بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ( سورة الإسراء – 9 )
أ – في كنف الآية :
إن كلمة ( أقوم ) صيغة تفضيل بمعنى الأكثر ثباتا واستقامة واعتدالا فالقرآن الكريم كذلك من جميع الجوانب أي في كل الوجود والحياة وكافة القضايا، لذلك هو من أعظم النعم على البشرية التي لو قضى الإنسان عمره كاملا في سجدة واحدة ما أمكنه أن يؤدي حق هذه العطية الإلهية الخالدة، وهو الميزان الذي على وفاقه البشرى والجنة وعلى شقاقه الخسران والنار.
ب – عظمة القرآن الكريم :
إن القرآن هو الثقل الأكبر الذي أمرنا بالتمسك به والسير على هديه يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):
"إني قد تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي."
(بحار الأنوار – ج23 – ص106)
وهو منار الحكمة وربيع القلوب وحبل الله المتين ومنهج التعاليم الإلهية التي تصنع الإنسان وتربّيه يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة القرآن :
" جعله الله ريا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء ونورا ليس معه ظلمة"
( نهج البلاغة – خطبة 198)
فإذا عرفنا عظمته وحقيقته وجب علينا تعظيمه وإجلاله واحترامه لأنه كلام الخالق العظيم، لا أن نعلّقه على جدار أو نضعه زينة في خزانة التحف، وقد غطّى الغبار دفتيه . بل إن نرتّله مع فهمنا لآياته وعملنا بمضمونه، ونصغي آذاننا له بكل شوق ولهفة. بما يجسّد العلاقة الوثيقة به والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، وبالخصوص في الفتن والمحن فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله:
" إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن "
( الكافي – ج2 )
والرجوع إلى القرآن يكون عبر العلماء النتهلين من منبع الثقل الآخر أهل البيت العصمة عليهم السلام ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام:
" إياك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء."
( التوحيد )
ج – العمل بالقرآن :
إن المرء قد يحترم بعض الناس كأبيه غير أنه يخالفه ولا يعمل بإرشاداته وما ذلك إلا لأن نفسه وهواه يأمرانه ويقودانه إلى مخالفته وهذا في واقع الأمر ليس احتراما حقيقيا ولا تقديرا صادقا وإنما الاحترام والإجلال الحقيقيان هما حين العمل بإرشادات الأب وإطاعته لا الاستهانة بأمره وهكذا بالنسبة إلى القرآن الكريم، فإن كما هو مطلوب من المسلم أن يقدّسه مطلوب منه أيضا أن يكون عمله وحياته وسائر شؤونه خير أدلة وأمثلة لهذا الاحترام ولا يدعه وراء ظهره حين الابتلاء بمغريات الدنيا أو رغبات النفس الأمارّة بالسوء وإلا مع عدم العمل بتعاليم القرآن واتباعه لا يتحقق التعظيم والاحترام ولا يصدق التمسك به وحينما لا يكون المسلم متمسكا به سيضل الطريق القويم إذ الواضح من حديث الثقلين أنه لا يمكن الأمن من الضلال إلا بالتمسك بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام لا التخلي عنهما ولا الانفراد بأحدهما دون الآخر ، فترك العمل بالقرآن معناه الضلال والانحراف عن الخط الذي أرادنا الله تعالى أن نكون عليه.
د – آداب القرآن :
1. تعلّمه وتعليمه: عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:
"خياركم من تعلم القرآن وعلّمه." ( البحار – ج92 – ص186 )
" إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلّموا مأدبته ما ايتطعتم." ( ميزان الحكمة – ج6 – حديث 2521)
2. تعظيمه واحترامه: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:
" القرآن أفضل من كل شيء دون الله فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله . ومن لم يوقّر القرآن فقد استخف بحرمة الله ." ( جامع الأخبار)
لذلك حرم تنجيسه واستحب جعل مكان خاص له يوضع فيه .
3. تدبّره والاستفادة منه: يقول تعالى:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( سورة محمد – 24 )
وفي الحديث:
" أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب الله." (أمالي الصدوق )
لذلك من الأفضل في التلاوة أن تكون بالشكل الأمثل وهو الذي يقترن مع التدبّر والتفكّر ويستتبع التأثر والتفاعل مع معاني الآيات في وعدها كما عن أمير المؤمنين عليه السلام واصفا المتقين:
" وإذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول أذانهم وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت أنفسهم إليها شوقا، وظنوا أنها نصب أعينهم." ( نهج البلاغة )
4. الطهارة عند تلاوته أي أن يكون على وضوء
5. عدم مس كلمات القرآن إلا بعد الوضوء وهو من الشروط اللازمة.
6. استقبال القبلة عند القراءة
7. ابتداء السور القرآنية بقول { أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } أو { أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم } ومن ثم البسملة
8. أن تكون القراءة ترتيلا كما ورد الأمر بذلك في القرآن: ~ ورتّل القرآن ترتيلا ~
9. أن تكون القراءة في المصحف ولا في غيره مما اشتمل على بعض الآيات ككتب الأدعية التي يطبع عادة جزء من القرآن الكريم في أولها ، أو القراءة غيبا وظاهرا . عن النبي صلى الله عليه وآله:
" القراءة في المصحف أفضل من القراءة ظاهرا." ( جامع الأخبار )
وعن الصادق عليه السلام :
" النظر في المصحف عبادة ." ( الكافي )
للحفظ – قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ( سورة فاطر – 29 )
في الحديث: " إذا أحب أحدكم أن يحدّث ربه فليقرأ القرآن "
( ميزان الحكمة – الحديث 16497 )
نسألكم الدعاء
تعليق