إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سياسة الدولة في نهج البلاغة الجزء الثانی

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سياسة الدولة في نهج البلاغة الجزء الثانی

    (1) عرض عليه السّلام الصفات الواجب توفرها في الإمام فقال ( من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه)) وذم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم في أكثر من موضع.
    وحدد العلاقة بين الراعي والرعية فقال:
    ((أيها الناس إن لكم علَّي حقاً ولي عليكم حق، فأما حقكم علَّي فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا تأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم بالوفاء بالبيعة والنصحية في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم)).
    ولنلاحظ هنا أنه يجعل من حقه على الشعب أن ينصحه الشعب وهذا مبالغه في السعي وراء الكمال وكم هو نبيل قوله لقومه رداً علي من أثني عليه: ((فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بنفسي بفوق أن أخطيء)).
    وذم خلة الغدر فقال: ((والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)).
    فأمير المۆمنين إذن على خلاف مع (أمير) مكيافلي.
    وأدلى علي بآراء قيمة فيما يجب في الولاة فقال إنهم ملزمون بأن يعيشوا عيشة جمهور الشعب ((لكيلا يتبيغ بالفقير فقره)) أي ليكلا يسخط الفقير لفقره وليتعزى بحال أميره: ((أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المۆمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش؟‌)).
    ونصح علي الولاة بقوله مۆكداً لأحدهم((ولا يطولن احتجابك عن رعيتك)) وتلك نصيحة حق فإن كثرة ظهور الحاكم بين الرعية استئلاف لقلوبها وإشهار لها بأن الحاكم مهتم بمصالحها، ثم هو منير للحاكم سبيل حكمه ومعطيه الصورة الواضحة لحال شعبه فيعمل على نورها.
    وقال: ((إنه ليس شيء أدعي إلي حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم)) أي أن الراعي حين يحسن لرعيته يطمئن قلبه ويأمن خيانتهم.
    وأمر باحترام التقاليد الشعبية فكان حكيماً بعيد النظر ((ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية)) .
    ووجه علي نصيحة غالية كل الغلو صادقة كل الصدق في قوله: ((إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ومن شاركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم... ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك)) ونظرية علي صحيحة تماماً فإن من أثم فيما مضى لا يۆمن إثمه فيما حضر، ومن اتصل بالظلمة بالأمس لا يۆمن اتصاله بهم اليوم وأعانتهم على كيدهم بماله من سلطة الوزارة.
    وكان حكيماً في قوله: (فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة وداولهم بين القسوة والرأفة) .
    وأمر الوالي أن لا يرغب عن رعيته ((تفضيلاً بالإمارة عليهم فإنهم الأخوان في الدين والأعوان علي استخراج الحقوق)) ثم قال له: ((وإنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم وإلاّ فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة بۆساً لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين)) .
    ودعاه إلى أن يساوي نفسه بهم فيما الناس فيه سواء وهذا القيد يظهر بعد نظره وفهمه لحقيقة المساواة الممكنة.
    ودعا إلى تشجيع المحسن وعقاب المسيء قائلاً: ((ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء)) .
    ولفت نظر جباة الضرائب إلى الرفق بالأهلين وعدم بيع شيء ضروري ـ وهذا ما فعلته القوانين الحديثة إذ منعت الحجز على الملابس ومرتبات الموظفين ـ وبالغ في الرفق الحكيم فقال: ((فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المۆونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم)) وهذا بعد نظر حكيم وسياسة مالية محكمة تزيد وضوحاً في قوله: ((وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد))، وإذا تذكرنا ما جرَّ التعسف في جبي الضرائب في فرنسا وولايات تركيا وغيرها عرفنا قيمة هذه النصيحة التي يۆيدها المنطق ويسندها التاريخ.
    (2) وقد أدى بعد نظر الإمام به إلى أن يدعو إلى تقسيم العمل، ذلك المبدأ الذي لم نعرفه إلاّ حديثاً فقد قال ناصحاً: ((واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذ به فإنه أحرى ألا يتواكلوا في خدمتك)) .
    وقال من رسالة إلى الأشتر النخعي أيضاً: ((واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أخل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكلاً قد سمى الله سهمه)) ثم فصل بعد ذلك وظيفة كل فرقة.
    وتمشياً مع قاعدته في تقسيم العمل واختصاص كل بما يحسنه ردَّ على من قال له: إنك تأمرنا بالسير إلى القتال فلم لا تسير معنا؟ إنه لا يجوز أن يترك مهماته من قضاء وإدارة وجباية ضرائب، وكذلك نصح عمر بألاّ يخرج للقاء الفرس بنفسه ((لأن الأمير كالنظام من الخرز يجمعه)) ولأنه إن خرج انتقضت عليه العرب من أطرافها.
    (3) إن هذا الإمام المجرب ما كان ليغفل الدعوة على الاتعاظ بالتجارب في الحكم فها هو ذا يقول ((إن الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأولها)) ويقول في مكان آخر: ((استدل على ما لم يكن بما كان)) ثم يقول أيضاً: ((العقل حفظ التجارب)) ولست أحمل هذا القول الأخير أكثر مما يحتمل إذا قلت: أنه هو الرأي الفلسفي المعارض للرأي القائل بأن العقل يتفاوت عند الأشخاص بطبيعته.
    والذاهب على العكس إلى أن العقل ليس إلاّ عمل التجارب والتهذيب.
    والدافع لحجة الرأي الأول القائلة بأنا لو ربينا أشخاصاً ذوي أعمار واحدة تربية واحدة في بيئة واحدة لنشأوا رغم ذلك مختلفي العقليات، بأنهم إنما يختلفون لسبق تأثرهم بمزاج وراثي مختلف.
    (4) وتكلم في سياسة الجند وأمر جيشه ألا يتتبع عند الفوز فاراً ولا يهين امرأة وإن سبته فإن النساء ضعيفات.
    وهذا دليل الخصومة الشريفة ونبل الخلق.
    وقال في عهده إلى الأشتر((وليكن آثر رۆوس جندك عندك من واساهم في معونته وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X