بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
الهي لا تؤدبني بعقوبتك..
هذه الفقرة الشريفة هي أول ما يبتدئ به الامام زين العابدين في الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي..
انّ الانسان في كثير من الأحيان ليغفل عن طاعة الله تعالى، او قد يصل به الأمر الى الابتعاد عنه، فينحرف عن الطريق المستقيم، وهنا لابد من رادع يردعه ليعود الى ذلك الطريق الذي رسمه الله سبحانه وتعالى..
إذن لابد من وجود تأديب يؤدب ذلك العبد حتى يرجع عن غفلته وغيّه، ويُفهم من الفقرة أعلاه من الدعاء انّ هناك تأديب بواسطة العقوبة وآخر من دونها، ولنظرة الامام الثاقبة بأنّ لا أحد يستطيع أن يتحمّل العقوبة من الله تعالى إلا الأوحدين من الناس، فمن يتحمّل العقوبة الإلهية التي إذا أرادت أن تحلّ بالعبد، فنحن مثلاً لا نستطيع أن نتحمل الفقر المدقع وهي من أبسط الابتلاءات التي يمكن أن تصيبنا، فالفقر المصاحب لكثرة الديون والاصابة بالأمراض لا يمكن أن يتحملها الانسان العادي، يُنقل انّ أحد العلماء العرفانيين وهو يعيش في النجف الأشرف كان يذهب يومياً قبل صلاة الصبح الى الصحن العلوي الشريف ويتمسّح ببابه الى حين يُفتح، ويطلب من المولى أمير المؤمنين أن يعمل الله به ما يشاء ويسلّط عليه كلّ بلاء مقابل أن يقضي حاجته، وما هي إلا فترة حتى ابتلاه الله تعالى بالفقر الشديد، فتراكمت عليه الديون حتى لم يبق صاحب محل إلا وله عنده قائمة بالديون، وتأخر كثيرا في دفع الايجار حتى اضطر صاحب المنزل الى أن يرمي بأثاثه في عرض الشارع فلم يجد مأوى يذهب اليه، وحلّ به المقام أخيراً في مسجد الكوفة والسكن في إحدى غرفه، وكان يذهب يومياً الى الدرس من الكوفة الى النجف، حتى ضاقت بهم الحال كثيراً وتذمرت زوجته فشكت اليه الحال فقالت له هل يرضى الله أن نصل الى هذه الحال، وهل يقبل مولاي أمير المؤمنين بذلك، فما كان منه إلا أن قال إذهبي الى أمير المؤمنين واشتكي له حالك، وبالفعل ذهب معها الى مرقد أمير المؤمنين وما إن وصلوا جلس هو في الصحن الشريف وذهبت هي الى المرقد الطاهر لشكوا أمرها اليه، وما إن خرجت حتى وجدت إنّ حذاءها قد سُرق، فقالت له إنظر حتى أمير المؤمنين لم يستجب لنا بل ازددنا سوءً..
ومرّت الأيام وازدادت سوءً، وعندها عرف ذلك العالم الجليل خطأ ما كان يتفوّه به، لذلك أخذ يتوسّل بأمير المؤمنين بأنّه قد عرف خطأه وإنّه لا يستطيع تحمّل ما قد يُنزله الله به..
وهنا بالطبع انّ الله تعالى لن يترك عبده بل يريد أن يُريه بأنّ لا أحد يستطيع تحمل ما يتحمّله المعصومون..
لذلك فنحن عندما نطلب من الله تعالى علينا أن نطلب بما يليق وقدرتنا، فما أجمل أن نطلب بما علّمنا أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل حينما يقول ((اَللّـهُمَّ فَاقْبَلْ عُذْري وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرّي وَفُكَّني مِنْ شَدِّ وَثاقي، يا رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفَ بَدَني وَرِقَّةَ جِلْدي وَدِقَّةَ عَظْمي))، فأنا يا الهي مع تقصيري واسرافي على نفسي فاني لا أستطيع تحمّل عقوبتك وإبتلاءاتك، ومع ذلك لو افترضت بأني أستطيع تحمل ذلك فهل أستطيع تحمّل الابتعاد عنك، أو تحمّل مفارقتك ((فَهَبْني يا اِلـهى وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ))..
إذن بطبيعة الحال نحن لا نتحمّل عقوبة الله وإبتلاءاته الشديدة، لذلك نطلب من الله تعالى أن يؤدبنا بغير العقوبة..
لذلك فانّ الله تعالى يعرف بحالنا وضعفنا فيمدّ لنا سبل الرحمة علّنا نتشبّث بها، ومن الأدب الإلهي الذي ليس فيه عقوبة هو شهر رمضان المبارك الذي تتنزّل فيه الملائكة كلّ يوم وليلة وينادون ألا من مستغفر فيتوب الله عليه، أما من طالب رحمة فيرحمه الله..
فهذا النداء هو تأديب لنا من غير عقوبة، ولكن ما يفوز بها إلا من أراد الوصال مع ربّه وسمع بأذن القلب تلك النداءات فيلبيها ويستحي من خالقه فيتأدب بذلك الأدب فيدخل حرم الله سبحانه وتعالى..
تعليق