إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من منّا لا يُخطئ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من منّا لا يُخطئ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


    قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (16) سورة ق

    الإنسان مخلوق ومجبول على حفظ نفسه وبدنه ،وهذه الخلقة الطبيعية للإنسان هي التي تكفل للإنسان بقاءه واستمراره، فلو تأملنا تكوين الإنسان الخلقي والنفسي لوجدنا أنه مسلح بأجهزة متعددة تحافظ على وجوده النفسي والبدني , فهو أي الإنسان خُلق بعقل مُدبر يُراعي هذا البدن ويحافظ عليه من الآفات والأمراض و الحوادث كما أنه زود بأجهزة أخرى مثل الحواس الخمس التي وظيفتها أن تحمي البدن من الجوع و العطش والحر و البرد ومن جميع الأخطار التي تهدد هذا البدن بالتلف والضرر و الفائدة في ذلك كله عقله و حبه إلى إبقاء نفسه صحيحة سليمة و قوية.

    وكما أن للإنسان هذه المانعية البدنية التي تُعنى بالحفاظ على هذا الجسد كذلك يمتلك الإنسان مانعية نفسية تحاول الحفاظ على شخصية الإنسان و وجوده ليس البدني المادي بل وجوده الاعتباري المعنوي، بمعنى أن الإنسان يمتلك جهازاًَ نفسياً ولو كان غير محسوس ولكن آثاره محسوسة ملموسة وظيفتهُ الحفاظ على كيانية الإنسان وشخصيته .

    فهذا الشعور المنبعث من الداخل بالعزة و الأنفة والذاتية المستعصية على الترويض و الخضوع كلها صفات جُبل عليها الإنسان ليحافظ على هذه الذات المُكرمة .
    يقول أمير المؤمنين : ( لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا)

    فهذه الصفة في الإنسان وضُعت لتؤدي دوراً إيجابياً أمام سحق الآخرين لكرامتة أو محاولتهم للنيل من حقه ، أما إذا تفاقمت هذه الصفة و تحولت إلى وسيلة لممارسة الظلم وإنتهاب الحقوق والتعدي على الواجبات فإن دورها سيتحول إلى دور سلبي يدمر الإنسان نفسه قبل أن يدمر الآخرين.

    ومن هنا كان لا بد للإنسان أن يعي أن هذه النفس كما تكون أداة حفظ له يمكن أن تكون أداة تدمير وإضرار وذلك إذا لم يُراقب النفس ولم يجعلها محل اتهامٍ مستمر.
    يقول تعالى : ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (53) سورة يوسف

    فهذه النفس كثيراً ما نتجاوز وظيفتها الطبيعية فتقع في الخطأ في حقين مهمين هما:

    1- حق الله
    فالله الخالق الرازق المنعم المتفضل الذي له حق العبادة و الشكر يتحبب إلينا بالنعم ونعارضه بالذنوب و المعاصي.
    يقول تعالى: ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾ (83) سورة الإسراء
    فهذا الرب الجليل كم أخطأنا و أسانا و قصرنا في جنبه وهولا يزال يغدق علينا بالنعم ويتفضل علينا بالإحسان،يقابلنا بالعفو ونقابله بالذنوب،وكما في الدعاء (فكم أتوب وكم أعود آما آن لي أن استحي من ربي )ولا زلنا نقول بالتوبة ثم نعمل بالمعصية فيخالف عملنا قولنا.
    يقول تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (2،3) سورة الصف
    فتكون علاقتنا مع الله حينئذٍ علاقة ابتعاد لا علاقة قرب فكلما طالت أعمارنا كثرت ذنوبنا.

    البعض يقول إن الله رحيم غفور وهو برحمته يتجاوز عما يعلم ويحجب الملائكة عن بعض أعمالنا السيئة ويعفو عنها مع علمه بها كما في الدعاء (وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم والشاهد لمل خفي عنهم وبرحمتك أخفيته وبفضلك سترته)
    وهذا مبدأ صحيح، فيقال أن أحد الرجال الصالحين مات فرآءه صاحبه بعد مدة فقال: اخبرني ؟
    قال: الحمد لله .. فقال : كيف
    فقال: حاسبونا فدققوا ثم منَّوا فاعتقوا
    هكذا شيمة الملوك بالمماليك يَرفِقوا

    2- حق الناس
    أقول هذا مبدأ صحيح ولكن متعلق بالجانب الأول من الأخطاء والحقوق وهو جانب حق الله الذي يعفو عنه الله ويغفره ولكن ما حال حق الناس، من منا لا يخطى على الآخرين ومن منا مستعد أن يتنازل عن حقه يوم القيامة للآخرين .

    من منا لا يحتاج إلى مثقال ذرة من الثواب أو حسنة من منا أعماله تكفيه لدخول الجنة حتى لا يحتاج لمسامحة الآخرين، الجميع منا يحتاج لمن يعفو عنه ويصفح، الجميع منا يخطى بحق الآخرين، الجميع منا بشعور أو لا شعور يقع في حقوق الآخرين إما بالتعدي أو التقصير ولهذا فإن الجميع يحتاج إلى الجميع .

    إن رسول الله في عظمة خُلقه وحسن سيرته وقداسة سريرته ( حينما قال له سوَّاد بن غزَّية في معركة بدر : أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل قال:فاقدني فكشف رسول اللهبطنه وقال: (استقد) فاعتنقه سواد فقبل بطنه فقال :ما حملك على هذا يا سواد؟ قال : يا رسول الله حضرني ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك ، فدعا له رسول الله بخير )

    فهذا رسول الله على عصمته و عظمته يستجيب لقصاص دنيوي لا أصل لاستحقاقه وإنما بغية بيان مدى أهمّية التسامح في الحياة الدنيا , فليس هناك من يستغني عن هذا التسامح حيث الجميع في أمس الحاجة لصفح الآخرين عنهم كما أن الآخرين يحتاجون أن يصفح عنهم ولكن لن نصل إلى مستوى طلب التسامح والاعتذار حتى نعترف بأننا جميعا نخطئ وأننا بحاجة لمسامحة الآخرين لنا وعفوهم عنا أما إذا لم نعترف بذلك فإننا لن نقدم لا على الاعتذار والاعتراف بالخطأ ولا حتى مسامحتهم إذا أخطأوا في حقنا وذلك لسبب بسيط هو قناعتنا بأن الخطأ دائماً يصدر من الآخرين وليس منا وهذا كله نتاج الحفاظ على الذات و تفخيم النفس باتباع الهوى.

    إننا حين نعتقد بذلك سنمارس دوراً مقيتا من أنانية النفس وذاتها المطلقة التي لا تعرف بحق للآخرين حتى حق الاعتذار , يقول الشاعر :
    إذا اعتذر الجاني محا العُذر ذنبه وكان الذي لا يقبل العذر جانيا
    إننا حينما نُقًّر بأن هذه النفس تقع في الخطأ سنحاول دائما إعادتها إلى الجادة .


    حُكي أن نقاشا علميا ساخنا وقع بين عالمين جليلين هما المولى خليل القزويني و الملا محسن فيض الكاشاني وكانت النتيجة أن المولى جليل لم يقتنع بحوار الملا محسن و أنفض المجلس دون أن يحمل أحدهما على الآخر ضغينة أو كراهية و مرت الأيام فعرف المولى خليل أنه كان مخطئاً و الحق في المسألة كان بجانب الملا محسن فخرج مشيا على قدميه من مدينته (قزوين) إلى مدينة (كاشان) جاء وطرق باب منزل الملا محسن الكاشاني و رفع صوته من وراء الباب (يا محسن قد أتاك المسيء) عرفه الملا محسن من صوته فجاء مسرعا وفتح الباب فعانقه و أدخله المنزل ثم بعد ساعة من الجلوس قام المولى خليل القزويني وعاد إلى مدينته قزوين ,حاول الملا محسن أن يبقيه عنده أياما ولكن المولى خليل أجاب : إنني جئتك لأعترف لك بخطيئتي وصحة رأيك لا أكثر (قصص وخواطر البحراني ص355)

    هل وصلنا إلى مستوى الاعتذار ممن يتوهم الخطأ منا و يريد الاقتصاص منا كما فعل سواد مع رسول الله أم هل وصلنا إلى أقل من ذلك بكثير وكثير وهو أن نقطع المسافات مشيا على الأقدام بغية طلب الحِل و الإباحة كما فعل المولى القزويني .
    أم أننا لا زلنا بعيدين حتى عن من هم بجوارنا وتحت نظرنا و بين ظهرانينا ممن أسأنا أو أخطأنا أو قصرنا في حقهم بعيدين من طلب الاعتذار منهم والصفح عما بدر منهم تجاهنا , إن هذا البعد لم تخلقه إلا النفس ولهذا فلا بد أن يبدأ الاقتراب بها ومنها وذلك بالاعتراف بأنه ليس منا من لم يخطأ أو لن يخطأ
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X