دراسة حول اسمه وعمره وكيفيّة شهادته1
تمهيد:
سنشرع في هذه المقالة بالبحث حول اسم الطفل الرضيع للإمام الحسين عليه السلام, ثمّ نتحدّث عن عمره، مع نقد رأي بعض المصادر المعاصرة حول هذا الأمر. وفي خلال ذلك نعرّج على كيفيّة شهادة هذا الطفل، ونختم بنقد رأي بعض المحقّقين المعاصرين، حيث اعتبر أنّ عليّاً الأصغر وعبد الله اسمان لطفلين اثنين وليس لطفلٍ واحد.
المقدّمة:
إنّ من المصائب الكبرى ليوم عاشوراء والحوادث القطعيّة التي وقعت في ذلك اليوم هو شهادة الطفل الرضيع للإمام الحسين عليه السلام والذي قتل في حضن أبيه بكلّ وحشيّة على يد جنود عمر بن سعد. بعض المصادر القديمة لم تذكر شيئاً عن اسم هذا الطفل، بينما البعض الآخر منها تحدّث عنه باسم عبد الله بن الحسين عليه السلام أو عبد الله الرضيع. وكذلك فإنّ الكثير من المصادر ساكتة عن بيان عمره. من ناحيةٍ أخرى نجد أنّ بعض المؤرّخين وأصحاب المقاتل قد بيّنوا بشكل مختصر شهادته وإصابته بسهم بشكل مختصر، والبعض الآخر منهم قال بأنّه أصيب بسهم في حجر أبيه إلى جانب الخيمة، وهناك رأي ثالث يروي أنّ الإمام عليه السلام حمل الطفل قبال معسكر الكوفة، وبينما كان يخبرهم بعطشه، فإذا بسهم من الأعداء يذبحه بين يدي أبيه, ومضى شهيداً. ونحن سنبحث حول اسم وعمر هذا الطفل أوّلاً، وذلك استناداً إلى المصادر القديمة (التي كان بعضها ينقل عن البعض الآخر، أو يختصر الأحداث بينما كان البعض الآخر يفصّلها)، ثمّ نعرّج على كيفيّة شهادته. وفي النهاية سنقوم بنقد القول والتحليل الذي اختاره بعض المحقّقين المعاصرين حول هذا الموضوع. اسم الطفل: ذكرت المصادر التاريخيّة اسم هذا الطفل بطرق مختلفة، وبعضها عبّرت عنه (من دون ذكر اسم) بعنوان (الصبيّ)2,
كذلك ورد التعبير عنه في روايةٍ للإمام الباقر عليه السلام3,
وفي بعض المصادر الأخرى ورد بعنوان (الصغير)4.
وضبطه الفضيل بن الزبير (أحد أصحاب الإمام الباقر عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام) مصرّحاً بأنّ اسمه هو "عبد الله"5.
وروى أبو مخنف في خبر ٍعن حميد بن مسلم، نقلاً عن بعضهم، أنّ اسمه هو عبد الله6
إلّا أنّه وفي مكان آخر أورد هذا الاسم مصرّحاً به7.
ومن بعد ذلك صرّح المؤرّخون وعلماء الرجال كمحمّد بن حبيب البغداديّ8 (م 2450 هـ) والبلاذريّ9 (م 279 هـ)
وأبي نصر البخاريّ10 (عاش إلى سنة 341 هـ) و أبي الفرج الأصفهانيّ11 (م 356 هـ) والطبرانيّ12 (م 360 هـ)
والقاضي النعمان المصريّ13 (م 363 هـ)
والبلعميّ14 (م 363 هـ) والشيخ المفيد15 (الذي نقل معظم وقائع عاشوراء عن أبي مخنف) وتبعه في ذلك الشيخ الطبرسيّ16
والشيخ الطوسيّ17 حيث صرّحوا جميعاً أنّ اسم الطفل هو عبد الله. ومن المصادر المتأخّرة يوجد الكثير ممّن ذكره أيضاً بهذا الاسم18.
أمّا المؤرّخ الأوّل الذي ذكر هذا الطفل باسم (عليّ) فهو ابن الأعثم (م 314 هـ) وعبّر عنه بعنوان (عليّ في الرضاع)19
وكذلك الخوارزميّ (م 314 هـ)- الذي نقل كثيراً من أخبار مقتله عن ابن الأعثم- عبّر عنه بـ "عليّ الطفل" (من دون ذكر الأصغر)20.
ونحن نجد- حسب ما بأيدينا من المصادر- أنّ الشخص الأوّل الذي ذكر أحد أولاد الإمام عليه السلام (إضافة إلى عليّ الأكبر والإمام الرابع عليه السلام وعبد الله) باسم عليّ الأصغر هو الطبريّ الشيعيّ21
(من علماء القرن الرابع)،
ومن بعده ذكر ابن خشّاب البغداديّ22 (م 567 هـ) وابن شهرآشوب23 (م 588 هـ) أنّ اسم هذا الطفل هو (عليّ الأصغر) ومنذ ذلك الحين ظهر هذا الاسم في بعض المصادر المتأخّرة24. عمر الطفل:
فيما يرتبط بعمر هذا الطفل ينبغي القول: إنّ الكثير من المصادر التاريخيّة- وكما سوف نلاحظ من خلال الأخبار الواردة فيها- لم تتعرّض لتحديد عمره، بل اكتفت بالإشارة إليه بعناوين مثل: الصبيّ, الصغير, الطفل, الرضيع. نعم، بعض المؤرّخين وأصحاب المقاتل، كالفضيل بن الزبير الرسّان (عاش إلى زمن الإمام الصادق عليه السلام) واليعقوبيّ (م 284 هـ) اعتبر أنّ هذا الطفل قد ولد في يوم عاشوراء25.
وأمّا الروايات التي يمكن الاعتماد عليها والتي أشارت إلى عمر هذا الطفل فهي مختلفة ومتفاوتة فيما بينها، ولذا يجب الاعتراف بأنّه لا يوجد أيّ طريق للجمع بينها, وهذه الروايات هي كالآتي: الرواية الأولى - بحسب التسلسل الزمنيّ - هي رواية محمّد بن سعد (م 230 هـ) التي تتحدّث عن ولد للإمام الحسين عليه السلام يبلغ من العمر ثلاث سنوات قتله عقبه بن بشر الأسديّ بسهم26.
واعتبر البلعميّ - وهو من مؤرّخي القرن الرابع - في هامش الحديث عن كيفيّة شهادة الطفل الرضيع، أنّه كان في السنة الأولى من عمره27.
والقول الثالث هو لشاعر القرن الرابع الكسائيّ المروزيّ، حيث ذكر في بيت من الشعر أنّ الطفل كان في شهره الخامس: ذَاكَ الطِّفْلُ ذُوْ الخَمْسَةِ أَشْهُرٍ آهٍ لِحَامِلِهِ مَاذَا فَعَلَ؟ حَتَّى صَارَ مُثْخَناً بِالجِرَاحِ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى قَرْنِهِ28
وكما يُلاحظ فإنّه لا يوجد أيّ طريق للجمع بين هذه الأقوال الثلاثة، وإن كان يمكن ترجيح قول البلعميّ لعدّة أسباب، لأنّ بعض المصادر أشارت إلى أنّ هذا الطفل كان رضيعاً، وهذا لا ينسجم - بحسب العادة - مع قول ابن سعد، وبعض آخر منها ذكرت- كما سيأتي- أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يُقعد هذا الطفل في حجره وهذا لا يتلاءم مع طفل يبلغ من العمر خمسة أشهر فقط (كما هو قول الكسائيّ المروزيّ) لأنّه يلزم - عادةً - أن يكون الطفل الذي يمكن قعوده في حجر أبيه أكبر سنّاً ممّا قاله الكسائيّ. ومن هنا، نجد أنّ هاتين الميزتين كلتَيْهما تتلاءمان مع القول بأنّ عمر الطفل كان يبلغ سنة كاملة، وإن كان يجب أن نعترف بنكتة مهمّة، وهي أنّ قول البلعميّ مرسل لم يستند فيه إلى رواةٍ ينقل عنهم. مناقشة رأي المشهور ونقده: أمّا بالنسبة إلى ما ورد في المصادر القديمة, فيوجد في قباله قول آخر حول عمر هذا الطفل الرضيع، وهو كونه ذا ستّة أشهر، وقد شاع هذا القول في القرنين الأخيرين، وصار متداولاً بحيث أصبح اليوم ذا شهرة خاصّة على المنابر وفي مجالس العزاء. حتّى لقد قام بعضهم، في السنوات الأخيرة، بالاحتفال بيوم ميلاده، حيث إنّهم يرجعون في الحساب إلى ما قبل عاشوراء (عام 61 هـ) ستّة أشهر، فيوافق العاشر من شهر رجب من العام (60 هـ).
بل إنّ هذا الأمر قد وصل إلى حدّ طبع تلك المناسبة في بعض التقاويم الدّينيّة بعنوان يوم ولادة هذا الطفل. مع أنّ هذا القول لا يستند إلى أيّ مدرك معتبر, بل إنّ المصدر الوحيد له هو خبر ورد في كتاب محرّف ومنسوب إلى أبي مخنف29،
ومن هناك انتقل تدريجيّاً إلى مصادر المعاصرين.
كيفيّة استشهاد الطفل الرضيع:
بالنسبة إلى كيفيّة استشهاده فإنّ المصادر القديمة، بشكل عامّ، تتحدّث عن شهادته، إمّا بين يدي الإمام، أو في حجره إلى جانب الخيام. يذكر الفضيل بن الزبير حول هذا الأمر:
عبد الله بن الحسين عليهما السلام، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبيّ30،
قتله حرملة بن الكاهل الأسديّ الوالبيّ، وكان ولد للحسين بن عليّ عليه السلام في الحرب، فأُتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبّاه بريقه، وسمّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فَنَحَره31،
فأخذ الحسين عليه السلام دمه، فجمعه ورمى به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلى الأرض. قال فضيل: وحدّثني أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: "لو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب"32.
وقال اليعقوبيّ أيضاً: فإنّه لواقف على فرسه إذ أُتي بمولود قد وُلد له في تلك الساعة فأذّن في أذنه وجعل يحنّكه إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبيّ فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطّخه بدمه ويقول: "والله لأنت أكرم على الله من الناقة، لمحمّد أكرم على الله من صالح". ثمّ أتى به فوضعه مع ولده وبني أخيه33.
وكتب الطبريّ أيضاً: قال عقبة بن بشير الأسديّ: قال لي أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام : "إنّ لنا فيكم يا بني أسد دماً". قال: قلت: فما ذنبي أنا في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر؟ قال: "أُتي الحسين عليه السلام بصبيّ له، فهو في حجره إذ رماه أحدكم، يا بني أسد، بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين دمه، فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض ثمّ قال: ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين"34.
وفي خبر آخر نقل عمّار الدهنيّ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ الحسين قال، عندما أصيب الطفل الرضيع بالسهم في حجره: "اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ولكنّهم قتلونا"35.
وروى البلعميّ:
كان للحسين طفل رضيع يبلغ من العمر سنة واحدة، اسمه عبد الله فسمع أبوه منه أنيناً فأشفق عليه، وطلبه فأحضروه له، فوضعه إلى جانبه وهو يبكي، فرمى رجل من بني أسد سهماً فوقع في أذن الطفل فمات من ساعته ودفنه الحسين عليه السلام في ذاك المكان ثمّ قال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أعنّي يا ربّ على هذه المصائب"36.
ونقل الشيخ المفيد وتبعه الطبرسيّ: ثمّ جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأتى بابنه عبد الله ابن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين عليه السلام دمه فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ثمّ قال: "ربّ إن تك حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين"، ثمّ حمله ووضعه إلى جانب بقيّة الشهداء من أهل البيت عليهم السلام37.
وذكر أبو الفرج الأصفهانيّ (م 356 هـ) وابن شهرآشوب أنّ الحسين عليه السلام أخذ من دماء نحر هذا الطفل ورمى بها نحو السماء (لا الأرض) فلم يرجع منه شيء، ثمّ قال: "اللهمّ لا يكن هذا الطفل أهون عليك من ناقة صالح عليه السلام "38.
وأمّا ابن أعثم والطبرسيّ فقد كتبا حول ذلك: بعد أن قُتل جميع من كان مع الحسين عليه السلام من أنصاره وأهل بيته، لم يبق معه إلّا اثنان أحدهما ولده عليّ زين العابدين عليه السلام والآخر طفله الرضيع واسمه عبد الله39
أو عليّ40.
جاء الحسين عليه السلام إلى باب الخيمة ليودّع أهل بيته فقال: "ناولوني الطفل لأودّعه"، فبينما هو يقبّله ويقول: "يا بنيّ, الويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم جدّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم"، فإذا بسهم حرملة بن كاهل الأسديّ41
قد وقع على ذاك الطفل فيقتله وهو في حجر أبيه، فأخذ الحسين عليه السلام الدم بيده حتّى امتلأت ثمّ رمى به نحو السماء وقال: "إلهي إن تكن حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا"42،
ثمّ نزل الحسين عن فرسه، وحفر للصبيّ بجفن سيفه، ورمّله بدمه، وصلّى عليه43،
ثمّ دفنه44.
وقد ذكر البعض - كما مرّ سابقاً - أنّ الحسين عليه السلام أتى بجثمان هذا الطفل ودفنه إلى جانب بقيّة الشهداء45.
وكتب السيّد ابن طاووس في هذا الموضوع: ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى: "هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟", فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: "ناوليني ولدي الصغير حتّى أودّعه", فأخذه وأومأ إليه ليقبّله، فرماه حرملة بن الكاهل الأسديّ، لعنه الله تعالى، بسهم فوقع في نحره فذبحه, فقال لزينب: "خذيه"، ثمّ تلقّى الدم بكفّيه فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء, ثمّ قال: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى". قال الباقر عليه السلام: "فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض"46.
ونقل سبط ابن الجوزيّ عن هشام بن محمّد الكلبيّ (تلميذ أبي مخنف وراوي مقتله) حول هذه الحادثة رواية أخرى جديرة بالاهتمام، وهي: سمع الحسين عليه السلام طفلاً يبكي من شدّة العطش، فأخذه ورفعه على عاتقه في قبال جيش ابن سعد ونادى قائلاً: "إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل لله"47.
ثمّ رمى رجل من معسكر عمر بن سعد سهماً أصاب الطفل وقتله فبكى الحسين عليه السلام وقال: "اللهمّ احكم بيننا وبين هؤلاء القوم فإنّهم دعونا لينصرونا فإذا هم يقتلوننا", ثمّ نادى منادٍ من السماء: "دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة"48.
هل عليّ الأصغر هو غير عبد الله الرضيع؟
استنتج المحقّق الشهيد القاضي الطباطبائيّ، من خلال الأخبار التاريخيّة المختلفة حول شهادة الطفل الرضيع، أنّ الحسين عليه السلام كان له ثلاثة أطفال، الأوّل: مولود جديد ولد في يوم عاشوراء، وقد نقل اليعقوبيّ خبراً في هذا الأمر- الثاني: عبد الله ذو الأشهر الستّة وكان رضيعاً- الثالث: عليّ الأصغر وله من العمر ستّ سنوات، إلّا أنّ المؤرّخين لم يتحرّوا الدقّة في نقل روايات شهادة هؤلاء الأطفال الثلاثة، وقد خلطوا في كتبهم بين شهادة كلّ واحد منهم مع الآخر، فذكروا أحدهم مكان الآخر، ومع مرور الوقت أصبح هؤلاء الثلاثة بمثابة طفلٍ واحدٍ، اسمه في المصادر القديمة عبد الله الرضيع وفي المصادر المتأخرّة عليّ. في طيّ بحثه أورد المحقّق الطباطبائيّ لإثبات مدّعاه قرائن وشواهد ننقلها نحن باختصار مع بعض التصرّف على النحو الآتي:
1- كانت شهادة عبد الله الرضيع بهذا الشكل: فقد جاء الإمام عليه السلام وجلس أمام الخيمة على الأرض ووضع طفله في حجره فجاء سهم وأصاب ذاك الطفل في تلك الحال وقُتل. يتبيّن من هذه الرواية أنّ عبد الله ليس هو عليّاً الأصغر، لأنّ عليّاً الأصغر قُتل في ميدان المعركة حيث حمله أبوه عليه السلام وهو راكب على جواده في قبال معسكر الأعداء، وطلب منهم- حسب نقل سبط بن الجوزيّ- أن يسقوا هذا الطفل الظمآن شربة من الماء، وعندها رموه بسهم وقُتل، فنزل الإمام عليه السلام عن جواده و...
2- بالنسبة إلى خبر شهادة عليّ الأصغر فإنّ الإمام عليه السلام كان قد صلّى عليه، ممّا يدلّ على أنّ عمر ذلك الطفل ليس أقلّ من ستّ سنوات، لأنّ الصلاة على من لم يبلغ من الأطفال ستّ سنوات - حسب رأي الفقهاء - غير واجبة ولا مستحبّة، بل بنظر التحقيق هي مورد إشكال شرعيّ، وأمّا رواية عبد الله فلم تذكر الصلاة عليه أصلاً، وبناءً على ذلك فإنّ رواية الصلاة على الطفل لا تنطبق على الطفل الرضيع ولذا فلا يمكن عدّ هذين الطفلين واحداً.
3- لقد قام الإمام - حسب الروايات - بوضع الطفل الرضيع بجانب شهداء كربلاء، وأمّا عليّ الأصغر فقد دفنه الإمام عليه السلام بعد أن صلّى عليه، وهذا أيضاً يدلّ على أنّ عبد الله الرضيع ولد آخر للإمام عليه السلام غير عليّ الأصغر الذي كان على الأقلّ يبلغ من العمر ستّ سنوات.
4- إنّ ما نقله سبط بن الجوزيّ حول الطفل ذي الستّ السنوات هو أنّ الإمام عليه السلام عندما سمع بكاءه بسبب العطش أخذه قبال معسكر عمر بن سعد وطلب الماء له، وأمّا الطفل الرضيع فلم ينقل عنه شيء غير وداع الإمام عليه السلام له، وقد حصل ذلك - حسب النقل - أمام الخيمة وليس في ساحة المعركة50. (يتبع)
تمهيد:
سنشرع في هذه المقالة بالبحث حول اسم الطفل الرضيع للإمام الحسين عليه السلام, ثمّ نتحدّث عن عمره، مع نقد رأي بعض المصادر المعاصرة حول هذا الأمر. وفي خلال ذلك نعرّج على كيفيّة شهادة هذا الطفل، ونختم بنقد رأي بعض المحقّقين المعاصرين، حيث اعتبر أنّ عليّاً الأصغر وعبد الله اسمان لطفلين اثنين وليس لطفلٍ واحد.
المقدّمة:
إنّ من المصائب الكبرى ليوم عاشوراء والحوادث القطعيّة التي وقعت في ذلك اليوم هو شهادة الطفل الرضيع للإمام الحسين عليه السلام والذي قتل في حضن أبيه بكلّ وحشيّة على يد جنود عمر بن سعد. بعض المصادر القديمة لم تذكر شيئاً عن اسم هذا الطفل، بينما البعض الآخر منها تحدّث عنه باسم عبد الله بن الحسين عليه السلام أو عبد الله الرضيع. وكذلك فإنّ الكثير من المصادر ساكتة عن بيان عمره. من ناحيةٍ أخرى نجد أنّ بعض المؤرّخين وأصحاب المقاتل قد بيّنوا بشكل مختصر شهادته وإصابته بسهم بشكل مختصر، والبعض الآخر منهم قال بأنّه أصيب بسهم في حجر أبيه إلى جانب الخيمة، وهناك رأي ثالث يروي أنّ الإمام عليه السلام حمل الطفل قبال معسكر الكوفة، وبينما كان يخبرهم بعطشه، فإذا بسهم من الأعداء يذبحه بين يدي أبيه, ومضى شهيداً. ونحن سنبحث حول اسم وعمر هذا الطفل أوّلاً، وذلك استناداً إلى المصادر القديمة (التي كان بعضها ينقل عن البعض الآخر، أو يختصر الأحداث بينما كان البعض الآخر يفصّلها)، ثمّ نعرّج على كيفيّة شهادته. وفي النهاية سنقوم بنقد القول والتحليل الذي اختاره بعض المحقّقين المعاصرين حول هذا الموضوع. اسم الطفل: ذكرت المصادر التاريخيّة اسم هذا الطفل بطرق مختلفة، وبعضها عبّرت عنه (من دون ذكر اسم) بعنوان (الصبيّ)2,
كذلك ورد التعبير عنه في روايةٍ للإمام الباقر عليه السلام3,
وفي بعض المصادر الأخرى ورد بعنوان (الصغير)4.
وضبطه الفضيل بن الزبير (أحد أصحاب الإمام الباقر عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام) مصرّحاً بأنّ اسمه هو "عبد الله"5.
وروى أبو مخنف في خبر ٍعن حميد بن مسلم، نقلاً عن بعضهم، أنّ اسمه هو عبد الله6
إلّا أنّه وفي مكان آخر أورد هذا الاسم مصرّحاً به7.
ومن بعد ذلك صرّح المؤرّخون وعلماء الرجال كمحمّد بن حبيب البغداديّ8 (م 2450 هـ) والبلاذريّ9 (م 279 هـ)
وأبي نصر البخاريّ10 (عاش إلى سنة 341 هـ) و أبي الفرج الأصفهانيّ11 (م 356 هـ) والطبرانيّ12 (م 360 هـ)
والقاضي النعمان المصريّ13 (م 363 هـ)
والبلعميّ14 (م 363 هـ) والشيخ المفيد15 (الذي نقل معظم وقائع عاشوراء عن أبي مخنف) وتبعه في ذلك الشيخ الطبرسيّ16
والشيخ الطوسيّ17 حيث صرّحوا جميعاً أنّ اسم الطفل هو عبد الله. ومن المصادر المتأخّرة يوجد الكثير ممّن ذكره أيضاً بهذا الاسم18.
أمّا المؤرّخ الأوّل الذي ذكر هذا الطفل باسم (عليّ) فهو ابن الأعثم (م 314 هـ) وعبّر عنه بعنوان (عليّ في الرضاع)19
وكذلك الخوارزميّ (م 314 هـ)- الذي نقل كثيراً من أخبار مقتله عن ابن الأعثم- عبّر عنه بـ "عليّ الطفل" (من دون ذكر الأصغر)20.
ونحن نجد- حسب ما بأيدينا من المصادر- أنّ الشخص الأوّل الذي ذكر أحد أولاد الإمام عليه السلام (إضافة إلى عليّ الأكبر والإمام الرابع عليه السلام وعبد الله) باسم عليّ الأصغر هو الطبريّ الشيعيّ21
(من علماء القرن الرابع)،
ومن بعده ذكر ابن خشّاب البغداديّ22 (م 567 هـ) وابن شهرآشوب23 (م 588 هـ) أنّ اسم هذا الطفل هو (عليّ الأصغر) ومنذ ذلك الحين ظهر هذا الاسم في بعض المصادر المتأخّرة24. عمر الطفل:
فيما يرتبط بعمر هذا الطفل ينبغي القول: إنّ الكثير من المصادر التاريخيّة- وكما سوف نلاحظ من خلال الأخبار الواردة فيها- لم تتعرّض لتحديد عمره، بل اكتفت بالإشارة إليه بعناوين مثل: الصبيّ, الصغير, الطفل, الرضيع. نعم، بعض المؤرّخين وأصحاب المقاتل، كالفضيل بن الزبير الرسّان (عاش إلى زمن الإمام الصادق عليه السلام) واليعقوبيّ (م 284 هـ) اعتبر أنّ هذا الطفل قد ولد في يوم عاشوراء25.
وأمّا الروايات التي يمكن الاعتماد عليها والتي أشارت إلى عمر هذا الطفل فهي مختلفة ومتفاوتة فيما بينها، ولذا يجب الاعتراف بأنّه لا يوجد أيّ طريق للجمع بينها, وهذه الروايات هي كالآتي: الرواية الأولى - بحسب التسلسل الزمنيّ - هي رواية محمّد بن سعد (م 230 هـ) التي تتحدّث عن ولد للإمام الحسين عليه السلام يبلغ من العمر ثلاث سنوات قتله عقبه بن بشر الأسديّ بسهم26.
واعتبر البلعميّ - وهو من مؤرّخي القرن الرابع - في هامش الحديث عن كيفيّة شهادة الطفل الرضيع، أنّه كان في السنة الأولى من عمره27.
والقول الثالث هو لشاعر القرن الرابع الكسائيّ المروزيّ، حيث ذكر في بيت من الشعر أنّ الطفل كان في شهره الخامس: ذَاكَ الطِّفْلُ ذُوْ الخَمْسَةِ أَشْهُرٍ آهٍ لِحَامِلِهِ مَاذَا فَعَلَ؟ حَتَّى صَارَ مُثْخَناً بِالجِرَاحِ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى قَرْنِهِ28
وكما يُلاحظ فإنّه لا يوجد أيّ طريق للجمع بين هذه الأقوال الثلاثة، وإن كان يمكن ترجيح قول البلعميّ لعدّة أسباب، لأنّ بعض المصادر أشارت إلى أنّ هذا الطفل كان رضيعاً، وهذا لا ينسجم - بحسب العادة - مع قول ابن سعد، وبعض آخر منها ذكرت- كما سيأتي- أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يُقعد هذا الطفل في حجره وهذا لا يتلاءم مع طفل يبلغ من العمر خمسة أشهر فقط (كما هو قول الكسائيّ المروزيّ) لأنّه يلزم - عادةً - أن يكون الطفل الذي يمكن قعوده في حجر أبيه أكبر سنّاً ممّا قاله الكسائيّ. ومن هنا، نجد أنّ هاتين الميزتين كلتَيْهما تتلاءمان مع القول بأنّ عمر الطفل كان يبلغ سنة كاملة، وإن كان يجب أن نعترف بنكتة مهمّة، وهي أنّ قول البلعميّ مرسل لم يستند فيه إلى رواةٍ ينقل عنهم. مناقشة رأي المشهور ونقده: أمّا بالنسبة إلى ما ورد في المصادر القديمة, فيوجد في قباله قول آخر حول عمر هذا الطفل الرضيع، وهو كونه ذا ستّة أشهر، وقد شاع هذا القول في القرنين الأخيرين، وصار متداولاً بحيث أصبح اليوم ذا شهرة خاصّة على المنابر وفي مجالس العزاء. حتّى لقد قام بعضهم، في السنوات الأخيرة، بالاحتفال بيوم ميلاده، حيث إنّهم يرجعون في الحساب إلى ما قبل عاشوراء (عام 61 هـ) ستّة أشهر، فيوافق العاشر من شهر رجب من العام (60 هـ).
بل إنّ هذا الأمر قد وصل إلى حدّ طبع تلك المناسبة في بعض التقاويم الدّينيّة بعنوان يوم ولادة هذا الطفل. مع أنّ هذا القول لا يستند إلى أيّ مدرك معتبر, بل إنّ المصدر الوحيد له هو خبر ورد في كتاب محرّف ومنسوب إلى أبي مخنف29،
ومن هناك انتقل تدريجيّاً إلى مصادر المعاصرين.
كيفيّة استشهاد الطفل الرضيع:
بالنسبة إلى كيفيّة استشهاده فإنّ المصادر القديمة، بشكل عامّ، تتحدّث عن شهادته، إمّا بين يدي الإمام، أو في حجره إلى جانب الخيام. يذكر الفضيل بن الزبير حول هذا الأمر:
عبد الله بن الحسين عليهما السلام، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبيّ30،
قتله حرملة بن الكاهل الأسديّ الوالبيّ، وكان ولد للحسين بن عليّ عليه السلام في الحرب، فأُتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبّاه بريقه، وسمّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فَنَحَره31،
فأخذ الحسين عليه السلام دمه، فجمعه ورمى به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلى الأرض. قال فضيل: وحدّثني أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: "لو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب"32.
وقال اليعقوبيّ أيضاً: فإنّه لواقف على فرسه إذ أُتي بمولود قد وُلد له في تلك الساعة فأذّن في أذنه وجعل يحنّكه إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبيّ فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطّخه بدمه ويقول: "والله لأنت أكرم على الله من الناقة، لمحمّد أكرم على الله من صالح". ثمّ أتى به فوضعه مع ولده وبني أخيه33.
وكتب الطبريّ أيضاً: قال عقبة بن بشير الأسديّ: قال لي أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام : "إنّ لنا فيكم يا بني أسد دماً". قال: قلت: فما ذنبي أنا في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر؟ قال: "أُتي الحسين عليه السلام بصبيّ له، فهو في حجره إذ رماه أحدكم، يا بني أسد، بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين دمه، فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض ثمّ قال: ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين"34.
وفي خبر آخر نقل عمّار الدهنيّ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ الحسين قال، عندما أصيب الطفل الرضيع بالسهم في حجره: "اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ولكنّهم قتلونا"35.
وروى البلعميّ:
كان للحسين طفل رضيع يبلغ من العمر سنة واحدة، اسمه عبد الله فسمع أبوه منه أنيناً فأشفق عليه، وطلبه فأحضروه له، فوضعه إلى جانبه وهو يبكي، فرمى رجل من بني أسد سهماً فوقع في أذن الطفل فمات من ساعته ودفنه الحسين عليه السلام في ذاك المكان ثمّ قال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أعنّي يا ربّ على هذه المصائب"36.
ونقل الشيخ المفيد وتبعه الطبرسيّ: ثمّ جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأتى بابنه عبد الله ابن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين عليه السلام دمه فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ثمّ قال: "ربّ إن تك حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين"، ثمّ حمله ووضعه إلى جانب بقيّة الشهداء من أهل البيت عليهم السلام37.
وذكر أبو الفرج الأصفهانيّ (م 356 هـ) وابن شهرآشوب أنّ الحسين عليه السلام أخذ من دماء نحر هذا الطفل ورمى بها نحو السماء (لا الأرض) فلم يرجع منه شيء، ثمّ قال: "اللهمّ لا يكن هذا الطفل أهون عليك من ناقة صالح عليه السلام "38.
وأمّا ابن أعثم والطبرسيّ فقد كتبا حول ذلك: بعد أن قُتل جميع من كان مع الحسين عليه السلام من أنصاره وأهل بيته، لم يبق معه إلّا اثنان أحدهما ولده عليّ زين العابدين عليه السلام والآخر طفله الرضيع واسمه عبد الله39
أو عليّ40.
جاء الحسين عليه السلام إلى باب الخيمة ليودّع أهل بيته فقال: "ناولوني الطفل لأودّعه"، فبينما هو يقبّله ويقول: "يا بنيّ, الويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم جدّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم"، فإذا بسهم حرملة بن كاهل الأسديّ41
قد وقع على ذاك الطفل فيقتله وهو في حجر أبيه، فأخذ الحسين عليه السلام الدم بيده حتّى امتلأت ثمّ رمى به نحو السماء وقال: "إلهي إن تكن حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا"42،
ثمّ نزل الحسين عن فرسه، وحفر للصبيّ بجفن سيفه، ورمّله بدمه، وصلّى عليه43،
ثمّ دفنه44.
وقد ذكر البعض - كما مرّ سابقاً - أنّ الحسين عليه السلام أتى بجثمان هذا الطفل ودفنه إلى جانب بقيّة الشهداء45.
وكتب السيّد ابن طاووس في هذا الموضوع: ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى: "هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟", فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: "ناوليني ولدي الصغير حتّى أودّعه", فأخذه وأومأ إليه ليقبّله، فرماه حرملة بن الكاهل الأسديّ، لعنه الله تعالى، بسهم فوقع في نحره فذبحه, فقال لزينب: "خذيه"، ثمّ تلقّى الدم بكفّيه فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء, ثمّ قال: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى". قال الباقر عليه السلام: "فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض"46.
ونقل سبط ابن الجوزيّ عن هشام بن محمّد الكلبيّ (تلميذ أبي مخنف وراوي مقتله) حول هذه الحادثة رواية أخرى جديرة بالاهتمام، وهي: سمع الحسين عليه السلام طفلاً يبكي من شدّة العطش، فأخذه ورفعه على عاتقه في قبال جيش ابن سعد ونادى قائلاً: "إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل لله"47.
ثمّ رمى رجل من معسكر عمر بن سعد سهماً أصاب الطفل وقتله فبكى الحسين عليه السلام وقال: "اللهمّ احكم بيننا وبين هؤلاء القوم فإنّهم دعونا لينصرونا فإذا هم يقتلوننا", ثمّ نادى منادٍ من السماء: "دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة"48.
هل عليّ الأصغر هو غير عبد الله الرضيع؟
استنتج المحقّق الشهيد القاضي الطباطبائيّ، من خلال الأخبار التاريخيّة المختلفة حول شهادة الطفل الرضيع، أنّ الحسين عليه السلام كان له ثلاثة أطفال، الأوّل: مولود جديد ولد في يوم عاشوراء، وقد نقل اليعقوبيّ خبراً في هذا الأمر- الثاني: عبد الله ذو الأشهر الستّة وكان رضيعاً- الثالث: عليّ الأصغر وله من العمر ستّ سنوات، إلّا أنّ المؤرّخين لم يتحرّوا الدقّة في نقل روايات شهادة هؤلاء الأطفال الثلاثة، وقد خلطوا في كتبهم بين شهادة كلّ واحد منهم مع الآخر، فذكروا أحدهم مكان الآخر، ومع مرور الوقت أصبح هؤلاء الثلاثة بمثابة طفلٍ واحدٍ، اسمه في المصادر القديمة عبد الله الرضيع وفي المصادر المتأخرّة عليّ. في طيّ بحثه أورد المحقّق الطباطبائيّ لإثبات مدّعاه قرائن وشواهد ننقلها نحن باختصار مع بعض التصرّف على النحو الآتي:
1- كانت شهادة عبد الله الرضيع بهذا الشكل: فقد جاء الإمام عليه السلام وجلس أمام الخيمة على الأرض ووضع طفله في حجره فجاء سهم وأصاب ذاك الطفل في تلك الحال وقُتل. يتبيّن من هذه الرواية أنّ عبد الله ليس هو عليّاً الأصغر، لأنّ عليّاً الأصغر قُتل في ميدان المعركة حيث حمله أبوه عليه السلام وهو راكب على جواده في قبال معسكر الأعداء، وطلب منهم- حسب نقل سبط بن الجوزيّ- أن يسقوا هذا الطفل الظمآن شربة من الماء، وعندها رموه بسهم وقُتل، فنزل الإمام عليه السلام عن جواده و...
2- بالنسبة إلى خبر شهادة عليّ الأصغر فإنّ الإمام عليه السلام كان قد صلّى عليه، ممّا يدلّ على أنّ عمر ذلك الطفل ليس أقلّ من ستّ سنوات، لأنّ الصلاة على من لم يبلغ من الأطفال ستّ سنوات - حسب رأي الفقهاء - غير واجبة ولا مستحبّة، بل بنظر التحقيق هي مورد إشكال شرعيّ، وأمّا رواية عبد الله فلم تذكر الصلاة عليه أصلاً، وبناءً على ذلك فإنّ رواية الصلاة على الطفل لا تنطبق على الطفل الرضيع ولذا فلا يمكن عدّ هذين الطفلين واحداً.
3- لقد قام الإمام - حسب الروايات - بوضع الطفل الرضيع بجانب شهداء كربلاء، وأمّا عليّ الأصغر فقد دفنه الإمام عليه السلام بعد أن صلّى عليه، وهذا أيضاً يدلّ على أنّ عبد الله الرضيع ولد آخر للإمام عليه السلام غير عليّ الأصغر الذي كان على الأقلّ يبلغ من العمر ستّ سنوات.
4- إنّ ما نقله سبط بن الجوزيّ حول الطفل ذي الستّ السنوات هو أنّ الإمام عليه السلام عندما سمع بكاءه بسبب العطش أخذه قبال معسكر عمر بن سعد وطلب الماء له، وأمّا الطفل الرضيع فلم ينقل عنه شيء غير وداع الإمام عليه السلام له، وقد حصل ذلك - حسب النقل - أمام الخيمة وليس في ساحة المعركة50. (يتبع)
تعليق