد التخصيص والإستغراق , لأهليتهم في الحفاظ على شملالأمة ووحدتها وبثّ روح الإنسانية والتسامح وحبّ الخير بين النّاس, وهذا التخصيصفي عمقه الدلالي ووظيفته التراتبية إنصهار مع العطف بين الجمل الذي يؤدي الترابطوالتماسك وقوّى التأكيد المساق في جمل الكتاب السابقات بما انطوت عليه من نكاتجمالية بانت في أثناء التحليل التأويلي.وبعد هذا عرّج الإمام ليقرع أسماع متلقيهبـ(الجملة التأكيديّة الكبرى) في كتابه كلّه , والذي يمحّص النظر يجد أنّها(العقدة) الفريدة التي توسطت قلب بنية نصّه ,إذ إنَّها حملت قلب الغرض الرئيس الذيكان سبباً في نسجها اللفظي والمعنوي معاً لإيصاله إلى المتلقي بصورة هندسية خلّابةتثير مكامنه وتهزّ كينونة ضميره , وتنشط حميّته على الدين الحنيف , , وهي قوله وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّاْ أَحَقُّ بِذَلِكَ الحَقِّالمُسْتَحَقِّ عَلَيْنَا مِمَّنَ تَوَلَّاْهُ ) ,.وبعدها أورد نصّ طلبه وغرضه في قوله وَأَنَاْ أَدْعُوْكُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِنَبِيِّهِ )جاء ترتيب التركيب مؤكّداً ومعطوفاً على مؤكّدات الجمل السابقة, بما تحمله من معنىومضمون , لإفادة إثبات الإرتباط بينه وبين الدعوة والمعنيين بها والمُرسَل معإقرار صدور الكتاب منه u إذ قام بتوظيف الضمير المنفصل (أَنَاْ)في الصدارة لأنّه غير مركب لا إضافةً ولا كتابةً ؛ ودلالةُ شكل رسمه فيها رمزالوقوف والإنتظار وإثارة القارئ وترقّب الإستجابة السريعة العاجلة , ولم يقل(أنِّي) وإن كان يفيد التوكيد إلّا أنَّ فيه دلالةَ الإبطاء والإضطراب.بعد هذا التأكيد كلِّه,عمد إلى التأكيدبالفعل المضارع المبني للمعلوم(أَدْعُوْكُمْ)الدال إلى الحاضر والمستقبل المستمر بقرينة مائدة دعوته(كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ)الأبديّين, والمتصل بضمير الخطاب(كُمْ) المضاف إليهوالعائد إلى أصحابه في شِبه الجملة (إِلَيْكُمْ) لزيادةتأكيد خصوص الكتاب بهم والدعوة إليهم , و(الميم)المتصلة بـ(كاف الخطاب) عملتوظيفتين؛الأولى: خصّصت ضمير الخطاب بأصحابه جميعاً ؛والثانية:تجاوبها مع مطلب السياق بصوتها وشكلها من حيث دلالة الإنضمام والوحدة والتجمعوالجماعة. وإذا دققنا النظر فيتراتب التركيب فالفعل (أَدْعُوْ) وقع بين ضميرين , لِيَنْتُجَ حصرٌتركيبيٌّ يعضد الدلالات السابقة في إثبات الدعوة , ولإثارة فضول المعرفة عندأصحابه لما يحمله الفعل من إشارات محالة إلى النص القرآنيّ ,وعند قوله تعالى:)قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيوَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(([58]), وهنالك إشارة أخرى محالة إلى حدث مهم واكب ولادة كتابهإليهم ضمّه الفعل (أَدْعُوْ) رمزياً ليدل إليه, لم يذكره لعلمهم به؛ هو خروج يزيد خاطباً بقومه بعد أننصب رايات سوداً قائلاً لهمأدعوكم إلى سُنَّة عمر بن عبد العزيز..) ([59]), كنبي الله عيسى u من الأنبياء والمعصومين؛نحو قوله I:)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْأَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(([60]),لذابنى الإمام الفعلين للمجهول تحقيراً للفاعل من بعد حذفه وهم بنو أمية,وتفخيماًلجريمتهم النكراء. ومن بعد هذين التقابلين يعدل ملتفتاً من المجهول إلى المعلوم فيجملته الأخيرة الحاملة التركيب الشَّرْطِي الذي يضمّ ثلاثة أفعال الأول والثانيللطلب والثالث لجواب الشرط , بأسلوبٍ ترغيبيٍّ ومشوّق ؛ إذ يقول:(وَإِنْ تَسْمَعُوْا قَوْلِي وَتُطِيْعُوْا أَمْرِي أَهْدِكُمْسَبِيْلَ الرَّشَادِ) فإنّها جاءت معطوفة على جملة (طلب الدعوة) وهذاالعطف جعلها مندمجة الإشتراك في تحقيق دلالة معنى الترغيب والتشويق المشروطينبإستماع القول وطاعة الأمر؛ الأحقين من حيث أصلُ الدعوةِ إلى (كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ) وعظمة صاحبهابوجودهما الأرضي والسماوي ؛ الوضعي والأزلي ؛ فلا موجود أعظم منهما..!.وإذا دقّقنا النظر فيها وهي حاملة تركيب شرطغرض الإمام ونتيجته ستظهر لنا مجموعة نكات انطوت عليها وهي :الأُوْلى: استعمل (إِنْ) وهي أصل أدوات التوكيد , وتوظيفها منسجم معأصالة غرض الإمام ودعوته , والعرب لايستعملون غيرها , وإذا استبدلوها بأخرى كانتنائبة عنها ([61]),لذا صدّرها أوّل جملتهِ لمعرفة قيمتها عند أصحابه.الثانية: إنّه قدّم الفعل (تَسْمَعُوْا) على الثاني (تُطِيْعُوْا) ليرسّخ عندهم حُسْنَ قولهِ النابع منمعجزة جدّهِ الخالدة , إشارة إلى قوله تعالى :)فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَأَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوالْأَلْبَابِ(([62]).وليحصر به(تَسْمَعُوْا)هذه الدلالة معالمصدر السماعي(الرشاد) الذي أضافه إلى المفعول الثاني لتأكيدها مع مالهما منتوافق دلالي فيما بينهما ختم به تركيب الشرط في كتابه.الثالثة: جزم الفعل الثاني (تُطِيْعُوْا) عطفاً على الفعل (تَسْمَعُوْا) من دون تكرار أداة التوكيد الأمّ (إِنْ) من أجل إبقاء التلازم التركيبي والتجاوب معمطلب سياق الإيجاز المكثّف, فضلاً عن ملازمة التوازي الدلالي بينهما أيضاً ([63]).في الحصول على سبيل الرشاد.الرابعة: ثمّة إلماح إشاريإلى تقابل تضادي مضمر , شحنه الإمام في الفعلين(تَسْمَعُوْا)؛ (تُطِيْعُوْا) , هو أنّ إستماع الحقّ,يقابله إستماع الباطل ؛ وكذا الطاعة أيضاً. ليعلم أصحابه بوجود النجدين من خلالرمز التقابل الظاهر.الخامسة: نلحظه أضاف (قَوْلِي) , (أَمْرِي) إليه , لينبئ بدلالــة الجملتــين المركزيــة , بأنّهاهي الأساس فيهما , ومن أجلهما طلب الاستماع والطاعة؛ فضلاًعن هذا نجده حاصراً كلّواحدٍ منهما بين (وْا) فاعل الجماعةالدال إليهم , و(ي) ياء المتكلم العائدإليه , ليعزّز الدلالة المذكورة من دون سريان الشّك أو الريب فيهما عندهم.السادسة: نحسّ وجود طاقةتنغيم إيقاعي , أذابها الإمام u في الجملتين , ونشمُّ عطرها ما إذا قمنا بالتقطيع النثريّ لهما .ومِنْ ثَمَّ يَخْتم الإمام u كتابه المُوجَّز المُكتَّم , بتحية الإسْلام السَّلام ؛ فيقول: ( وَالسَّلَاْمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُاللهِ...),وينطوي على جملة من النّكاتِ الإشاريّة نكشف أهمّها:أ – إنَّه قد اكتفى بذكر جزءينمن(السّلام) وحذف الجزء الثالث منه؛ هو(وَبَرَكَاْتُهُ) لوظيفتين أدّاهما(الحذف), الأولى: إشعار أصحابه بالإخلال الحاصل في الدين وتقاليد السُّنّةومبادئ الإسلام وأعراف المجتمع؛ الثانية: إنّ رفعه (وَبَرَكَاْتُهُ)رمز كناية عن عدم وجودها بسبب الفساد المستشري في حياة الناس كافة.ب – ختم الإمام كتابه بلفظ الجلالةفي الجزء الثاني من سلامه (ورحمةُاللهِ...), كماابتدأهبقوله:( فَإِنَّ اللهَ اصْطَفَىمُحَمَّدَاً ) فتحقّق حصر كتابه بين الموضعين , ليرسخ في أذهان أصحابه التوكّلعلى (اللهِ) أَوّلاً وأخيراً ؛لإستمدادالقوّة وشحذ العزيمة ورباطة الجأش ,وحضّ الحمية لنصرة الحقّ , والتسليم له وحده ؛إشارة إلى قوله تعالى:)لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُالْمُؤْمِنُونَ غ‌بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (([71]).ج – أراد بـ(السّلام) دلالة الإطلاقوالعموم والشُّمول لمضمونهِ كلِّهِ ,من حيث سلامةُ الأُمَّةِ من أصنافِالأمراضِكلِّها ؛ والعمل بسُنَّةِ جدِّهِبأداة الإصلاح لقوله الخالد وَأَنِّي لَمْأَخْرُجْ أَشِرَاً، وَلَاْ بَطِرَاً، وَلَاْ مُفْسِدَاً، وَلَاْ ظَاْلِمَاً،وَإِنَّمَاْ خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاْحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ،أُرِيْدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَىعَنِ المُنْكَرِ،وَأَسِيْرُ بِسِيْرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ)([72]).

  • #2
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    الاخ
    د.حيدر محمود الجديع جزاكم الله خيرا
    بحث قيم فقد وجدنا فيه ما ينم عن وافر علم الكاتب
    وبديع صياغته للعبارات
    زاد الله في علمكم وحشركم مع محمد وآل محمد

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X