إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أهل الكوفة بين حقد الأمويين والعباسيين وثناء أهل البيت (عليهم السلام) والواقع التاريخ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أهل الكوفة بين حقد الأمويين والعباسيين وثناء أهل البيت (عليهم السلام) والواقع التاريخ

    أهل الكوفة بين حقد الأمويين والعباسيين وثناء أهل البيت (عليهم السلام) والواقع التاريخي-موقع العتبة الحسينية المقدسة



    قال الخليفة (المنصور العباسي) :

    (يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه . . .لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم ! أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)[1]
    وكتب معاوية إلى ولاته كما في رواية المدائني : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ، و(ألاَّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة)[2] .
    قال المدائني : فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليّاً(عليه السلام) ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة علي(عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة . . . فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبقَ بها معروف منهم .
    وقال مصعب بن الزبير لما لقيه عبد الله بن عمر واعترض عليه مؤنباً أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة (من أهل الكوفة كانوا محصورين مع المختار) في غداة واحدة ، فقال مصعب : إنهم كانوا كفرة سحرة .
    - كلام (عثمان المري) والي (الوليد) على المدينة والله ما سبرت عراقياً قط فوجدت عنده ديناً ، وإن أفضلهم حالاً عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول . . . إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول : الشام أحب إلي ، إني رأيت العراق داء عضالاً وبها فرخ الشيطان ، . . . وإني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج ، وكيف ولم وسرعة وجيف[3] في الفتنة .
    وقال ابن المعتز العباسي وقد نظم سياسة آبائه في الكوفة :
    واستمع الآن حديث الكوفة *** مدينة بعينها معروفة
    كثيرةُ الأديان والأئمة *** وهمُّها تشتيتُ أمر الأمة
    واخذوا وقتلوا عليا *** العادل ، البر ، التقي الزكيا
    وقتلوا الحسين بعد ذاكا *** فأهلكوا أنفسهم إهلاكا
    وجحدوا كتابهم إليه *** وحرفوا قرآنهم عليه
    ثم بكوا من بعده وناحوا *** هلا ، كذاك يفعل التمساح
    فقد بقوا في دينهم حيارى *** لا يهودٌ همْ ولا نصارى
    والمسلمون منهمُ براءُ *** رافضةٌ ودينهم هباءُ
    فبعضهم قد جَحَدَ الرسولا *** وغلَّطوا في فعله جبريلا
    وقال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) لأهل الكوفة :
    أنتم الأنصار على الحق ، والإخوان في الدين ، والجنن يوم البأس ، والبطانة دون الناس .[4]
    وقال : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز .[5]
    وقال علي بن الحسين(عليه السلام) : يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار .[6]
    وقال الإمام الصادق(عليه السلام) : إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة .[7]
    وقال أيضاً مخاطباً جماعة من أهل الكوفة :
    أما إنه ليس بلد من البلدان أكثر محباً لنا من أهل الكوفة ، إن الله هداكم لأمر جهله الناس ،أحببتمونا وأبغضنا الناس ،وصدقتمونا وكذبنا الناس ،واتبعتمونا وخالفنا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا[8] .
    - نتيجتان من نتائج النهضة الحسينية:
    هناك نتائج كثيرة تحققت بالنهضة الحسينية نذكر منها أبرز نتيجتين :
    -الأولى : فضح بني أمية في دعواهم خلافة النبي(صلى الله عليه و آله وسلم ) والإمامة الإلهية التي تقود إلى الله فإن خلافة مثل هذه لو كانت صحيحة لما صنعت ما صنعت مع الحسين(عليه السلام) بعد قتله من التمثيل به ورفع رأسه ورؤوس أصحابه على الرماح وتسييرهم مع سبي نسائه بين الجنود من بلد إلى بلد إلى الشام ، فإن هذا الموقف جعل كل مسلم يبلغه الخبر يتألم ويراجع نفسه وأقل ما تنتجه هذه الحادثة هو البراءة من بني أمية والترحم على الحسين(عليه السلام) حتى ولو لم يكن متفقاً مع الحسين(عليه السلام) في منهجه الإصلاحي ، فإن ابن الزبير كان منهجه أن يسير بسيرة الشيخين وكان عدواً لعلي(عليه السلام) ولا يحبه ، ومع ذلك لما بلغه خبر مقتل الحسين(عليه السلام) قام خطيباً وقال : رحم الله حسيناً وأخزى قاتل الحسين(عليه السلام) . . .لقد اختار الحسين(عليه السلام) الميتة الكريمة على الحياة الذميمة …أفبعد الحسين(عليه السلام) نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهداً ؟ لا ولا نراهم لذلك أهلاً ، أما والله لقد قتلوه ، طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل ، أما والله ما كان يبدِّل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حِلق الذكر الركض في تطلاب الصيد (يعرِّض بيزيد) فسوف يلقون غياَ ) .
    -الثانية : انتشار أحاديث النبي(صلى الله عليه و آله وسلم ) التي تدعو إلى إمامة أهل بيته وأولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ذرية الحسين(عليه السلام) ؛ وذلك بسبب تمزق وحدة الدولة بعد موت يزيد واقتتال أهل الشام على الملك وكذلك اقتتال أهل خراسان وأهل اليمن ، وكان ذلك إجابة لدعاء الحسين(عليه السلام) (اللهم اجعل بأسهم بينهم) ، ولم يستقر الأمر لبني مروان إلا سنة83هـ .
    -الكوفيون يقتلون قتلة الحسين(عليه السلام) ويحاربون أهل الشام ويحيون سيرة علي(عليه السلام)
    خرج الشيعة بعد موت يزيد من السجون وكانوا أكثر من عشرة آلاف وقد سجنوا على الظن والتهم قبل قتل الحسين(عليه السلام) ومجيئه إلى العراق ، واستطاعوا بقيادة (سليمان بن صرد، والمختار) أن ينهضوا ويؤسسوا دولة في الكوفة على منهج علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، وهو المنهج الذي أشار إليه الحسين(عليه السلام) في نهضته (وأسير بسيرة جدي وأبي علي) وقد قتلوا قتلة الحسين(عليه السلام) ممن كان في جيش أهل الشام الذي حاصر الحسين ، وشُرِّدَتْ وجوهُهم ومنهم شبث بن ربعي وحجار بن أبجر وابن الأشعث إلى البصرة ، وأقنعوا مصعباً بأن يسحب جيشه من قتال الخوارج ويتجهوا إلى الكوفة واستطاعوا أن يحاصروا المختار ويسقطوا دولته وقُتِلَ شهيداً (رحمة الله عليه) مع سبعة آلاف من الأبرياء الذي كانوا محاصرين في قصر الإمارة في الكوفة .
    -مصعب بن الزبير يكفر أهل الكوفة:
    وشوه الإعلام الزبيري سيرة المختار حين روج أنه ادعى النبوة وأن أنصاره كفرة ؛ ولذلك ساغ قتلهم .
    قال عبد الله بن عمر لمصعب بن الزبير لما لقيه : نعم أنت القاتل سبعة آلاف[9] من أهل القبلة في غداة واحدة ، عش ما استطعت . فقال مصعب : إنهم كانوا كفرة سحرة .
    وأفتى عبد الله بن الزبير في زوجة المختار التي لم تتبرأ منه أن تقتل ، فقتلت ورميت على المزبلة .
    -الحجاج وعبد الملك بن مروان يكفران أهل الكوفة :
    ولما نجح عبد الملك في القضاء على دولة ابن الزبير ولى الحجاج العراق سنة 75هـ واستمر عشرين سنة يحكم العراق، وثار العراقيون عليه في البصرة والكوفة ، وكانت أشد الثورات عليه ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، ولم يستطع الحجاج أن يقضي عليها إلا بعد أن استعان بجيش الشام ، ثم بنى مدينة واسط لأهل الشام لكي لا يختلطوا مع الكوفيين ويتأثرون بفكرهم ،وكان الحجاج قاسياً على أهل الكوفة ، فقد خطب فيهم بعد قتل ابن الأشعث قائلاً :
    ( . . . إنكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق ، طالما أوضعتم في الضلال وسننتم سنن البغي . . .
    يا أهل العراق إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب والأعضاء والأطراف . . .)
    ثم التفت إلى أهل الشام الذين معه فقال لهم :
    (يا أهل الشام إنا لكم كالظليم[10] المحافظ على فراخه ، ينفي عنهن القذر ويباعد المدر ويحرسهن من الذباب ، أنتم العُدَّة والجُنَّة إن حارب محارب وجانب مجانب[11] ).
    وكتب عبد الملك إلى الحجاج : ( أن ادع الناس إلى البيعة ، فمن أقر بالكفر فخل سبيله إلا رجلاً نصب راية أو شتم أمير المؤمنين)[12] .
    وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه وكان خطيبً فقال اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه ، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده ومن علمت منه عيباً فعبه بما فيه وصغِّر إليه نفسه ، وكان لا يبايعه أحد إلا قال له أتشهد أنك قد كفرت فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله .
    وكتب عبد الملك الى الحجاج أيضاً أن جمِّر[13] أهل العراق وتابع عليهم البعوث واستعن عليهم بالفقر فإنه جند الله الأكبر ففعل ذلك بهم سنتين ، ثم أعطاهم بعد ذلك عطاءهم) [14] .
    -كلام (عثمان المري) والي (الوليد )على المدينة :
    وفي عهد الوليد بن عبد الملك أيضاً كانت السياسة نفسها ، فهذا عثمان بن حيان المري والي الوليد على المدينة أخذ عبيدة بن رباح ومنقذ العراقي في أناس من أهل العراق فحبسهم ، ثم بعث بهم في جوامع[15] إلى الحجاج بن يوسف ولم يترك بالمدينة أحداً من أهل العراق تاجراً ولا غير تاجر من كل بلد إلا أخرجوا في الجوامع . . . و خطب على المنبر وهو يقول : أيها الناس إذا وجدنا أهل غش لأميرالمؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقرضوا إليكم من لا يزيدكم إلا خبالاً ،أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق وهم والله عش النفاق وبيضته التي أنفلقت عنه ، والله ما سَبَرتُ عراقيا قط فوجدت عنده ديناً ،وإن أفضلهم حالاً عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول وما هم لهم بشيعة إنهم لأعداء لهم ولغيرهم ، ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم والتقرب إليه بذلك منهم وإني والله لا أؤتى بأحد منكم أكرى أحداً منهم منزلاً ولا أنزله إلا هدمت منزله وأحللت به ما هو أهله ، إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول : الشام أحب إلي إني رأيت العراق داء عضالاً وبها فرخ الشيطان ، . . . وإني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج ، وكيف ولم وسرعة وجيف[16] في الفتنة فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل ، ولم يصلحوا على عثمان ولقي منهم الأمرين وكانوا هم أول الناس فتق هذا الفتق ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة وانفلوا البلدان ، والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم . . .ثم يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا ، ووليهم رجل الناس جلدا يعني عبد الملك فبسط عليهم السيف وأخافهم فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا وذلك أنه خَبَرَهم فعرَفهم)[17] .
    -نهضة زيد بن علي وصنيع يوسف بن عمر بعد قتله بأهل الكوفة :
    ونهض زيد بن علي لإنقاذ الكوفة من ظلم بني أمية سنة 122هـ .
    قال البلاذري : وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتباً يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد ويدعوهم إليه وقال : لا تقولوا خرجنا غضباً لكم ولكن قولوا خرجنا غضباً لله ودينه ، وكان (زيد) إذا بويع قال : أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء على أهله ورد المظالم وإقفال الُمجَمَّرة ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب .
    قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : (يا أهل المِدْرَة الخبيثة والله ما يقعقع لي بالشِّنآن ولا تُقرن بي الصعبة ، لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم إن يحيى بن زيد[18] ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه يفعل وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم . . . )[19] .
    قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى أم امرأة لزيد أزدية فهدم دارها وحملت إليه فقال لها أزوَّجتِ زيداً ؟ قالت : نعم زوجته وهو سامع مطيع ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته ، فقال شُقّوا عليها ثيابها فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني -لعنك الله- ، فماتت تحت السياط ثم أمر بها فأُلقيت في العراء فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم .
    وأخذ امرأة قوَّت زيداً على أمره فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها . . . وضرب عنق زوجها . وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط ، وهدم دوراً كثيرة .
    وأُتِيَ يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد فقال له يوسف : ائتني بابنتك قال وما تصنع بها جارية عاتق[20] في البيت ؟ قال أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته ، فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى فأمر به فدُقَّت يده ورجله .
    -العباسيون يحذون حذو بني أمية مع أهل البيت(عليه السلام) والكوفة :
    لم تستقر الأمور لبني أمية بعد قتل زيد فقد نشطت حركة المعارضة بقيادة بني هاشم وعقدوا مؤتمر الأبواء سنة 129 هـ وبايعوا لمحمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بذي النفس الزكية ، وكان ممن بايعه الجناح العباسي ، وكان له تنظيمه الخاص وقد انشق عن بني هاشم في السر منذ سنة 100 هـ وكان يعمل لصالحه الخاص ، وقد جاء في كلام مؤسس الانشقاق محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يوصي دعاته :
    (أما أهل الكوفة فميلهم إلى ولد علي بن أبي طالب ، وأما أهل البصرة فعثمانية ، وأما أهل الشام فسفيانية مروانية ،وأما أهل الجزيرة فخوارج ، وأما أهل المدينة فقد غلب عليهم حب أبي بكر وعمر ومنهم من يميل إلى الطالبيين ، ولكن أهل خراسان قوم فيهم الكثرة والقوة والجلَد وفراغ القلوب من الأهواء فبعث إلى خراسان)[21] .
    وفي كلام له أيضاً في حضور الدعاة ونزاع بينهم قال : (إن أهل الشام أعوان الظالمين ، وآفة هذا الدين ، وقد ابتعثوا بنصرة بني أمية ، وأغري أكثر أهل العراق بمشايعة بني أبي طالب ، وقد خصنا الله بأهل خراسان ، فهم أنصارنا وأعواننا وذخائرنا) .
    وقدر لبني العباس أن يسقط حكم بني أمية على أيديهم بجيوش الخراسانيين وكان أغلبهم ذرية العراقيين المهجرين زمن زياد سنة 50هـ .
    واحتكر العباسيون الحكم لأنفسهم وأداروا ظهرهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن(عليه السلام) وفي أعناقهم بيعة له ، وثار محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة واستطاع المنصور الدوانيقي أن يخمد الثورة ويقضي عليها ويقتل محمداً ، ثم ثار أخوه إبراهيم بالبصرة وتحرك بجيوشه إلى الكوفة وكان الخليفة أبو جعفر المنصور قد اعتصم بها .
    قال الطبري : لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله ، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمه) عبد الله بن علي ، وهو محبوس عنده ، إن هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأي فأشر به علينا ، وكان ذا رأي عندهم ، فقال ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة ، فاجثُم[22] على أكبادهم فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم ، ثم احفُفْها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه ، أو أتاها من وجه من الوجوه ، فاضرب عنقه .[23]وجاء سهم طائش في المعركة وأصاب إبراهيم وهكذا قدر للعباسيين أن يستقر حكمهم .
    أقول :
    ومن ثم اتجهت الدولة لبناء (بغداد)؛ لتكون خالصة للعباسيين في الولاء ، ووضعت سياسة إعلامية خاصة لتبرير ما صنعه العباسيون مع أولاد عمهم الحسنيين قتلاً وسجناً وتشريداً وشوهت سيرة الحسن الأب الذي ينتسب إليه الحسنيون ، وشوهت الكوفة قلعة النصرة لعلي(عليه السلام) والوفاء له بشهادة معاوية العدو اللدود لعلي(عليه السلام) حين قال لبعض الوفود العراقية التي زارت الشام في سنوات الصلح : (هيهات يا أهل العراق والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إلي من حبكم له في حياته) ليصبح العراقيون من خلال الإعلام أهل غدر وشقاق وخذلان في زمن علي(عليه السلام) ثم ليكونوا قتلة الحسين(عليه السلام) أيام الحسين(عليه السلام) ، ووضعت كثير من الأخبار على لسان علي والحسن والحسين وزينب (عليه السلام) .
    خطب المنصور في الكوفة سنة 144هجرية بعد أن قبض على عبد الله بن الحسن والد محمد وإبراهيم قبيل أن ينهضا ويثورا .
    قال المسعودي : ولمـّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد(صلى الله عليه و آله ) ، ثمَّ قال :
    (يا أهل خراسان ، أنتم شيعتنا وأنصارنا ، وأهل دعوتنا ، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا . إنَّ وُلد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلاَّ هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير ، فقام فيها علي بن أبي طالب(عليه السلام) فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه ، ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي(عليه السلام) ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه ، ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي8 ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المِدرة السوء ، وأشار إلى الكوفة فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق الله بيني وبينها فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل ، ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّره (رحمه الله) غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة)[24] .
    ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أمر المنصور أن يطاف برأسه بالكوفة سنة 145 هجرية وخطب قائلاً :
    (يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه . . . سبئية[25] ، خشبية[26] ، قائل يقول : جاءت الملائكة ، وقائل يقول جاء جبريل . . . ، لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم ! أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)[27] .
    وفي سنة 148 قرر الخليفة العباسي أن يجعل مالك بن أنس مرجعاً فقيهاً للأمة في قبال الإمام الصادق الذي التف أهل العراق حوله وأخذوا بعلمه وفقهه .
    وبعث المنصور إلى مالك بن أنس قال القاضي عياض[28] قال مالك بن أنس : فقلت له أي للمنصور يا أمير المؤمنين : ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم .
    فقال : أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم .
    وفي رواية فقلت له : إن أهل العراق لا يرضون عِلمَنا ، فقال أبو جعفر يضرب عليه عامَّتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط[29] .
    -تخطيط المنصور في الكوفة كتخطيط معاوية :
    دس المنصور السم للإمام الصادق(عليه السلام) ، واضطر الإمام الكاظم أن يخفي إمامته سنين ، ولوحق أصحاب الإمام الصادق ، بل ضعَّفوا روايته وشوهت أخبار الوصية لعلي(عليه السلام) قائلين إنها من وضع يهودي من صنعاء أسلم اسمه (عبد الله بن سبأ) ، وكانت سنوات الخليفة المنصور كسنوات معاوية في تشويه التاريخ وملاحقة الشيعة .
    -الطبري مؤرخ جمع روايات كتابه في ضوء هدف العباسيين ورضا العامة الموالية لمعاوية :
    ومن المؤرخين الذي سايروا الإعلام العباسي أبو مخنف المعروف ، كتب في مقتل الحسين(عليه السلام) وهو الكتاب المشهور وقد اعتمده الإعلام العباسي والمؤرخون العامة فيما بعد وسرى الاعتماد عليه إلى كثير من الخطباء .
    قال فلهاوزن : وأَثْبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة هو أبو مخنف ، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم وما أطولها[30] .
    أقول :
    الطبري مؤرخ عباسي راعى في جمع روايات موسوعته التاريخ من مصادر كتبها مؤلفوها لتحقق أهداف الإعلام العباسي ورضا العامة التي توالي معاوية فقد ذكر الرواية العباسية الرسمية لقصة وفاة الإمام علي الرضا(عليه السلام) وهي : أنه أكثر من أكل العنب فمات فجأة[31] ولم يذكر غيرها ، وذكر في الخلاف بين معاوية وأبي ذر رواية سيف التي تدين أبا ذر لأن العامة لا تتحمل ذكر الروايات الأخرى وفيها طعن بمعاوية .
    وقد أكثَرَ الطبري في تاريخه من روايات سيف بن عمر ت 191هـ في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل ، وتبين لدى التحقيق أن أكثر أخبار سيف في هذه المواضيع إما محرفة أو موضوعة[32] . وهو الذي اختلق فكرة أن التشيع أساسه (عبد الله بن سبأ) .
    -كتاب أبي مخنف في مقتل الحسين(عليه السلام) وحركة المختار مكرس للرؤية العباسية في أهل الكوفة:
    تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الأزدي ت ما قبل 170هجرية في مقتل الحسين(عليه السلام) وحركة التوابين وحركة المختار من أقدم وأشهر المصادر في موضوعه ، وقد تبنى روايتها محمد بن سعد في الطبقات الكبرى ، والطبري في التاريخ ، وابن أعثم في الفتوح ، والبلاذري في أنساب الأشراف ، وروى المسعودي طرفاً منها في مروج الذهب ، ثم أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي ، برواية الطبري ؛ لأنه أوردها كاملة ، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ الإسلامي من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا أو سنّة .
    لم يكن أبو مخنف من القائلين بإمامه علي(عليه السلام) والنص عليه من النبي(صلى الله عليه و آله ) فهو ليس شيعياً بالمعنى الخاص للتشيع .
    قال ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها[33] .
    وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد أورد أخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها : فهذه جملة من أخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد أوردناها على سبيل الاختصار ، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة دون الخاصة ، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة[34] .
    هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم (عليه السلام) ، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر إلا رواية واحدة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في عدد الطعنات بالحسين وقد جاءت مخالفة لرواية أحد أصحاب الإمام الصادق الثقاة في العدد ! نعم روى عن بعض أصحابهم بعض الروايات .
    وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من أعلام الشيعة[35] إلا إن ذلك قابل للمناقشة ، ونحن نحتاط على الأقل بل ونرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمة (عليه السلام) أو سيرة شيعتهم في الكوفة أو علاقة الأئمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي(عليه السلام) سنة 35هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة 67هجرية ؛وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت(عليه السلام) ، أو الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم .
    من قبيل : إن الحسين(عليه السلام) ندم على أخذ نسائه وبناته معه ، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت أصواتهن يوم العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى .[36]
    أو أن يزيد قال لعلي بن الحسين(عليه السلام) لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت[37] .
    وهناك من الرواة من أسفَّ إلى أكثر من هذا كما فعل (يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي) المعاصر لأبي مخنف ، يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير قال : والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا اخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منا بالآكام والحفر ، لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر ، فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَزْرَ جَزور ، أو نومةََ قائل حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة ، وثيابهم مرملة ، وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم . . . قال : فدمعت عين يزيد وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين[38] .
    أو أن شيعة علي في الكوفة أمثال (سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة) وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل ، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره .
    أقول :
    وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخية التي ظهرت في فترة الخمسين سنة من حكم المنصور وولده وما بعدها سواء كانت رواية أبي مخنف أو رواية غيره وتجزئة الرواية إلى أجزاء واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الإعلامي للعباسيين إن لم يكن لدينا غيرها .
    إن كتاباً وباحثين معاصرين أمثال ( الشيخ محمود شاكر[39] ، والدكتور أحمد شلبي[40] ، والشيخ الخضري) ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون أن يحققوا فيها بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك أو الأنس به ، أما أن يعتمد الكاتب الشيعي الإمامي[41] على رواية أبي مخنف دون تحقيق أودون تجزئة فليس معذوراً [42] .
    لقد شحن كتاب أبي مخنف بأخبار تشوه الكوفيين وتجعلهم المسؤولين عن دعوة الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة وعن خذلانه وقتله ، وكذلك تشوه من سيرة المختار والثوار معه وتسميه التوابين ليكفروا عن خذلانهم للحسين ، في الوقت الذي كان هؤلاء في السجون ، قبل مجيء الحسين(عليه السلام) إلى العراق .
    -أهل البيت يؤكدون أن أهل الشام هم قتلة الحسين(عليه السلام):
    وتأتي روايات أهل البيت(عليه السلام) لتؤكد أن قتلة الحسين(عليه السلام) هم أهل الشام ، وأن أهل الكوفة أوفياء في نصرتهم لأهل البيت .
    في الكافي (ج 4 / 147) سئل أبو عبد الله الصادق(عليه السلام) عن صوم يوم تاسوعاء فقال : :
    (تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين(عليه السلام) وأصحابه بكربلاء ، واجتمع عليه خيلُ أهلِ الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين -عليه السلام- وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق[43] ، بأبي المستضعف الغريب) .
    وفي أمالي الطوسي (667)عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : سألته عن صوم يوم عاشوراء فقال :
    (ذاك يومُ قُتِلَ الحسين(عليه السلام) فإن كنت شامتاً فصم . ثم قال :
    (إن لآل أمية -لعنهم الله- ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذراً إن قتل الحسين -عليه السلام- وسلِم من خرج إلى الحسين ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيداً لهم يصومون فيه شكراً ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس ، واقتدى بهم الناس جميعاً لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم) .ونصوص التاريخ تؤيد ذلك :
    قال الطبري : وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي (عليه السلام) يخرج من الكوفة المستغرب في أمر علي وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشأم وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار[44] .
    أقول : روى البلاذري قال : سير زياد بأمر معاوية خمساً وعشرين ألفاً من الكوفة ومن البصرة مثلهم إلى خراسان .
    ومن ذلك يتبين أن الكوفة قد طعمها معاوية بعدد لا يستهان به من أهل الشام الموالين له ، وكان هؤلاء وأهل الجزيرة وأهل البصرة هم مادة الجيش الذي خرج إلى قتال الحسين فضلاً عن الحمراء مرتزقة الجيش الفارسي الذين اعتمدهم زياد في بناء جهاز شرطته الداخلية في الكوفة .
    وفي رواية الشيخ الصدوق قال (وحال بنو كلاب بين الحسين وبين الماء . . . وأقبل عدو الله سنان بن أنس الأيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري -لعنهما الله- في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين -عليه السلام- . . . )[45] .
    قال ابن خلدون : (وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي وكانت بلاد بني كلاب حمى ضرية[46] والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي وحمى ضرية ، ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيراً من مدن الشام)[47] .
    -طرف من كلمات أهل البيت(عليه السلام) في الكوفيين :
    كان علي(عليه السلام) يخاطب الكوفيين : أنتم الأنصار على الحق ، والإخوان في الدين .
    وكان يقول : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز[48] .
    وقال أيضاً وهو بالكوفة : ما أشد بلايا الكوفة لا تسبوا أهل الكوفة فوالله إن فيهم لمصابيح الهدى وأوتاد ذكر . . . والله ليدقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبداً ، إن مكة حرم إبراهيم والمدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والكوفة حرمي ما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة أو هواه لينزع إليها[49] .
    وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمَّاماً بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا من القوم ؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال وأي العراق ؟ قلنا كوفيون ، فقال مرحباً بكم يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين[50] .
    وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال : إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة[51] .
    وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله(عليه السلام) فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه ،
    فسألنا : من أنتم ؟
    فقلنا : من أهل الكوفة .
    فقال : أما إنه ليس بلد من البلدان أكثر محباً لنا من أهل الكوفة .
    إن الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدقتمونا وكذبنا الناس ، واتبعتمونا وخالفنا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا .
    وقال أيضاً وقد جاءه رجل قال بعت ضياعي وضربت على كل شيء لي ذهباً وفضة وقلت انزل مكة فقال لا تفعل فإن أهل مكة يكفرون بالله جهرة ، فقلت ففي حرم رسول الله فقال هم شر منهم قلت فأين أنزل قال عليك بالعراق الكوفة فإن البركة منها على اثني عشر ميلاً هكذا هكذا وإلى جانبها قبر ما أتاه مكروب قط ولا ملهوف قط إلا فرج الله عنه[52] .
    السيد سامي البدري / النجف الأشرف / محرم الحرام سنة 1432هـ .
    _____________________________
    [1] ‏ أنساب الأشراف 3/269 ،
    [2] شرح ابن أبي الحديد ج3 ص15ـ16 .
    [3] الوجيف : سرعة السير . كتاب العين .
    [4] قال ابن أبي الحديد : الجَنَن : جمع جُنَّة ، وهى ما يستر به . وبطانة الرجل : خواصه وخالصته الذين لا يطوي عنهم سره .
    [5] معجم البلدان 4/492 .
    [6] الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق أيضاً .
    [7] البحار 60/209 .
    [8] البحار ج25 ص 215
    [9] قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج2/20 إنهم كانوا ثمانية آلاف .
    [10] الظليم: ذَكَر النعامة .
    [11] ‏ أنساب الأشراف 7/345 ، شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد ج 1 ص 344 ، والخطبة في البيان والتبيين 2 : 138 ، العقد 4 : 115 ، نهاية الأرب 7 : 245 .
    [12] ‏ تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 217 .
    [13] التجمير : ترك الجند في مواجهة العدو وحبسهم عن العود إلى أهلهم .
    [14] ‏ أنساب الأشراف 7/358 .
    [15] : جوامع مفرده جامعة
    [16] الوجيف : سرعة السير . كتاب العين .
    [17] تاريخ دمشق 38/344 .
    [18] ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في ج3/453-458 .
    [19] أنساب الأشراف ج3 /448-450 .
    [20] العاتق : الجارية أول ما أدركت .
    [21] أنساب الأشراف .
    [22] ‏ جثُم يجثُم : لصق ولزم .
    [23] ‏ تاريخ الطبري ج 6/194 .
    [24] ‏ المسعودي : مروج الذهب ج3/301 ، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك روى البلاذري في أنساب الأشراف 3/150 ، قال قال المدائني : (كتب أبو مسلم إلى أبي العباس : إن أهل الكوفة قد شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم ، وخالفوهم في الفعل ، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه أمير المؤمنين ، يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إياهم وإطماعهم فيما ليس لهم ، فالحظهم ياأمير المؤمنين بلحظة بوار ، ولا تؤهلهم لجوارك ، فليست دارهم لك بدار . وأشار عليه أيضاً عبد الله بن علي بنحو من ذلك فابتنى مدينته بالأنبار وتحول إليها وبها توفي) .
    [25] ‏ أي أتباع (عبد الله بن سبأ) الذي ادعي له أنه مبتدع الوصية لعلي(عليه السلام) المشابهة لوصية موسى ليوشع(عليه السلام) الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه .
    [26] ‏ في ( النهاية) لابن الاثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويقال لضرب من الشيعة : الخشبية . وفي ( المشتبه) للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف .
    [27] ‏ أنساب الأشراف 3/269 ،
    [28] ‏ انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى مصادر السيرة والتاريخ ص 470
    [29] ‏ وكان المنصور قبل ذلك قد قال لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك الصعاب . الكامل في الضعفاء لابن عدي 2/132
    [30] ‏ الخوارج والشيعة يوليوس فلهوزن ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي /113ط 3 ، الكويت 1978 .
    [31] ‏ تاريخ الطبري 7/15 . علق أستاذنا العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري حين قرأ هذه المعلومة من كتابنا الإمام الحسين في مواجهة الضلال الأموي عند زيارته إلى العراق سنة 2003 وكان نازلاً عندنا مدة تلك الزيارة : لا يوجد مؤرخ من المتقدمين والمـتأخرين أكثر جناية على الحق والحقيقة عالماً عامداً مثل الطبري فقد قال في ذكر ما جرى بين الصحابي البر أبي ذر والخليفة الداهية معاوية ( … ذكروا أموراً كثيرة كرهت ذكر أكثرها أما العاذرون معاوية فقد ذكروا قصة رواها … ) وقال في ذكر ما جرى بين معاوية ومحمد بن أبي بكر … (لا تتحمل سماعها العامة) أقول : فصلنا الحديث عن منهج الطبري في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ .
    [32] ‏ انظر كتب العلامة العسكري : خمسون ومائة صحابي مختلق ثلاثة مجلدات ، و(عبد الله بن سبأ) مجدان فإنها مكرسة لدراسة أخبار سيف بن عمر وكشف الوضع والتحريف فيها .
    [33] ‏ شرح نهج البلاغة 1/147 .
    [34] ‏ الجمل ص 225 .
    [35] ‏ انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال .
    [36] ‏ قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال : لما سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعلياً ابنه ، وقال لهما : أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ، قال : فلما ذهبا ليسكتاهن ، قال : لا يبعد ابن عباس ، قال : فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن . الطبري 4/321 وقال أبو مخنف وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان : أن حسيناً لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه الطبري 4/287 .
    [37] ‏ تاريخ الطبري – الطبري ج 4 ص 353 .
    [38] ‏ تاريخ الطبري – الطبري ج 4 ص 351 .
    [39] ‏ كاتب مصري ألف موسوعة في التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات .
    [40] ‏ كاتب مصري ألف موسوعة التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات وطبعت طبعات عديدة آخر ما رأيته هو الطبعة السابعة سنة 1984م وعنها ننقل في كتابنا هذا .
    [41] ‏ قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيد( رحمه الله) على رواية أبي مخنف في كتابه الإرشاد ، أو في كتابه الجمل ، ولكنه اعتراض غير وارد؛ لأن الشيخ المفيد في الجمل يصرح أنه إنما أورد أخبار الجمل من مصادر غير إمامية لأجل الاحتجاج .
    [42] ‏ أشرنا إلى طرف من هذا الموضوع في كتابنا (المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية ) /469- 480 ، نرجو أن نوفق إلى تفصيلها في دراسة مستقلة .

    [43] لأنهم ما بين سجين ومختف ، فضلاً عن قطع الطرق ووضع المراصد فيها .
    [44] تاريخ الطبري – الطبري – ج 2 – ص 500 – 501
    [45] الأمالي للشيخ الصدوق /266 .
    [46] ضريّة بئر بالحجاز ينسب إليها حمى ضريّة في طريق مكة من البصرة و نجد .
    [47] تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون – ج 2 ق1 – ص 311 – 312
    [48] معجم البلدان 4/492 .
    [49] تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر – ج 1 – ص 297
    [50] الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق أيضاً .
    [51] البحار 60/209 .
    [52] البحار 60/209 .






  • #2
    اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
    الاخت الفاضلة حياك الله تعالى وبارك الله بكِ على هذا الموضوع القيم .

    ـــــ التوقيع ـــــ
    أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم أبنية الشرك والنفاق، أين مبيد أهل الفسوق
    و العصيان والطغيان،..
    أين مبيد العتاة والمردة، أين مستأصل أهل العناد
    والتضليل والالحاد، أين معز الاولياء ومذل الاعداء.

    تعليق


    • #3
      الله يبارك بكم وبالايادي التي كتبته



      تعليق


      • #4
        بارك الله بكِ على هذا الموضوع القيم

        تعليق


        • #5
          احسنت .. بارك الله فيك

          تعليق


          • #6
            الله يوفقكم جميعا لما يحب ويرضى



            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X