إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرضا بحكم الله في المنع والإعطاء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرضا بحكم الله في المنع والإعطاء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

    "الحمد لله رضى بحكم الله"من دعاء الإمام زين العابدين(ع) "في الرّضا إذا نظر إلى أهل الدّنيا الوارد في الصّحيفة السجّاديّة].

    ، إنَّ الله تعالى حكم عليَّ بأن أعيش في ضيق من رزقي، وحكم على الآخرين بأن يعيشوا في سعة من رزقهم، وهو عندما يحكم، إنما يحكم من خلال سنته الّتي أودعها في الكون وفي حركيّة الإنسان.

    فالله تعالى حينما خلق الإنسان، وخلق الكون الّذي أوكل للإنسان مهمّة إدارته في المجالات التي يملك فيها الوسائل التي تمكّنه من ذلك، أودع في الكون القوانين التي تحكمه، بحيث لا تنحرف عن الخطّ قيد شعرة، وجعل للإنسان في تكوينه، وحركة عقله، وانفتاح قلبه ومشاعره، وحركة طاقاته، سنناً وقوانين تحكم مسيرته، من خلال ما يختزنه في الدّاخل، والمؤثّرات الّتي تحيط به من الخارج، فالله عندما يحكم، فإنّه يحكم من خلال حكمته التي تنطلق من مواقع رحمته وقدرته، وما يصلح الكون والإنسان معاً: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[1]، {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[2]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}[3]. واختياره ناشئ من حكمته، ولذلك، نحن نرضى بحكم الله، وقد لا نفهم سرّ هذا الحكم في هذا الجانب أو ذاك، وقد لا نفهم المصلحة هنا وهناك، لأنّنا نحتاج إلى كثير من المعاناة الفكريّة والحركة التجريبيّة لنفهم ذلك، وقد لا نفهمه، ولكنّنا إذا لم نفهم سرّ الخلق، فإنّنا نفهم سرّ الخالق في أنّه الحكيم الخبير الّذي قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[4]، بعلمه لعناصر وجود الإنسان وحاجاته فيما يصلحه منها وما يفسده.

    "الحمد لله رضى بحكم الله"، وهذه هي الحالة النفسية التي قد تتمثّل بكلمة، وقد تتمثل بموقف، وقد تتمثل بتطلّع إلى الله. ولكن هناك الشّهادة على أنَّ الله حكيم فيما أعطى وفيما منع، فمن خلال إيمانك ومعاناتك ودراستك لحركة التّوازن في الحياة، لا ترى هناك سلبيّةً مطلقةً في الفقر، ولا إيجابيّة مطلقة في الثّراء في حياة الإنسان وحركيّته، على أساس خطّ التّوازن الذي يحفظ للإنسان حركيّته الاجتماعيّة، وللواقع توازنه في عمليّة التوزيع.

    عدالة الله في العطاء

    "شهدتُ أنّ الله قسَم معايش عباده بالعدل"، فقد أعطى كلّ إنسان من موقع ما يعرفه من قدراته وحاجاته، ومما يريد له أن يعيش بعض البلاء الّذي يتدخّل فيُغني شخصيّته من خلال المعاناة، من أجل أن يصلّبها في مرحلته الراهنة، ليفتح له في المرحلة الأخرى ألطافاً، من خلال ما حصل عليه من صلابة في المرحلة السابقة، لأنَّ البلاء، أيّها الأحبّة، يصلّب موقف الإنسان وإرادته وخبرته وقدرته على الوقوف أمام القضايا الصّعبة فيما يعانيه ويكابده.

    وليس البلاء سلبياً كما يتصوّر الإنسان في انفعالاته، ولكنّه يمكن أن يغنيك في التجربة، بأن يعطي عقلك قوّةً وانفتاحاً، ويعطي قلبك واقعيّة في مشاعرك وعواطفك، ويعطي جسدك صلابة في حركته داخل البلاء. لذلك، فإنَّ على الإنسان أن يحدّق في الكون ليدرسه دراسة واقعيّة، لا من خلال الجوانب المادّية الطارئة، ولكن عليه أن ينظر إلى تأثير البدايات في النهايات، فقد تكون البدايات صعبة، ولكنّها تسهّل للنهايات حركتها في بلوغ الاهداف.

    "شهدتُ"، وهنا، يقف الإنسان، بعدما أوحى إلى نفسه بحمد الله وبالرّضى بحكمه، ليشهد الله على ما يعيشه في موقع عبوديّته وإسلامه له، وليشهد النّاس على هذه الحقيقة، ليعطيها بعداً إعلاميّاً يتحسّسه الناس ليفكّروا فيه.

    "شهدتُ أنّ الله قسَم معايش عباده بالعدل"، فهو العادل الكريم إن أعطى، والعادل الكريم إن أخذ أو منع، وهو العادل عندما يضيّق على الإنسان رزقه، لأنّ ذلك هو مصلحته، والعادل عندما يوسّع على الإنسان رزقه، لأنّ ذلك هو مصلحته، أو ليبتلي هذا ليحرّك طاقته على الصّبر، أو ليبتلي ذاك ليحرّك طاقته على الشّكر.

    والعدل ليس هو أن يعطيك كما يعطيني، وإنما هو أن يوازن بين ما تحتاجه في الجانب المادّيّ والمعنويّ في حاضرك ومستقبلك، وفي جانبك النفسي والجسدي والرّوحي، وأن يعطي الآخر كذلك، وليس العدل هو المساواة بين الناس، ولكنه أن يعطي الله لكلّ ذي حقّ حقّه، ونحن لا نستحقّ على الله شيئاً، ولكنّه هو الذي جعل لنا حقوقاً من خلال فضله ونعمه، وقد جعل لنا حقوقاً من خلال ما يعرفه من حاجاتنا وأوضاعنا.

    فضل الله على خلقه

    "وأخذ على جميع خلقه بالفضل"، فله الفضل عليهم، ولا فضل لأحد عليه، لأنّه هو الّذي خلقهم، فوجودهم منطلق من خلال خلقه وإرادته، وهو الّذي أعطاهم وهيّأ لهم الوسائل كلّها، ولو درس الإنسان ما أعطاه ربّه، لعرف أنّه ليس له شيء على ربّه، فلو عبدت الله طوال عمرك، فإنما تعبده بما أعطاك من خلقه، فأنت تعبده بعقلك، وعقلك هبة منه، وتعبده بلسانك، ولسانك نعمة منه، وتعبده بيديك ورجليك وجسدك. فماذا أعطيت ربّك منك؟ إنّ كلّ ما قدمته لربك هو منه.

    بع
    ض كلمات الإمام علي(ع) ما مضمونه، إذا أردت أن تعصي ربّك، اعصه بشيء لم ينعم به عليك، فهل تراك تقدر على ذلك؟! فإذا أردت أن تعصي الله تعالى بجسدك، تذكّر أنّه هو الّذي أنعم بجسدك عليك، وبما تتناوله بيدك، فليس لنا فضل على الله في أيّ شيء، بل له الفضل علينا في كلّ شيء.

    الفتنة بالعطاء

    "اللّهمّ صلِّ على محمّد وآله، ولا تفتنّي بما أعطيتهم"، والفتنة هي الحدث الّذي تخضع فيه للامتحان. {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[5]، لا يبتلون ولا يختبرون؟! فهل تكفي مجرّد كلمة نحن مؤمنون؟ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[6]، فكلّ ما نواجهه من التحدّيات التي تجابه إيماننا هو فتنة، فالولد فتنة، والمال فتنة {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[7]، فتنة تختبرون وتبتلون بها، هل تشكرون أو تكفرون؟ هل تقومون بما أراده الله سبحانه وتعالى منكم فيما حمّلكم مسؤوليّته، أو أنكم لا تقومون بذلك؟ ولذا، يدعو الإمام(ع) الله سبحانه وتعالى أن يحميه من هذه التجربة عندما يواجه الإنسان من أعطاهم الله، وأغدق بنعمه عليهم، ووسّع عليهم من رزقه.

    "ولا تفتنهم بما منعتني"، فهو لا ينظر فقط إلى موقفه منهم، ولكن ينظر أيضاً إلى موقفهم منه. فيا ربّ، لا توقعهم في التجربة التي يسقطون فيها، ولا توقعني في التجربة التي أسقط فيها، فكلمة (لا تفتنّي) ـ يا ربّ ـ تعني لا توقعني في الخطأ، أو في الفتنة، ولا توقعهم أيضاً.

    "فأحسد خلقك، وأغمط حكمك". فلا تفتني ـ يا ربّ ـ بما أعطيتهم، حتّى لا أعيش في نفسي مشاعر الحسد التي تمثّل اعتراضي عليك، لأنّ الحسد هو أن أتمنّى انتقال النّعمة من المحسود إليّ، ومعنى ذلك، أنّي أعترض على عطائك ـ يا ربّ ـ لهذا، وعلى منعك إيّاي، فكأنّك تقول: يا ربّ، هذا ليس بعدل، فالعدل ـ كما ترى ـ أن ينقل الله ما أعطى لذاك إليك. وكلمة (أغمط حكمك)، أي أنكره وأحتقره، وحكمك العدل يا ربّ. أمّا فتنتهم بما منعه، فهو أن يعيشوا التكبّر، عندما يرون أنفسهم في سعة من المال، ويرون الإنسان الآخر فقيراً ليس له أيّة إمكانيّة أو موقع، ولذلك، فإنهم يعيشون الاحتقار لإنسانيّته، لأنهم يعتبرون قيمة الإنسان هي بمقدار ما يملك من مال، فمن لا يملك المال لا قيمه له، كما يتصوّر الناس ذلك.

    وهذا المعنى هو نفسه الّذي نراه يتحرَّك في السّوق، عندما يسأل التجّار بعضهم بعضاً: كم يساوي فلان؟ ويقدّرونه بالمال، فهذا يساوي مئة ألف، وذاك مليوناً، وهكذا، وكأنَّ قيمة الإنسان تتحدَّد بقدر ما يملك، فقد يفتن أصحاب المال، ويختبر إيمانهم والطّريقة الّتي يفكرون فيها، انطلاقاً من إنسانيّة الإنسان أو مما يملكه، فيدفعهم ذلك إلى التكبّر والتجبّر والخيلاء، واحتقار الآخرين وازدرائهم.

    طيب النّفس بالقضاء

    "اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمد، وطيّب بقضائك نفسي"، فأنا لا أريد ـ يا ربّ ـ أن أقف هذا الموقف بين يديك على أساس عقلاني، لأنّ إيماني يقودني إلى ما تحدّثت به، ولكنّي أريد ـ يا ربّ ـ أن تجعل انطلاقي في ذلك من خلال مشاعري، وكأنّه شيء أحبّه وأستطيبه وأفرح به، لأنّه منك يا ربّ، ولأنّه من قضائك، ولأنّه لم يجر إلا بالخيرة لي.

    "ووسّع بمواقع حكمك صدري"،اجعل ـ يا ربّ ـ صدري يتّسع ليكون الرّحب الّذي يتقبّل كلّ موقع من مواقع حكمك فيما تحكم به عليّ، ومما تعطيني وتمنحني أو تمنعني من حياتي.

    "وهب لي الثّقة"، أعطني ـ يا ربّ ـ الثّقة بك، لأثق بك ثقة لا أتحسّس معها أيّ شيء سلبيّ فيما تقضيه عليّ، واجعلني أثق بك ثقةً مطلقة، تماماً كما هو الإسلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[8]، اجعلني ـ يا ربّ ـ أشعر بأن ليس لي أمامك شيء، فلا كلمة لي أمام كلمتك، ولا موقف لي أمام ما تريده، ولا حكم لي أمام حكمك، فأنت وحدك الإله الّذي يعطي عبده ما يشاء، كيف يشاء، بما يشاء، فيشعر عبده بالثّقة في ذلك كلّه، فلا يرى هناك إلا الخير، وهب لي الثّقة ـ يا ربّ ـ "لأقرّ معها بأنّ قضاءك لم يجرِ إلا بالخيرة" لي.

    الشّكر على كلّ حال

    "
    واجعل شكري لك على ما زويت عني، أوفر من شكري إيّاك على ما خوّلتني"؛ اجعلني ـ يا ربّ ـ أشكرك على ما منعتني، لأنّ ما منعتني إيّاه كان من خلال معرفتك بمصلحتي وسعادتي فيه، وأنّك لو أعطيتني ما منعتني إيّاه، لوقعت في الخطيئة والبغي، كما قلت في كتابك: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}[9]، لأنّ البعض قد لا ينفعه الرزق، كما أنّ البعض الآخر قد لا ينفعه المنع، لأنّ الشّكر ينطلق من أنّك تشعر بأنّ الآخر أعطاك شيئاً لمصلحتك، فأنت تشكر الطّبيب الجرّاح عندما يفتح جسدك ليقوم بعمليّة جراحيّة، فقد يقطع عضواً من أعضائك، وقد يؤلمك كثيراً، ولكنّك تشكره، لأنّك تعرف أنّ النتائج من خلال ذلك هي الحفاظ على حياتك، فقد تشكر إنساناً على ما منعك كما تشكره على ما أعطاك، فكيف بالله تعالى الّذي يعلم عمق مصلحتك وعمق ما فيه مفسدة لك؟

    أين هي القيمة؟

    ثم ينطلق الإمام علي بن الحسين(ع) ليؤكّد القيمة، وليفرز السلبيّ من الإيجابي من القيم المادّية، فهل الفقر قيمة سلبيّة؟ فإذا واجهنا فقيراً في فقره، فهل علينا أن ننظر إليه نظرتنا إلى الخسيس الحقير؟! وهل الغنى قيمة إيجابيّة، فإذا نظرنا إلى الغنيّ، رأينا أنه الشخص الشريف العظيم الكبير صاحب الفضل، أو أنّ القيمة هي غير ذلك؟

    إنّ القيمة هنا تتحرّك من الجانب المادّيّ إلى الجانب المعنوي. يقول الإمام السجّاد(ع): "واعصمني" مما يتداوله النّاس الذين لا يفكّرون في القيمة إلا بجانبها المادّيّ، "من أن أظنّ بذي عدم" ـ والعدم هو الفقر ـ "خساسة، أو أظنّ بصاحب ثروة فضلاً"، لأنّ هذه ليست هي القيمة، فالمال يذهب ويزول، وهو لا دخل له بالإنسان، فالمال ليس شيئاً في تكوينك، وهو ليس عقلاً في عقلك، وليس قلباً في قلبك، وليس جوهراً في ذاتك، بل هو شيء تجنيه وتحصل عليه، ولا علاقة له بك، وإنما هو في خزائنك، أو في الأرض، أو ما يحيط بك، ولكنّه ليس أنت، في حين أنّ العقل هو أنت، والقلب أنت، والخُلُق أنت، والطّاعة أنت، والمعصية أنت، أمّا المال، فليس هو شخصيّتك، إنما هو شيء يضاف إليك. إذاً، فالشّيء الّذي ليس منك ولا يدخل في تكوينك، كيف يكون قيمة سلبيّة إذا فقدته، وقيمة إيجابيّة إذا حصلت عليه؟!

    "فإنّ الشّريف من شرّفته طاعتك"، لأنّ طاعتك ـ يا ربّ ـ تمثّل حركة الإنسان في إنسانيّته، بما يحقّق له وللنّاس وللحياة الخير، لأنّ الطاعة تمثّل الشّرف وشكر المنعم، وأيّ شرف أعظم من أن تقدّر نعمة المنعم، فتشكره على ذلك، والطّاعة تغني عقلك، باعتبار أنها تجعله يتحرك في دائرة التّوازن والانضباط، وتغني حركتك، لأنها تجعلك تتوازن من خلال ما يخطّطه عقلك للخير، والتفكير في الخير.

    والطّاعة تغني قلبك، لأنها تجعله خاضعاً لقاعدة راسخة في حالتي حبّه وبغضه، وتغني حياتك كلّها، لأنها تجعل حياتك في الخطّ المستقيم، فالطّاعة هي أنت، لأنها تنظّم عقلك الّذي له طاعته في أن يحرّك الفكر في اتجاه الحقّ لا الباطل، والخير لا الشّرّ، ولأنّ للقلب طاعته في أن يحرّك مشاعره ونبضاته في حبّ الخير وبغض الشرّ، وكذلك في حركتك نحو الخير أو الشّرّ، وبذلك ترتفع بإنسانيّتك ووجودك كلّه.

    "والعزيز من أعزّته عبادتك"، فالعزّة تعني القوّة، والعزيز هو الذي يعيش القوّة، وأية قوّة أعظم من أن تكون مرتبطاً بخالق القوّة الذي له القوّة جميعاً والعزّة جميعاً؛ {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[10]، {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[11]، فإذا عبدت الله، وأخلصت له في عبادتك، قربت منه، وإذا قربت منه، أعطاك قوّة من قوّته، وعزة من عزته، فمن ذا الذي يغلب قوتك ويقهر عزتك إذا كان الله هو الذي أعطاك ذلك كلّه، وهو الذي يملك ذلك كلّه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[12].

    وقد استوحى الإمام الحسن بن عليّ(ع) هذه الفكرة حينما قال: "من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته"[13]، لأنّ ذلّ المعصية يسقطك عند الله، وإذا سقطت عند الله، فمن أنت؟ وماذا تمثّل؟!


    ونحن نقرأ في القرآن عن إهمال الله سبحانه لهؤلاء في يوم القيامة
    : {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا}[14]، أي تصبح كمّيةً مهملةً لا غنى فيها، فلا وجود لك هناك، {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[15].

    الثّروة التي لا تنفد

    "فصلّ على محمد وآله، ومتّعنا بثروة لا تنفد"، لأن خزائن السماوات والأرض بيدك ـ يا رب ـ ثروة في الجسد، وثروة في المال، وثروة في الروح، وثروة في العقل، "وأيّدنا بعزّ لا يفقد"؛ عزّ في النّفس، وعزّ في مواقع القوّة في الحياة، "وأسرحنا في ملك الأبد"، أي اجعلنا ـ يا ربّ ـ ننطلق ونمتدّ ونتحرّك في ملك الخلود، فالخلود منك ـ يا ربّ ـ ومن خلال لطفك ورحمتك ونعمتك، "إنّك الواحد الأحد"، لا شريك لك، "الصّمد"، الّذي يرجع إليك في الحوائج، "لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفواً أحد"[16]، فأنت أنت، فكيف يمكن أن نطلب شيئاً من غيرك، وحدك ـ يا ربّ ـ من نطلب منه، وحدك من نخضع له، وحدك ـ يا ربّ ـ من نستعين به ومن نعبد، فوحدتك هي سرّ إحساسنا بوحدة الكون من حولنا، ووحدتنا مع الكون، لأنّك خالقه وخالقنا، فأنت ربّ العوالم كلّها، وربّ العالمين جميعاً يا أرحم الرّاحمين.

    ذلك هو الأفق الذي يحملنا إليه الإمام زين العابدين(ع)، وعلينا ـ أيها الأحبة ـ أن ننفتح على هذه الآفاق مع القرآن ومع الرسول(ص) ومع أئمة أهل البيت(ع)، لأننا بذلك نسمو ونصفو ونعيش معنى إنسانيّتنا.

    أيّها الأحبّة، لنعش مع أئمّة أهل البيت(ع) الفرح الرّوحيّ، فلا هم مجرّد دمعة ولا مجرد مأساة، فالمأساة ـ كلّ المأساة ـ هي أن لا نرتفع إلى آفاقهم، والدّمعة ـ كلّ الدّمعة ـ هي أن نفقد الانفتاح على فكرهم وروحانيّتهم وعلمهم.

    ----------------------

    [1] [الطلاق: 3].

    [2] [الفجر:15، 16].

    [3] [القصص: 68].

    [4] [الملك: 14].

    [5] [العنكبوت: 1، 2].

    [6] [العنكبوت: 3].

    [7] [الأنفاق: 28].

    [8] [البقرة: 131].

    [9] [الشورى: 27].

    [10] [البقرة: 165].

    [11] [النساء: 139].

    [12] [آل عمران: 26].

    [13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 193.

    [14] [طه: 125].

    [15] [طه: 126].

    [16] الصحيفة السجادية، أدعية الإمام زين العابدين، دعاؤه "في الرّضا إذا نظر إلى أهل الدّنيا


  • #2
    قد استوقفتني تلك الكلمات الرائعه بل اكثر من رائعه,,,,
    [اللهم انت كما نحب فاجعلنا كما تحب]

    بارك الله بكِ على هذا الطرح المميز جعله الله في ميزان اعمالك
    السلام على حامي الظعينه
    sigpic

    تعليق


    • #3
      الأ خت الكريمه حياكم الله وفقكم الله بتوفيق وسداد أهل البيت عليهم السلام

      في رعاية الله تعالى وحفظه

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X