إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قليلا من الزهد ايها المسؤولون الـشرفاء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قليلا من الزهد ايها المسؤولون الـشرفاء

    قليلا من الزهد ايها المسؤولون الـشرفاء
    حسن الهاشمي
    قال علماء الأخلاق أن الزهد أن تملك الشيء لا أن يملكك الشيء، وهذا بطبيعة الحال ينطبق على الموسر وليس على المعسر، فإن الأخير المسألة بالنسبة إليه سالبة بانتفاء الموضوع، إذ لا شيء عنده فكيف يزهد فيه، ولعل الزهد حالة صحية مطلوبة من الجميع لاسيما اولئك المسؤولون الذين يدعون الوطنية والاخلاص والخدمة للشعوب المضطهدة، وكيف لا والزهد والتقشف بالأخص في زمن الأزمات والحروب وتكالب الإرهاب على الشعوب الحرة، فالزهد في مثل هكذا ظروف عصيبة علاوة على أنه ترشيد للاستهلاك فإنه مواساة لما يعاني منه الفقراء من شظف واحتياج وفاقة ورعاية واهتمام، لذلك هي خصلة انسانية نبيلة قبل أن تكون خصلة دينية قد حثت عليها جميع الشرائع بما فيها الإسلام، ولهذا فإن التحلي بهذه الخصلة المباركة تجلب على من يتقمصها المزيد من الرحمة والمحبة في قلوب الناس، حيث أن العقل الرشيد يؤكد على اصطفاف الناس حول الزاهد المتعفف المتقشف وليس حول الجشع المتهتك المبذر، لا سيما اذا كانت غالبية الأمة تعيش في بلد يعاني ابناءه الشظف من العيش ويلفهم الحرمان من كل حدب وصوب في ظروف استثنائية كما هو الحال بالنسبة لعراقنا الحبيب.
    نحن لا ندعي صعلكة المسؤول، ولا نطلب منه أن يعرض عن الطيبات من الرزق وان لا يكون له ولإهله بيت مناسب وخدم وحمايات وسيارات وما شابه ذلك ولكن بمقدار الكفاية ولا يتعدى الاسراف أو المبالغة في الاسراف كما هو حاصل لمعظم مسؤولي الكتل السياسية الحاكمة في عراق ما بعد السقوط، إذ أن معظم المسؤولين قد أغاروا على بيت المال واتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا، وجعلوا من العراق غنيمة تقاسموا الكعكة فيما بينهم، وبدلا من ان يلتفتوا إلى خدمة الشعب ويواسونه على ما يمر به من ازمات، فإنهم حصنوا انفسهم بالحمايات والمصفحات والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأموال التي تعدت مئات المليارات من الدولارات والعقارات في داخل البلاد وخارجها، وتركوا الشعب يكابد الفساد والارهاب ونقص الخدمات وتعطيل البنى التحتية والمصانع والمزارع، وهذا لعمري في الفعال قبيح، والأدهى من ذلك أننا لم نسمع أو نرى حتى مسؤولا واحدا بعد التحول الديمقراطي قد ارتضى لنفسه أن يعيش الزهد والتقشف تضامنا مع ما يمر به الشعب المنكوب، علما أن الجميع يدعي الوطنية والاخلاص وخدمة الشعب، وكما قال الشاعر: وكلّ يدّعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقرّ لهم بذاكا، لا سيما المتأسلمين من القادة الذين يدعون الإيمان والشرف، وفاتهم أن زهد المسؤول هو ابجدية الخوض في المعترك السياسي وهو الشرف الذي يتوسم صدره مهما تفرعن الآخرون فإنه يبقى النجم الزاهر في اوساطهم، وهم ليسوا اكثر من زوبعة في فنجان.
    واليك نماذج من العظماء الذين عاشوا الزهد والتقشف مواساة للفقراء ولكي يكونوا قدوة حسنة لكل الشرائح الدينية والعلمانية والمؤمنة وغير المؤمنة، لما يحمل بين ثناياه معاني جليلة قلما تجدها في مجتمعاتنا السياسية بالرغم من أنهم يدعون الانتماء إلى هذا الدين القيم ولكن سلوكياتهم لا تحكي ذلك، ونحن نورد هنا بعض الأمثلة في وجهها الانساني من باب المثال لا الحصر ليتبين لنا كم هم عظماء اولئك المسؤولون الذين يتحسسون معاناة الفقراء، وكم هم لؤماء أولئك المسؤولون الذين تجرفهم أنانيتهم إلى البذخ والترف والعيش الرغيد وفي بلادهم الكثير من المعوزين الذين لا لقمة لديهم ليستمروا بحياة هانئة ولا مأوى يحميهم من صيف قائظ حارق أو شتاء قاس قارص.
    • عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على علي بن أبي طالب وقت إفطاره إذ دعا بجراب مختوم فيه سويق الشعير.

    فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير؟!
    فقال: لم أختمه بخلا ولكن خفت أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت.
    قلت: هما حرام عليك؟ قال: لا ولكن يجب على الأئمة أن يغتذوا بغذاء ضعفاء الناس وأفقرهم ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا. (رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس).
    ونقل المحدثون عن سويد بن غفلة وغيره، قال: دخلت على علي ابن أبي طالب في الكوفة فرأيت بين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرغيف يابس تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه، فشق علي ذلك.
    فعاتبت جارية له يقال لها فضة فقلت: أ ما ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير، أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟!
    فقالت: إنه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قط. فالتفت علي إلي وقال: ما تقولها لها؟ فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين ارفق بنفسك.
    فقال: ويحك يا سويد ما شبع رسول الله (ص) من خبز بر ثلاثا حتى لقي الله، ولا نخل له طعام قط، يا بن غفلة! ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون، وألحق برسول الله (ص). ( رواه الخطيب ‏الخوارزمي في المناقب والطبري في تاريخه).
    • لم تتغير حياة السيد السيستاني في مرجعيته عن ذي قبل فهي هي بساطة في المظاهر وتعفف في السمات ووحدة في الايدلوجية.

    البيت متواضع نفسه والزهد في الاعتبارات ذاته والتوجه نحو الناس في ازدياد هائل تقصده كل يوم الالاف للتبرك والافادة والافتاء يرحب بهذا ويدعوا لذاك ويجيب على اسئلة الاخرين ويقضي حوائج ذوي الضر يعالج مرضاهم ويساعد ضعيفهم ويشفق على عائلهم حتى قيل فيه بيت من الشعر من اروع ما قيل في حقه :
    وابـــــو اليتامــــــــــــى والجيــــــــــاع يعولهــــم فكأنـــــــه وكـــــأنهــــــــم ارحـــــــام
    والجديد الرائع في مرجعيته سياسته المالية الرشيدة التي جعلت الموسرين جادين في استخراج حقوقهم الشرعية وجعلت الفقراء في غنى وكفاف عن الاحتياج، لقد عمد السيد السيستاني فأجاز للعراقيين كافة ان يعطوا حقوقهم للفقراء يدا بيد وطالما اوصاهم ان يشعر الفقير بان هذا المال هدية من الله ورسوله دون منّ من احد ولا اذى من فرد، حقوق الله لعباد الله ومال الله لخلق الله، وما فرضه الله من حق شرعي على الاغنياء في مالهم يعود دون وساطة احد الى الفقراء والمرضى واليتامى وابناء السبيل في ضوء ما فصله القران العظيم، وحتى الذين في الخارج فلهم تسليم حقوقهم الى العراقيين المحتاجين والمستحقين داخلا وخارجا بل اجاز حتى اللبنانيين في اعطاء ذوي الفاقة منهم يدا بيد.
    • سالت قناة فوكس الامريكيه الرئيس الايراني احمد نجاد، عندما تنظر الى المرآة صباحا ماذا تقول لنفسك وانت رئيس الجمهورية ؟؟ أجاب انظر إلى الشخص الواقف في المرآة واقول له تذكر انك لست سوى خادم بسيط عندك اليوم مهمة ثقيلة وهي خدمة الشعب الايراني، احمد نجاد الرئيس الايراني الذي حير الكثير عندما وصل الى مكتب الرئاسة تبرع بكل السجاد الفاخر الى احد المساجد في طهران، واستبدل به سجاد من الدرجة البسيطة، وفوجئ أن هناك قاعه كبيره ومزركشه لاستقبال كبار رجال الدولة فاغلقها وطلب من الذين معه ان يكون الاستقبال في غرفة عادية كراسيها من الخشب.

    والمدهش حقا ...هو خروجه كثيرا لكنس الشوارع مع عمال البلدية في المنطقة التي فيها منزله ومكتب الرئاسة، ومن تصرفاته انه عندما يعين وزيرا يمضيه على ورقة فيها عدة شروط واهم شرط ان يبقى فقيرا، وان حساباته في المصارف واقاربه ستراقب وانه مثل دخوله الوزارة سوف يخرج منها، فلا يجوز له ولا لاحد من اقاربه الاستفادة من اي مورد من موارد الدولة، وقد وقع هو الاول على هذه الوثيقة وصرح عن ثروته وهي سيارة بيجو 504موديل1977وبيت قديم صغير ورثه عن ابيه مبني من 40عام في احد افقر احياء طهران، وحسابا مصرفيا فارغا تماما وحساب يتلقى راتبه من التدريس من الجامعة فيه ما يعادل 250دولارومن المعلوم ان الرئيس لايزال يعيش في نفس المنزل، هذا كل ما يملكه رئيس احدى اهم الدول استراتيجيا ونفطيا وعسكريا وسياسيا، وحتى انه لا يأخذ راتبا شخصيا له بحجة انه مال الشعب وهو امين عليه، ومن الغريب الذي اثارت الموظفين في القصر الرئاسي، الكيس الذي يحمله معه هذا الرئيس كل يوم من السندوتشات التي اعدتها له زوجته، أو بعض الجبن والزيتون في كيس يتابطه بفرح وسرور، وقد ألغى الأكل الرئاسي الذي كان يؤتى به الى الرئيس، ومن الأمور التي غيرها هو تخصيص الطائرة الرئاسية وتحويلها للشحن لترفد خزينه المال العام، وطلب أن يركب بالطائرة العادية وبالدرجة السياحية.
    • العميد او الزعيم عبدالكريم قاسم (1914 - 1963) قام بالتخطيط وتنفيذ ثورة 14 يوليو / تموز 1958 التي أنهت الحكم الملكي وأعلنت قيام الجمهورية العراقية، هو عسكري عراقي عرف بوطنيته وحبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي لها، ومشاريعه التنموية التي لا زالت تقدم خدماتها للشعب بالرغم من أنه لم يحكم سوى اربع سنوات، تم اعدامه دون تحقيق ومن خلال محكمة صورية عاجلة في دار الإذاعة في بغداد يوم 9 فبراير 1963.

    عرف عن نزاهته وعفته ورحمته التي لم يستطع أعداؤه النيل منها ، لأن نزاهته قد أثبتت منذ الأيام الأولى بعد إنقلاب شباط / 1963 ، وذلك بالتعرف على حسابه بالبنك وكان 860 فلسأ فقط ، كما لم يكن له من الممتلكات سوى خزانة كتب تحتوي على بعض الكتب بالأدب العربي والتاريخ والجغرافية ، وسرير حديدي ومشجب للملابس وجعبة عصي، أما رحمته فإنه ترجمها من خلال إيمانه بمبدأي ( الرحمة فوق القانون ) و( عفا الله عما سلف) ترجمة فعلية بتعامله مع الذين تآمروا عليه وحاولوا قتله على أساس ذلك وبطريقة مبالغ بها أحياناً ربما أساءت لحرمة القضاء لصالح المتهم أو المحكوم في أغلب الأحيان.
    • الرئيس خوسيه موخيكا رئيس الأوروجواي البالغ من العمر 76 عاماً والذي يطلق عليه لقب أفقر رئيس دولة في العالم حيث يمتلك سيارة (فولكس واجن بيتيل) من طراز عام1987م ويعتبر هذا الرئيس هو الحاكم الأقرب لمشاعر الناس في دولته، ودائماً ما تطلق عليه الصحافة بأنه الأكثر فقراً في العالم، خاصة بعد أن يتبرع بـ 90% من راتبه الشهري لمساعدة الفقراء. بالإضافة إلي أنه يقيم مع زوجته في ضيعتهم المتواضعة و يقوم بعرض بعض أجنحة القصر الرئاسي المعروف بـ (كاسا سواريث إي رييس) في العاصمة (مونتقديو) على المصالح الاجتماعية وذلك لتوفير المأوى للمشردين في حاله عدم كفاية المراكز الموجودة في العاصمة، ويتصدر هذا الرئيس لائحة أفقر حكام العالم، حيث يحصل على راتب شهري قدره 12 ألف و500 دولار ولكنه ويقوم بالتبرع بـ 90% من هذا الراتب للأعمال الخيرية ويحتفظ فقط بـ 1250 دولار، ويمتلك منزلاً متواضعا للغاية وسيارة قديمة التي لا تتعدى قيمتها 2000 دولار، علما إن خوسيه موخيكا لا يؤمن بوجود إله.

    وبعد سرد هذه النماذج المتنوعة، الغريب في عراق ما بعد التغيير عام 2003م لم نجد مسؤولا متصديا واحدا قد اعتلى صهوة الزهد والتقشف ولحد كتابة هذه السطور، بالرغم من أن المسؤولين في الحكومات والبرلمانات ومجالس المحافظات المتعاقبة على العراق، فالمععم فيهم من المفترض أن يكون قدوته أمير المؤمنين أو السيد السيستاني ولو بمقدار، والمتدين والملتحي فيهم من المفترض أن يكون قدوته في الزهد احمدي نجاد، والعلماني فيهم الذي من المفترض أن يكون قدوته في التقشف الرئيس خوسيه، فإننا ومع بالغ الأسف لم نجد مسؤولا واحدا قد اكتفى بما كان عنده قبل تسنمه المسؤولية، بالعكس تماما فإن املاكهم قد ازدادت وارصدتهم قد تضخمت ومشاريعهم قد تعددت ولو بنسب متفاوتة، ولكنها الحقيقة المرة التي عايشناها نجد أن المسؤولين في واد والفقراء في واد آخر، كأنما جيش الفقراء والأرامل والمعوزين في العراق نتيجة السياسات الخاطئة التي انتهجوها لا يعنيهم أمرهم بشيء، فهم على اسفارهم وافراحهم واتراحهم، والفقراء على فقرهم وفاقتهم ومعاناتهم، هذه هي قمة الأنانية في عراق ما بعد التغيير، حيث لم نشاهد مسؤولا معمما أو ملتحيا أو وطنيا أو علمانيا أو ملحدا قد انغرست فيه نبتة الزهد والتقشف الطيبة، بالرغم من أن ظروف العراق عصيبة، حيث الخروج من الديكتاتورية الصدامية الرهيبة وما رافقها من تخريب البنى التحتية وما يعانيه المواطن طيلة هذه السنوات العجاف من ارهاب وفساد، ونحن وفي هذه الظروف القاسية بأمس الحاجة إلى زهد وتقشف المسؤول، ولكن المسؤول في الدولة العراقية الحديثة التزم حب الذات بعيدا عن ثمرات الزهد والتقشف التي تحمل بين ثناياها معاني المواساة والايثار وحب الانسانية بما هي هي، وكلامي هذا يشمل المتصدين للعمل السياسي، الذين ينبغي أن يكونوا اسوة في عمل الخير والصلاح والايثار، وإلا يمكن رؤية العديد من الزهاد والمحسنين في اوساط المجتمع وهذا ما يلمس عطاءهم القاصي والداني، ولو كان الزاهد والمتقشف في الحكومات المتعاقبة لبان، وحيث لا ابانة ولا مشاهدة لتلك الحالة يعني خلو الساحة السياسية من زاهد يواسي ويؤازر الفقراء في ظروفهم القاسية التي يمرون بها، وهذه الأنانية هي أحد الأسباب التي أدت إلى استفحال الفساد والإرهاب في عراق ما بعد التغيير.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X