بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
.
روى أصحاب الحديث ومن مختلف الطرق إسرار رسول الله صلى الله عليه وآله بضعته الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها حين دنت وفاته وقوله لها: «ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منك»(1).
وليس سبب هذه الرزية كما يشهد بذلك الجوانب والوقائع التاريخية كافة إلا قولها كلمة الحق في باكورة التتويج الذي أفرزته شوراهم، وقبل ذلك قد علم مناوئوها باستعدادها وإصرارها على قول كلمة الحق وعدم اكتراثها بمن يتنازل أو ينهزم؛ خوفاً أو طمعاً بمن صيّر نفسه إماماً للمسلمين وهو الذي صرّح بنفسه في أكثر من مناسبة «وُلّيتكم ولست بخيركم»(2)، ناهيك عن صنوه وقرينه الذي كشف عوراته للناس عندما أعلن سرّاً وجهراً بأن جميع الناس بمن فيهم النساء أفقه منه(3)، وهو الذي أصدر حكم الإعدام الجماعي ضدّ من كان طوله يقلّ عن خمسة أشار من أشباره اللعينة في إحدى الفتوحات، حيث استعلمه قائده عمّن يقتل ومن يذر... (4).
ترى، لماذا رزئت الصديقة الزهراء سلام الله عليها وهي الأعلم والأفقه والأتقى والأزهد، بل كيف ولماذا تكون رزيّتها الأعظم من بين سائر النساء المسلمات؟
يتّضح الجواب عن هذا السؤال في كونها سلام الله عليها تحمّلت مسؤولية الحفاظ على الإسلام مع زوجها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، عملاً بوصية أبيها نبيّ الإسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وذلك عبر كلمة الحقّ التي قرعت بها سمع حشود المسلمين، حيث فرّ الأكثرون وولّوا الدبر، حتى أنها اضطرت سلام الله عليها إلى مكاشفة عدوّها بالحرف الواحد حين قالت له: «والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة»(5).
ما أشد بيان عظم رزيتها سلام الله عليه وهي تتخطى الرقاب لتدلي بخطبتها سلام الله عليها ! وما أروعها من كلمة حقّ عند إمام جائر، تصدر ممن يغضب الله لغضبها ويرضى الله لرضاها(6)، لترسم لنا خطّ الإسلام الأبيّ، وتقول للتاريخ والأجيال: هذا هو الإسلام الأصيل الذي بُعث به أبي صلى الله عليه وآله.
ولذلك؛ فإن التوفيق لقول الحق وإن عزّ وندر، يعدّ من علامات اتقوى وزينتها والصلاح وحليته، كما قال الإمام السجاد سلام الله عليه، ويتحقّق ذلك بالطبع ضمن شروط وحالات حدّدتها كتب الفقه في مظانّها.
ثم ليعلم المعرضون عن إظهار قول الحقّ بوجه الجبابرة والطغاة، بأنهم ليسوا من الصالحين ولا المتّقين، وإن كانوا يصلّون ويصومون، لأنهم بإعراضهم هذا إنما يداهنون الظالمين الجائرين الذين لا يهمّهم صلاة من صلى أو صوم من صام، بقدر اهتمامهم بتلقّي فروض الطاعة وإبداء الصمت والتسليم من قبل رعاياهم.
الا أنّ مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها آلت على نفسها إلا قول الحقّ بوجه إمام الجور بل أئمة الجور، وإن كان يستجلب لها الإمعان في ظلاماتها من قِبلهم وسلبها راحة العيش. والأمر هكذا قد تم فعلاً بعدما أنهت الإعلان في خطبتها حتى وصل الحال بهم أن سلبوها حق توديعها وتشييعها من قبل المسلمين.
وهذا حريّ بأن يدفعنا إلى الاقتناع بأننا إن أردنا التخلّق بالأخلاق الحميدة ونبذ ذمائم الأخلاق، فعلينا أن نتمسّك بقول الحق الذي هو أساس التقوى والصلاح، حينما يقلّ ناصروه ويكثر مناوئوه ويعزّ قائله ويكثر الصامت عنه.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للاقتداء بالصديقة الزهراء وسائر الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام في التحلّي بحلية المتقين ومنه قول الحقّ وإن عزّ.
وصلى الله على سيّنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين.
-----------------------------
(1) الآحاد والمثاني للضحّاك: 369 ح2970.
(2) انظر كنز العمال للهندي: 5/ 636 رقم 14118 والقرطبي في تفسيره: 3/ 262 من تفسير الآية 253 من سورة البقرة.
كما يذكر الرواة أنه قال: «والله لوددت أني كنت شجرة في جانب الطريق مرّ علي جمل فاخذني فادخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً». منهم المتقي الهندي في كنز العمال: 12/ 528 رقم 35699 والمصنف لابن أبي شيبة: 8/ 144 رقم 7 كلام أبي بكر الصديق. وغيرهم، وهو مشهور.
(3) روي أنه لما أراد أن يمنع المغالاة في مهور النساء تصدّت له واحدة من نساء المسلمين فقالت له: يابن الخطّاب! الله يعطينا وأنت تمنع ـ وتلت هذه الآية: )وآتيتم إحداهن قنطاراً( ـ فقال: كلّ الناس أفقه من عمر. (راجع الرازي في تفسيره الكبير: 9/ 13 مورد الآية 20 من سورة النساء).
(4)
(5) بيت الأحزان للقمي: 84 في امتناع علي سلام الله عليه بيعة أبي بكر، والامامة والسياسة للدينوري: 1/ 31 في اباية علي سلام الله عليه بيعة ابي بكر.
(6) روى الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/ 203، والدولابي في الذرية الطاهرة: 119، والطهراني في معجمه الكبير: 1/ 108 ح182، وابن الأثير في أسد الغابة: 5/ 522. وغيرهم فضلاً عن الخاصة في ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله لبضعته الزهراء سلام الله عليها:«إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
.
روى أصحاب الحديث ومن مختلف الطرق إسرار رسول الله صلى الله عليه وآله بضعته الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها حين دنت وفاته وقوله لها: «ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منك»(1).
وليس سبب هذه الرزية كما يشهد بذلك الجوانب والوقائع التاريخية كافة إلا قولها كلمة الحق في باكورة التتويج الذي أفرزته شوراهم، وقبل ذلك قد علم مناوئوها باستعدادها وإصرارها على قول كلمة الحق وعدم اكتراثها بمن يتنازل أو ينهزم؛ خوفاً أو طمعاً بمن صيّر نفسه إماماً للمسلمين وهو الذي صرّح بنفسه في أكثر من مناسبة «وُلّيتكم ولست بخيركم»(2)، ناهيك عن صنوه وقرينه الذي كشف عوراته للناس عندما أعلن سرّاً وجهراً بأن جميع الناس بمن فيهم النساء أفقه منه(3)، وهو الذي أصدر حكم الإعدام الجماعي ضدّ من كان طوله يقلّ عن خمسة أشار من أشباره اللعينة في إحدى الفتوحات، حيث استعلمه قائده عمّن يقتل ومن يذر... (4).
ترى، لماذا رزئت الصديقة الزهراء سلام الله عليها وهي الأعلم والأفقه والأتقى والأزهد، بل كيف ولماذا تكون رزيّتها الأعظم من بين سائر النساء المسلمات؟
يتّضح الجواب عن هذا السؤال في كونها سلام الله عليها تحمّلت مسؤولية الحفاظ على الإسلام مع زوجها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، عملاً بوصية أبيها نبيّ الإسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وذلك عبر كلمة الحقّ التي قرعت بها سمع حشود المسلمين، حيث فرّ الأكثرون وولّوا الدبر، حتى أنها اضطرت سلام الله عليها إلى مكاشفة عدوّها بالحرف الواحد حين قالت له: «والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة»(5).
ما أشد بيان عظم رزيتها سلام الله عليه وهي تتخطى الرقاب لتدلي بخطبتها سلام الله عليها ! وما أروعها من كلمة حقّ عند إمام جائر، تصدر ممن يغضب الله لغضبها ويرضى الله لرضاها(6)، لترسم لنا خطّ الإسلام الأبيّ، وتقول للتاريخ والأجيال: هذا هو الإسلام الأصيل الذي بُعث به أبي صلى الله عليه وآله.
ولذلك؛ فإن التوفيق لقول الحق وإن عزّ وندر، يعدّ من علامات اتقوى وزينتها والصلاح وحليته، كما قال الإمام السجاد سلام الله عليه، ويتحقّق ذلك بالطبع ضمن شروط وحالات حدّدتها كتب الفقه في مظانّها.
ثم ليعلم المعرضون عن إظهار قول الحقّ بوجه الجبابرة والطغاة، بأنهم ليسوا من الصالحين ولا المتّقين، وإن كانوا يصلّون ويصومون، لأنهم بإعراضهم هذا إنما يداهنون الظالمين الجائرين الذين لا يهمّهم صلاة من صلى أو صوم من صام، بقدر اهتمامهم بتلقّي فروض الطاعة وإبداء الصمت والتسليم من قبل رعاياهم.
الا أنّ مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها آلت على نفسها إلا قول الحقّ بوجه إمام الجور بل أئمة الجور، وإن كان يستجلب لها الإمعان في ظلاماتها من قِبلهم وسلبها راحة العيش. والأمر هكذا قد تم فعلاً بعدما أنهت الإعلان في خطبتها حتى وصل الحال بهم أن سلبوها حق توديعها وتشييعها من قبل المسلمين.
وهذا حريّ بأن يدفعنا إلى الاقتناع بأننا إن أردنا التخلّق بالأخلاق الحميدة ونبذ ذمائم الأخلاق، فعلينا أن نتمسّك بقول الحق الذي هو أساس التقوى والصلاح، حينما يقلّ ناصروه ويكثر مناوئوه ويعزّ قائله ويكثر الصامت عنه.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للاقتداء بالصديقة الزهراء وسائر الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام في التحلّي بحلية المتقين ومنه قول الحقّ وإن عزّ.
وصلى الله على سيّنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين.
-----------------------------
(1) الآحاد والمثاني للضحّاك: 369 ح2970.
(2) انظر كنز العمال للهندي: 5/ 636 رقم 14118 والقرطبي في تفسيره: 3/ 262 من تفسير الآية 253 من سورة البقرة.
كما يذكر الرواة أنه قال: «والله لوددت أني كنت شجرة في جانب الطريق مرّ علي جمل فاخذني فادخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً». منهم المتقي الهندي في كنز العمال: 12/ 528 رقم 35699 والمصنف لابن أبي شيبة: 8/ 144 رقم 7 كلام أبي بكر الصديق. وغيرهم، وهو مشهور.
(3) روي أنه لما أراد أن يمنع المغالاة في مهور النساء تصدّت له واحدة من نساء المسلمين فقالت له: يابن الخطّاب! الله يعطينا وأنت تمنع ـ وتلت هذه الآية: )وآتيتم إحداهن قنطاراً( ـ فقال: كلّ الناس أفقه من عمر. (راجع الرازي في تفسيره الكبير: 9/ 13 مورد الآية 20 من سورة النساء).
(4)
(5) بيت الأحزان للقمي: 84 في امتناع علي سلام الله عليه بيعة أبي بكر، والامامة والسياسة للدينوري: 1/ 31 في اباية علي سلام الله عليه بيعة ابي بكر.
(6) روى الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/ 203، والدولابي في الذرية الطاهرة: 119، والطهراني في معجمه الكبير: 1/ 108 ح182، وابن الأثير في أسد الغابة: 5/ 522. وغيرهم فضلاً عن الخاصة في ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله لبضعته الزهراء سلام الله عليها:«إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».