بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ضور النبي(صلى الله عليه و آله)والأئمة عند المحتضرين بأدلة القرآن المجيد
ومما تجدر الإشارة إليه هو انّ حضور النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته عند المحتضرين – ولا سيّما المؤمن – مشار إليه في القرآن المجيد الذي فيه تبيان كل شيء – بآياتٍ عديدة منه، كما في كثيرٍ من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ومنها ما مرّ ذكره علينا عن الإمام الصادق(عليه السلام) ي قوله تعالى


ومن الآيات التي تشير إلى ذلك قوله تعالى

وبيان ذلك نقول:
صرّحت هاتان الآيتان بأن(الَّذِينَ آمَنُوا)، أي صدّقوا بالله واعترفوا بوحدانيته، وبوعده ووعيده على لسان رسوله،(وَكَانُوا يَتَّقُونَ) أي يحذرون معاصيه،(لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ) ومما لا ريب فيه ان الله بشّر عامّة المؤمنين المتقين في هذهِ الدنيا في القرآن على إيمانهم وتقواهم مثل قوله تعالى مخاطباً رسوله


وهذا لا ريب فيه، ولكنّ المؤمن المتقي هل يحصل عنده الجزم واليقين بصورة قطعية بأنه سيموت مؤمناً متقياً؟ وسيحظى بتلك البشائر التي بُشّر بها في الدنيا؟ لا، ولكن يرجو تحصيل تلك البشائر، فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه و آله) انه قال: لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة ولا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزوع روحه وظهور ملك الموت له(13).
نعم لا يحصل اليقين بعد الرجاء للمؤمن إلاّ في وقتٍ واحد وهو حضور أجله، إذا حضره نبيه وأهل بيته مع جبرئيل وملك الموت، فعند ذلك يبشرونه جميعاً – بصورة جزمية – بما سيقدم عليه من النعيم الخالد.
وهذا ما ذكرته الأخبار بصراحة، وأشار إليه القرآن المجيد بقوله تعالى


دخلت أنا والمعلى بن خُنيس على أبي عبد الله(عليه السلام) فقال: يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تُقر به عينه إلاّ ان تبلغ نفسه إلى هذهِ وأومأ بيده إلى رقبته ووريده ثم اتكأ "أي الإمام" وغمزني المُعلى انْ سَلْهُ، فقلت: يا بن رسول الله إذا بلغت نفسه الى هذهِ فأيُّ شيءٍ يرى؟ فقال(عليه السلام): يرى، فقلت بضع عشر مرة: أي شيءٍ يرى؟ فقال في آخرها: يا عقبة، فقلت: لبيّك وسعديك، فقال: أبيت إلاّ أن تعلم؟ فقلت نعم يا بن رسول الله إنما ديني مع دمي "أي ديني مقرون بحياتي، ومع عدم الدين فكأني لست بحي" فقال الإمام عند ذلك: يراهما والله، فقلت: بأبي وأمي مَن هما؟ فقال: (هما) رسول الله(صلى الله عليه و آله) وعلي(عليه السلام): يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبداً حتى تراهما، فقلت: إذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟ قال: لا بل يمضي أمامه، فقلت له: يقولان له شيئاً جُعلت فداك؟ فقال: نعم، يدخلان جميعاً على المؤمن فيجلس رسول الله عند راسه، وعلي عند رجليه، فيكبو عليه رسول الله(صلى الله عليه و آله) فيقول: يا ولي الله ابشر أنا رسول الله، إني خير لك ممّا تترك من الدنيا ثم يكبو عليه علي فيقول: يا ولي الله ابْشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني أما لا نفعك ثم قال الإمام الصادق(عليه السلام): أما ان هذا في كتاب الله، قلت: جعلت فداك أين هذا من كتاب الله؟ قال: في سورة يونس(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(14).
ومثل هذا الحديث وارد أيضاً عن عبد الرحيم القصير وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)(15).
وكما يُبشر المؤمن المتقي عند موته بما تُقر به عينه كذلك يُبشر الفاجر الشقي بما أُعِدَّ له من الخزي والعذاب كما ورد عن أبى جعفر الباقر(عليه السلام) انه قال: كل نفسٍ ذائقة الموت ومبشورة كذا اُنزل بها على محمّد(صلى الله عليه و آله) انه ليس أحد من هذهِ الأمة إلاّ ويبشرون، فأمّا المؤمنون فيبشرون إلى قرة عين، وأمّا الفجّار فيبشرون إلى خزي الله إياهم(16).
وقد يظهر لكلٍ من الطرفين ما يبشران به عند حضور المنية، وحضور النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل البيت عندهما، بحيث روى الفضيل بن يسار عن الإمامين أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق(عليه السلام) إنهما قالا: حرام على روحٍ أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة، محمداً وعلياً وفاطمة وحسناً وحسيناً بحيث تقر عينها، أو تسخن عينها(17).
الاستدلال العلمي على حضور النبي(صلى الله عليه و آله)وأهل بيته عند كل محتضر
ولو قال قائل: كيف يحضر رسول الله(صلى الله عليه و آله) وعلي وأهل البيت عند كل ذي روحٍ محتضر، مؤمن وكافر محب ومبغض؟ وكيف نؤمن به وذلك يخالف الحس والوجدان من جهة، والعقل من جهة اُخرى؟، أمّا مخالفة الحس والوجدان فلاِنّا نحضر الموتى عند حضور آجالهم إلى قبض أرواحهم ولا نرى عندهم أحداً، وأمّا مخالفة العقل فلأنه يمكن قبض أرواح الآلاف من الناس في آنٍ واحد في أمكنةٍ متعددة من شرق الأرض وغربها فكيف يحضرون عند كل مَن يموت في الشرق والغرب؟
فالجواب عن الأول وهو مخالفة الحس، فنقول:- ان الله قادر على أن يحجبهم عن أبصارنا دون أبصار المحتضرين لضربٍ من المصلحة – وهو على كل شيءٍ قدير – والدليل على ذلك ما ورد في أخبار أهل السُنّة والشيعة في تفسير قوله تعالى

فقد ورد ان الله تعالى طالما أخفى شخص النبي(صلى الله عليه و آله) عن أعين أعدائه مع أن أولياءه كانوا يرونه وينظرون إليه.
قال الطبرسي في (مجمع البيان)

وقال السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) ما نصه: أخرج أبن أبي حاتم عن زهير بن محمد

وجاءَت في هذا المعنى أخبار كثيرة(20).
وهذا المعنى الذي ذكره المفسرون مفهوم واضح من نفس الآية الكريمة فتدبرها


وشاهدنا من كل ذلك انّ الله قادرٌ على أن يحجب أبصار الحاضرين دون أبصار المحتضرين عن رؤية النبي وأهل بيته في حالة الاحتضار كما حجب أبصار المشركين عن رؤية النبي(صلى الله عليه و آله) دون المؤمنين هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى هي ان الله جلّ وعلا يزيد أبصار المحتضرين قوة عند حضور آجالهم، ويكشف لهم الحجب ويزيل عنهم الأغطية، وبذلك يختصون – دون غيرهم – برؤية النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) ورؤية أعمالهم مع جزائها من النعيم أو الجحيم، وقد أشار القرآن المجيد إلى هذا المعنى بقوله تعالى

أي حادٌ قويّ ولذلك لا تُقبل ولا تصح التوبة منه عند حضور أجله وكشف الحقائق له، كما قال تعالى

وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني وهو: كيف يحضرون عند كل مَن يموت في الشرق والغرب؟ وقد يموت الألوف أو الملايين من الناس في آنٍ واحدٍ في أمكنة متعددة في شرق الأرض وغربها؟
فنقول: ان الإشكال يكون صحيحاً فيما إذا كان حضورهم(عليهم السلام) حضوراً بأجسادهم المادية المكوّنة من لحمٍ وعظمٍ، والحال ان حضورهم روحياً إمّا في قالب أو قوالب مثالية لأِجسادهم الطاهرة لا بأجسادهم نفسها فحينئذٍ ينحل الإشكال، لأن الأرواح لها قابلية التنقل في الشرق والغرب في الدنيا والآخرة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى يمكن أن يكون المراد – والله أعلم – ان صورهم المثالية لهياكلهم المقدسة تتجلى – طبق الأصل تماماً – لكل محتضرٍ مؤمنٍ وكافر، محب ومبغض كما تتجلّى صورة الشيء في المرآة ولكن مع أرواحهم الشريفة، وما أكثر الدلائل الفعلية والوجدانية التي يستدل بها على ذلك ووقوعها بالفعل ومنها ما اخترعه المخترعون من أهل الشرق والغرب من الأقمار الاصطناعية وآلاتها المنوعة، وآلات التلفاز والفيديو وغيرها التي – بواسطة الكهرباء، وما أودع الله في هذا الفضاء من قابلية – تصوّر لمتقنيها والحاضرين عندها صورة الأشياء وصورة المذيع أو المذيعة وتسمعهم صوته، وتريهم حركاته وسكناته طبق الأصل في سائر أنحاء العالم، بل بواسطة الأقمار الاصطناعية وآلاتها يصورون لأهل الأرض ما في السماء وما في السماء لأهل الأرض.
هذا ما اخترعه المخترعون من غربيين وشرقيين وأين مزاياهم من مزايا المبدع المكون، وفي الحقيقة لم يتوصل المخترعون لهذهِ المخترعات وأمثالها التي كانت غاية في الإبداع والدقة – إلاّ من فيض واجب الوجود الذي صرّح في كتابه الكريم


ومن النصوص التي تصرح بأن المحتضر يُمثل له النبي(صلى الله عليه و آله) وسائر أصحابه إلى الله أخياراً كانوا أو أشراراً ما رواه الكليني في (أصول الكافي) بسنده عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) انه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): انظروا مَن تحادثون فإنه ليس من أحد ينزل به الموت إلاّ مُثّل له أصحابه إلى الله، وفي نص: مثّلت له أصحابه في الله ان كانوا أخياراً فخيارا، وان كانوا أشراراً فشراراً، وليس أحد يموت إلاّ تمثلّتُ له عند موته(23).
ومن جهة ثالثة يمكن أن يكشف الله الحجب ويزيل الأغطية عن أبصار المحتضرين ويريهم النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته بأجسادهم الطاهرة الأصلية، وأرواحهم المقدسة، ويسمعهم أيضاً كلامهم ويريهم سائر حركاتهم وسكناتهم(عليهم السلام) في جناتهم ومقامهم السامي عند ربهم.
ونستدل على هذا المعنى من عظيم قدرة الله عَزّ وجَلّ الباهرة بما قصّه الله لنا في القرآن المجـيد من إنه تبارك وتعالى يُـطلع أهل الجنة – وهم في الجنة – على أهل النار، كما يطلع أهل النار – وهم في النار – على أهل الجنة، ويخاطب بعضهم بعضاً، ويسمع بعضهم خطاب بعض، بالرغم ممّا بينهم من بعد المسافات وكثرة الحجب التي لا يعلمها إلاّ الله.
وهذا المعنى قد استعرضه الله سبحانه بآيات عديدة من القرآن المجيد منها قوله تعالى في سورة الأعراف


ومن الآيات التي تصرح بتساؤل أهل النار قوله تعالى في سورة المدثر


ومنها في سورة المطففين حيث يصف أهل الجنة وانهم في جناتهم يُشرفون على أهل النار ينظرون إليهم ويضحكون عليهم بقوله تعالى

أي هل جوزيّ الكفار ما كانوا يفعلون؟ فيأتيهم الجواب منهم: نعم هذا عذابنا هو جزاء فعلنا.
----------------------
13- (البحار) ج6 ص179 نقلاً عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري.
14- راجع تفسير العياشي ج2 ص125 رقم 33، و(المحاسن) للبرقي ص133، ونقله المجلسي في (البحار) ج6 ص185 عن المصدرين، و(تفسير البرهان)، و(الصافي).
15- تفسير العياشي ج2 ص124-وص126.
16- (البحار) ج6 ص188، نقلا عن العياشي.
17- (كشف الغمة) لعلي بن عيسى الأربلي ج2 ص40، و(البحار) ج6 ص191 برقم37.
18- (مجمع البيان) ج3 ص418، صيدا، العرفان.
19- (الدر المنثور) ج4 ص178، أوفسيت على ط مصر.
20- راجع (الدر المنثور) ج4 ص186-187، و(تفسير القرآن العظيم) لابن كثير الدمشقي ج3 ص43 و(مفاتيح الغيب) للرازي ج5 ص401 وغيرها.
21- (أمالي الشيخ الطوسي) ج2 ص81، و(أعيان الشيعة) ج2 ص132.
22- (فروع الكافي) ج3 ص127 ط طهران، و(تحف العقول) ج1 ص35، و(فضائل الشيعة) للصدوق كما في (علي والشيعة) ص152 ط الآداب النجف، والمجلسي في (البحار) ج6 ص196 نقلاً عن (الكافي) و(تحف العقول).
23- (الشافي في شرح أصول الكافي) ج7 ص233.