إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دور الأسرة في التربية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دور الأسرة في التربية



    دور الأسرة في التربية
    قال الله تعالى : (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً)(1) .
    تكون الميول المودعة في باطن الإنسان رصيد سعادته وأساس تقدمه ... فإن كل تلك الميول والمتطلبات قد أوجدت حسب نظام دقيق ، وبمقادير صحيحة : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)(2).
    والسعيد هو الذي يتبع قوانين الخلقة المتقنة ، ويستجيب لجميع ميوله الروحية والجسدية باتزان وتعقُّل . فمَن يفرط في الاستجابة لنداء أحد ميوله أكثر من الحد اللازم ، أو على العكس من ذلك يكبت في نفسه بعض ميوله الطبيعية ولا يفسح المجال لإروائها يكون خارجاً على المنهج الفطري ومصاباً بالانحراف والشقاء بنفس النسبة.
    ميول الروح والجسد :
    إن الميول والرغبات الموجودة عند الإنسان تارة تكون : واضحة وظاهرة ويسعى جميع الناس في سبيل إرضائها ، مثلاً ليست حاجة الإنسان إلى الطعام والهواء والماء والنوم ، والميل الطبيعي للعب عند الأطفال والغريزة الجنسية عند الشبان والشابات أمراً خافياً على أحد . هذا النوع من الميول يدركها جميع الناس . وبديهي أن مدى الاستجابة لهذه الميول يرتبط بالإرشادات الدينية والعلمية ، ولكن توجد في الإنسان ميول أخرى تكون مستترة وغير ظاهرة . وحيث إنها كذلك فقلّما يلتفت إليها . إن جميع الناس يعلمون أن الطفل يحتاج إلى الماء والغذاء ، ولكن القليل منهم يدرك ضرورة
    ـــــــــــ
    (1) سورة نوح |13 ـ 14.
    (2) سورة الرعد |8.
    تنمية شخصية الطفل . إن الوالدين يدركان حاجة الطفل إلى اللعب والنوم ، ولكن قلما يدرك الوالدان حاجة الطفل إلى العطف والحنان إلى درجة ما أيضاً . إن أولياء الأطفال يتنبهون إلى سلامة القلب والكبد والكلية وسائر أعضاء جسد الطفل تنبهاً كاملاً ، ولكنهم لا يهتمون إلى السلامة الروحية والأخلاقية للأطفال بنفس الدرجة.
    إن العناية بالميول الباطنية والرغبات النفسية للطفل وتوجيهها الوجهة الصحيحة تعد من المسائل الأساسية في التربية . وإن رصيد القائمين على تربية الأطفال في هذا السبيل هو التعاليم الدينية والأساليب العلمية الصحيحة . وإن اندحار وكبت أي واحد من هذه الميول الفطرية يؤدي إلى إيجاد عقدة في روح الطفل ، يظهر رد فعلها طيلة العمر في جميع مجالات الحياة ، ويسبب مئات الانحرافات والمآسي.
    * * *
    ونظراً لأهمية الميول الباطنية للطفل في موضوع التربية فسنحاول أن نفصل القول فيها في المحاضرات القادمة مع تضمين ذلك بذكر التعاليم الإسلامية العظيمة في هذا الصدد ، وبيان دور الوالدين في القيام بهذه المهمة.
    أما بحثنا في هذه المحاضرة ، فينحصر في بيان أن الإرضاء الكامل للميول الباطنية عند الطفل ، والاهتمام بجميع جوانب شخصيته لا يحصل إلاَّ في محيط الأسرة ، فإن حجر الأم وحضن الأب فقط قادران على أداء هذا الدور الفعال في حياة الطفل.
    إرضاء جميع الميول :
    إن دار الحضانة عاجزة عن أن تحل محل الأسرة ، وإن مرشدة الأطفال لا تستطيع أن تقوم مقام الأم في إرضاء عواطف الطفل ومشاعره . إن حنان الأم قوي في الإنسان والحيوان إلى درجة أنه لا يوجد بعد غريزة حب الذات عاطفة أخرى تعادل عاطفة الأمومة . إن قلب الأم يطفح بحب الطفل ، ولذلك فهي لا تتواني عن القيام بأكبر التضحية في سبيل رشده ونموه . وحين
    تبتسم الأم بوجه طفلها وحين تضمه إلى صدرها ، وحين تشمه وتقبله من فرط الحنان والعطف . تسري موجة من النشاط واللذة في أعماق روح الطفل وتبدو على ملامحه وعينيه آثار الفرح والرضا . وقد يبكي الطفل أحياناً من دون أن يشكو ألماً أو جوعاً لكن بكاؤه لكي يناغي ، إنه جائع إلى الحنان والعطف ، يبكي لغذائه النفسي ، فبمجرد أن الأم تحتضنه وتضمه إلى صدرها ، أو تمرر يدها على رأسه فهو يهدأ ، إن ملاطفة الطفل ومناغاته غذاء نفسي للطفل ، ويجب أن يتغذى من هذا الغذاء النفسي بالمقدار اللازم .
    دقات قلب الأم :
    من القضايا المشاهدة لدى الجميع ارتياح الطفل وهدوءه عندما تضمه الأم إلى صدرها ، لقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة : أن دقات قلب الأم أوقع في نفس الطفل وآنس له من أي لحن آخر ، ولذلك فإن دور الحضانة تسجل صوت هذه الدقات على شريط ، وعندما يبكي الطفل يفتح الشريط بالقرب من أذنه ويهدأ بهذه الصورة .
    فالفتاة التي قد تلقت قدراً كافياً من الحنان من محيط الأسرة في أيام طفولتها ، وتغذت روحها من عطف الوالدين ، لا تحتاج في دور المراهقة إلى الحنان ولا تلين بسماع بضع كلمات دافئة معسولة من هذا وذاك ، ولا تستجيب لتلك الانفعالات بسرعة.
    وعلى العكس فإن الفتاة التي لم تتلق قدراً كافياً من الحنان في طفولتها ولم تشبع غريزتها الباطنية بحب الوالدين ، تملك روحاً ضعيفة جداً ، وبإمكان شاب مراوغ لبق أن يحرفها عن الطريق بإهدائه إليها باقة من الزهور ، وببضع كلمات دافئة . وبذلك يجني على عفتها وطهارتها وتسقط الفتاة إلى الأبد في هوة سحيقة من الفساد والانحراف ، أو تغسل العار بالانتحار.
    نقص التربية في رياض الأطفال :
    لقد انتشرت رياض الأطفال في المدن الأوروبية منذ عهد قريب ، وتقوم
    تلك المؤسسات برعاية الأطفال ، فالأمهات الموظفات وكذلك النساء اللاهيات اللاتي لا يردن أن يجدن مزاحمة من أطفالهن في مجالس الرقص والقمار والفساد ، يستغللن هذه الفرصة ، ويودعن أطفالهن في ( رياض الأطفال ).
    إن حياة الطفل في روضة الأطفال جميلة جداً بحسب الظاهر ، فهو يلبس الملابس النظيفة والأنيقة ، ويمشط شعره ، وقوامه رشيق ، إن روضة الأطفال تجهز بالوسائل الصحية اللازمة فالغرف مبنية على الأساليب الفنية والأسرة مغطاة بالشراشف ، والطعام يحضر حسب المناهج الصحيحة ، والطفل يلعب بالمقدار الكافي ، وينام في الوقت المقرر ، وبصورة موجزة فإن جانباً مهماً من ميول الطفل ورغباته الروحية والجسدية يكون مضموناً.
    لكنه توجد في أعماق الطفل عواطف ومشاعر لا تشبع في المحيط الاجتماعي لروضة الأطفال ، فهناك فرق كبير بين علاقة امرأة واحدة تشرف على مائة طفل ـ لغرض الانتفاع المادي فقط ـ بالطفل ، ولهيب الحب السماوي المودع في قلب الأم . فلا توجد المناغاة الحارة التي تبعث الطفل على الرضا والانشراح إلا في حجر الأم ، أما في روضة الأطفال فلا.
    إن الطفل الذي يعيش بين مئة طفل حياة غير مستقلة ، لا يدرك معنى للشخصية والاستقلال الفردي ، وهما من أبرز الخصائص الإنسانية (1) إن حركات الطفل وسكناته يمكن أن تراعى بدقة في الأسرة بينما تضيع أفعاله
    ـــــــــــ
    (1) ومن المناسب أن ندرج هنا ما أوردته مجلة (العربي) في فصل ( دردشة ) تحت عنوان : ( الأم هي المعلمة الأولى ) : (تستطيع الأم الفاضلة أن تؤدي مهمة مئة أستاذ من أساتذة المدارس . هذا ما قاله الشاعر الإنجليزي جورج هربرت وهذا ما أثبته التاريخ . فجورج واشنطون أول رئيس للجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية ، كان قد فقد أباه وهو في الحادية عشرة من عمره ، وما كان ليشب على نحو ما شب عليه من رصانة الخلق وقوة الشخصية لو لم تكن أمه على جانب كبير من الحكمة والاقتدار . وقد تولت تربيته ، منفردة ، بعد وفاة أبيه . ويصدق ذلك كثيراً أو قليلاً على عدد من أعلام الأدب والعلم والشعر عبر التاريخ نذكر منهم على سبيل المثال : جوته ، وجري ، وشيللر ، وبيكون ، وأرسكني . فلولا تربية أمهاتهم لهم لما احتل هؤلاء مكانتهم بين الأعلام المبدعين) . عن مجلة العربي 95| ص : 59.
    وسط أفعال مئة طفل كموجة بين مئات الأمواج في البحر حيث تصطدم بعضها ببعض ، وتزول كلها.
    (يجب ألا يكون التعليم مانعاً من التوجيه الصائب . مثل هذا التوجيه يعود إلى الوالدين ، فهما وحدهما وبصفة أخص الأم ، قد لاحظا منذ شبّا الصفات الفسيولوجية والعقلية التي يهدف التعليم إلى تنظيمها وتوجيهها . لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة حينما استبدل المدرسة بتدريب الأسرة استبدالاً تاماً ... ولهذا تترك الأمهات أطفالهم لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن ، أو مطامعهن الاجتماعية ، أو مباذلهن ، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية أو للعب البريدج ، أو ارتياد دور السينما ، وهكذا يضيعن أوقاتهن في الكسل . إنهن مسئولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار فيتعلم منهم أموراً كثيرة . إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع كلاب أخرى من عمرها نفسه في حظيرة واحدة لا تنمو نمواً مكتملاً كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمشي في أثر والديها . والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين ، وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقاً للقوالب الموجودة في محيطه ... إذ إنه لا يتعلم إلاَّ قليلاً من الأطفال الذين هم في مثل سنه . وحينما يكون وحده فقط في المدرسة فانه يظل غير متكمل) .
    (إن إهمال مؤسساتنا الاجتماعية للفردية مسئول أيضاً عن تقمّص الراشدين ... كما أن الإنسان وحيد وكأنما هو يضيع في المدن العصرية الضخمة . إنه خلاصة اقتصادية ... وحدة في القطيع ، إنه يتخلّى عن فرديته) (1) .
    ____________
    (1) الإنسان ذلك المجهول ص 208.






    تربية اليتيم :
    وعلى أننا سنبحث عن أهمية الأسرة في مناغاة الطفل في محاضرة خاصة ونبين وجهة نظر الإسلام فيها . سنعرض هنا لقضية تربية اليتيم وموقف التعاليم الإسلامية العظيمة منه ، لكي يتضح موضوعنا في هذا اليوم ، ثم ننتقل إلى دور الأسرة في تربية الطفل.
    كثيراً ما يصادف أن يموت الآباء أو الأمهات في أيام الحروب أو في الحالات الاعتيادية ، ويخلفون أطفالاً صغاراً يجب أن يحافظ عليهم في المجتمع وليصيروا رجال الغد بفضل التربية الصحيحة ، وإن الدول وضعت للأيتام نظماً معينة تكفل لهم حقوقهم .
    والإسلام أيضاً يتضمن التعاليم القانونية والخلقية الخاصة به في حل هذه المشكلة . فإذا كان الطفل اليتيم قد ورث من أبويه مالاً فإن القيم (وهو الشخص يعين من قبل الحاكم الإسلامي العادل لإدارة شئون اليتيم) يقوم بتهيئة ما يحتاج إليه من طعام ولباس ومسكن من ماله الخاص . أما إذا لم يملك اليتيم مالاً ، فإن بيت المال هو المسئول عن مصارفه ، فحياة اليتيم إذن مؤمنة طبقاً للنظام المالي في الإسلام . ولكن النكتة الجديرة بالدقة هي : أن الإسلام لا يرى انحصار سعادة اليتيم في توفير وسائل الحياة المادية من الطعام واللباس والمسكن فقط .
    اليتيم إنسان قبل كل شيء ، ويجب أن تحيى فيه جميع الجوانب المعنوية والفردية ، وله الحق في الاستفادة من الحنان والعطف والأدب والتوجيه ، وكل ما يستفيد منه الطفل في حجر أبويه . اليتيم ليس مثل شاة في القطيع يذهب صباحاً إلى المرعى معهم ويرجع في المساء . إنه إنسان ويجب الاهتمام بميوله الروحية وغذائه النفسي مضافاً إلى الرعاية الجسدية والغذاء البدني.
    اليتيم في أحضان الأسرة :
    إن الراويات الكثيرة تصر على معاملة اليتيم معاملة بقية الأطفال في الأسرة ، وإن يقوم الرجال والنساء مقام الوالدين في رعاية اليتيم . لقد كان
    بإمكان الحكومة الإسلامية في عصر الرسول الكريم (ص) من الناحية المادية أن تنشئ في كل مدينة داراً لرعاية اليتيم وتصرف عليهم من بيت المال ، ولكن الرسول الأعظم (ص) لم يفعل ذلك . لأن هذه المؤسسات والدور ناقصة من وجهة نظر التربية الكاملة من الناحيتين الروحية والمادية . فالأسرة فقط هي التي تستطيع أن تلبي نداء عواطف الطفل ، ولذلك فقد ظل يوصي الآباء والأمهات وأولياء الأسر بمنطق الدين والإيمان بالمحافظة على اليتيم . وأخذه إلى بيوتهم وإجلاسه على موائدهم ، ومعاملته كأحد أولادهم ، والسعي في تأديبه وإدخال السرور على قلبه بالعطف والحنان والمحبة.
    لا شك أن تأسيس دور للأيتام وإكسائهم وإشباعهم ، عبادة إسلامية كبيرة ، ولكن مناغاة اليتيم والعطف عليه ، وتأديبه وتربيته عبادة أخرى وقد خص الله لذلك أجراً وثواباً خاصاً.
    وها نحن نعرض النصوص الواردة في حق اليتيم :
    1 ـ قال رسول الله (ص) : (خير بيوتكم بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيوتكم بيت يساء إليه) (1).
    2 ـ عن النبي (ص) : (مَن عال يتيماً حتى يستغني ، أوجب الله له بذلك الجنة) (2).
    3 ـ وعنه (ص) : (مَن كفل يتيماً من المسلمين ، فأدخله إلى طعامه وشرابه ، أدخله الله الجنة البتة ، إلاَّ أن يعمل ذنباً لا يغفر) (3).
    4 ـ عن النبي (ص) أنه قال : (من مسح رأس يتيم ، كانت له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات) (4).
    5 ـ (من أقعد اليتيم على خوانه ، ويمسح رأسه يلين قلبه)(5).
    ____________
    (1) مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 1|148.
    (2) تحف العقول ص 198.
    (3) مستدرك الوسائل ج 1|148.
    (4) المصدر السابق ج 2|616.
    (5) سفينة البحار مادة (يتم) ص 731.
    6 ـ قال رسول الله (ص) : (من أنكر منكم قساوة قلبه ، فليدن يتيماً فيلاطفه وليمسح رأسه يلين قلبه بإذن الله ، فإن لليتيم حقاً) (1) .
    7 ـ عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال : (جيء بمقدار من العسل إلى بيت المال ، فأمر الإمام علي (ع) بإحضار الأيتام ، وفي الحين الذي كان يقسم العسل على المستحقين كان بنفسه يطعم الأيتام من العسل ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ما لهم يلعقونها ؟ فقال : (إن الإمام أبو اليتامى وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء) (2).
    8 ـ قال أمير المؤمنين (ع) : (أدب اليتيم مما تؤدب منه ولدك واضربه مما تضرب منه ولدك) (3).
    9 ـ من وصية الإمام أمير المؤمنين إلى أولاده : (الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم) (4).
    10 ـ عن فقه الرضا (ع) : (وإن كان المعزى يتيماً فامسح يديك على رأسه) (5).
    11 ـ لما أصيب جعفر بن أبي طالب ، أتى رسول الله أسماء فقال لها : أخرجي لي ولْد جعفر ، فأخرجوا إليه فضمهم وشمهم . قال عبد الله بن جعفر : أحفظ حين دخل رسول الله على أمي ، فنعى لها أبي ونظرت إليه وهو يمسح على رأسي ، ورأس أخي) (6) .
    * * *
    يستفاد من مجموع النصوص الإسلامية ضرورة تربية الأيتام كسائر الأطفال في المجتمع ، ولهم الحق في الاستفادة من جميع المزايا والعواطف
    ____________
    (1) الوسائل ج 1|157.
    (2) البحار ج 9|536.
    (3) الوسائل ج 5|125.
    (4) نهج البلاغة ص 470.
    (5) مستدرك الوسائل ج 1|147.
    (6) بحار الأنوار ج 18|212.
    الإنسانية . إن الأيتام في الدولة الإسلامية يمتازون برعاية كاملة من حيث الطعام واللباس والحنان والأدب ، بحيث لا يحسّون بأيّ فرق بينهم وبين سائر الأطفال . وطبيعي أن تربية كهذه تكون مصونة من الانحراف والخطأ . وإن طفلاً كهذا لا يصاب بعقدة الحقارة والذلة ، فينمو بصورة معتدلة وتشبع رغباته الباطنية جميعها بشكل صحيح ، ولكن القيام بمثل هذا الواجب المقدس والعبء الثقيل يتطلب إيماناً قوياً وعقيدة مستقيمة.
    لقد اهتم الإسلام بتعليم أتباعه هذا الدرس المقدس والآن حيث يطوي هذا الدين السماوي قرنه الرابع عشر ، نجد في أطراف العالم الإسلامي الرجال والنساء الكثيرين الذين يفتحون صدورهم ـ بكل رضى واعتزاز ـ للقيام بهذه المهمة ، ويتورّعون عن إتيان أصغر عمل سبب الأذى لليتيم وجرح عواطفه.
    (وحين يحرم الموت المبكر طفلاً من ملجئه الطبيعي يشدد الآخرون في رعايتهم له والاستجابة لاحتياجاته . لكن هذا العمل لا بد وأنه منبثق من كنز عظيم يفيض بالحنان والعاطفة . وإن كنزاً كهذا لا يوجد إلا في باطن ثلة قليلة من البشر الممتازين)(1) .
    وإذا كان قائد الإسلام العظيم يوصي الأسرة الخيرة باحتضان الأطفال اليتامى ، لتربيتهم التربية الصحيحة ومعاملتهم كأطفالهم كي يحصلوا على المقدار الكافي من الحب والحنان ، ويتلقوا الأدب والسلوك المستقيم ، ويصبحوا أفراد كاملين ، فهل يمكن أن يرضى الرسول الأعظم ( ص ) للأمهات أن يتركن أطفالهن لأعذار يعرفنها ويحرمنهم من التربية الصحيحة ، والفوائد المهمة التي يستطيعون أن يحصلوا عليها في محيط الأسرة فقط ؟!
    (إن حرارة الأسرة تسبّب تفتّح جميع المشاعر والعواطف الراقية الكامنة في نفس الطفل بنفسها ، وبذلك يتطبّع الطفل منذ حداثته على الصدق والأمانة والشهامة . إن الأسرة هي الميدان العملي لتطبيق تعاليم الشعور بالمسئولية والوجدان ، وإظهار
    ـــــــــــــ
    (1) ما وفرزندان ما ص 3.
    ذلك كله بصورة بارزة ظاهرة أمام عيني الطفل).
    (إن الأسرة التي ينتشر فيها الوفاء والتضحية ، الصدق والشهامة في الأقوال والأفعال ، الأمانة والشجاعة في العمل ، الإيثار والتواضع ... ترسم نموذجاً صالحاً للأطفال) .
    (إن جميع هذه العوامل تتجلى لعيني الطفل بالتدريج خلال حياته ، وفي الحين الذي يتلقاها بصورة تلقائية يتطبع عليها بدوره)(1).
    المدرسة الأولى :
    إن محيط الأسرة مدرسة تستطيع أن تنمي المواهب الكامنة في نفس الطفل ، وتعلمه دروساً في العزة والشخصية ، الشهامة والنبل ، التسامح والسخاء ... وغير ذلك من القيم الإنسانية العليا ، لا روضة الأطفال.
    كان الإمام علي ( ع ) ـ دون أية مبالغة ـ إنساناً كاملاً ، وشخصية مثالية في العالم كله ، فلقد ظهرت جميع الصفات الإنسانية والملكات الفاضلة على أكمل وجه في هذا الرجل الإلهي . إنه معلم مدرسة الإنسانية ومثلها الأعلى . فلقد خضع له الصديق والعدو ، المسلم وغير المسلم ، وكل مَن اطلع على تاريخه المشرق النير.
    هذه الشخصية الإلهية الكبيرة نجده يفخر بكل صراحة بالتربية التي تلقاها في أيام طفولته ، ويتحدث لنا عن الثروة المعنوية الضخمة التي حصل عليها في تلك المرحلة من حياته الشريفة ، ويتباهى بمربيه العظيم نبي الإسلام القدير ، فيقول : (وقد علمتم موضعي من رسول الله ( ص ) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه)(1).
    ـــــــــــــ
    (1) ما وفرزندان ما ص 4.
    (2) نهج البلاغة ص 406.
    ... ثم يستطرد فيقول : (يرفع لي في كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به)(1) .
    لقد تشبّعت جميع الميول العقلية والعاطفية للإمام علي ( ع ) في فترة الطفولة في حجر النبي الحنون ، فلقد أروى عواطفه بالمقدار الكافي من ينبوع محبته وعطفه من جهة ، ولقد أعطاه دروساً في الأخلاق وأمره بإتباعها من جهة أخرى.
    ومن كان في طفولته واجداً لأثمن الذخائر الروحية والمادية من الوجهة الوارثية ، ومن ناحية التربية قد تلقى المثل في أطهر أسرة وكان مربيه الرسول الأعظم ( ص ) ، جدير بأن يكون في الكبر قائد السعادة البشرية وأمير جيش الإيمان والتقوى .
    إن الأساليب التربوية العميقة الحكيمة التي اتخذها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع علي ( ع ) قد أحيت جميع مواهبه الكامنة وأوصلته في مدة قصيرة إلى أعلى مدارج الكمال ، فلقد تقبّل الإسلام في العاشرة من عمره عن وعي وإدراك ، وعمل على نشر تعاليمه متبعاً في ذلك سيرة النبي ، ولم ينحرف عن الصراط المستقيم قدر شعرة إلى آخر حياته.
    ونموذج آخر للتربية الصالحة نجده في التاريخ المشرق للإمام الحسين بن علي(ع ) فهو غير خفي على أحد . فلقد خلّدت القرون المتمادية شهامة الحسين وتضحيته، إيثاره وعظمته في إعلاء كلمة الحق والعدالة ، ولم يغب ذلك كله عن أذهان البشرية على مر الأجيال . ولقد تباهى ذلك الإمام العظيم كوالده بطهارة أسرته العريقة في أحرج المواقف . وتحدث عن تربية عائلته له آنذاك قائلاً : (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت)(2).
    ـــــــــــــ
    (1) نهج البلاغة ص 406.
    (2) نفس المهموم ص 149.
    أجل ! فلقد قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(1) والإمام الحسين ( ع ) هو نفسه من المؤمنين وهو قائد المؤمنين وعليه يجب أن لا ينصاع لقوى الظلم والبغي . وأما دليله الثاني فهو أنه من أسرة أنفت الذل وأبت الضيم . وكأنه يقول : إني تربّيت في حجر الرسول الأعظم ( ص ) وعلي بن أبي طالب والصديقة الزهراء ، لقد نشأت على الشرف والإباء ... كان بيتنا الصغير منبع الفضيلة والشهامة ، ولم تجد الحقارة طريقاً لها إلى أسرتنا ... لقد تربّيت في أحضان من عاشوا حياة ملؤها العز والحرية ، فكيف أرضى بالذلة والخضوع متناسياً ثروتي العائلية ؟! هذا مستحيل ، فلن أبايع يزيد أبداً ولا أخضع لأوامره .
    هذه الشهامة والعزة ، وهذا الإباء والشرف ... نتيجة التربية الأصلية في الأسرة ، التربية النابعة من حنان الوالدين وحبهما ، ذلك الحب الممزوج بالإيمان ، التربية التي ملؤها الصفاء والخلاص والطهارة والواقعية.
    إن رياض الأطفال أعجز من أن تربي أولاداً كهؤلاء . فهي مؤسسة تجارية قبل أن تكون مركزاً ثقافياً وتربوياً ، فإن مؤسسي رياض الأطفال يهدفون في الدرجة الأولى إلى الحصول على مال من وراء الأجور الشهرية للأطفال ، ويهتمون بالتربية في الدرجة الثانية ، مع أن التربية أيضاً سطحية وبسيطة . إن الآباء والأمهات الذين لا يملكون هدفاً بغير التربية يجدون لذتهم في أن يربوا أولادهم تربية صحيحة ويجعلوهم أفراداً جديرين أكفاء في المجتمع ، وإن مركز هذا النشاط هو الأسرة فقط.
    ثم إن الميزة الأخرى التي تضفي أهمية كبيرة على قيمة الأسرة هي إحياء الخصائص الفردية . فالأفراد ليسوا متفاوتين فيما بينهم من ناحية المنظر والبناء الخارجي فقط ، بل يختلفون من حيث معنوياتهم ونفسياتهم أيضاً . وهذا نفسه أحد مظاهر القدرة الإلهية ... (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً).
    ـــــــــــــ
    (1) سورة المنافقين |8.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X