بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إن من المحطات المهمة جداً في حياة النبي موسى (ع) ما جرى له في جانب الطور حيث رأى ناراً فتوجه إليها لشأن من شؤون الحياة العادية؛ ولكن الله تعالى جعل فيها بركات كثيرة. وقد ذكر الصادق (ع) هذه الحادثة بقوله: (كُنْ لِمَا لاَ تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ذَهَبَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ)
فقد يقوم الإنسان بفعل لا بركة فيه بحسب الظاهر؛ إلا أن الله تعالى يجعل فيه البركة والخير الكثير.
حوار موسى (عليه السلام) مع رب العالمين
ويتبين من الآيات الشريفة التي تروي لنا هذه الحادثة؛ وجود علاقة وطيدة بين العبد وربه، فقد كان موسى من عباد الله المحسنين قبل أن يكون نبيا مرسلا. وقد قال سبحانه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، وفي سورة أخرى نرى جانبا آخر من هذا الحوار الذي دار بين العبد وربه، فقد قال سبحانه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ)
ونلاحظ أن هذه الآيات قد أشارت إلى ثلاثة أصول من أصول الدين وهي: التوحيد والنبوة والمعاد. فقوله سبحانه: (َاعْبُدْنِي) إشارة إلى التوحيد، وقوله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) إشارة إلى الشريعة التي لا تأتي إلا من خلال الأنبياء والرسل، وقوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) إشارة إلى المعاد.
ثمرة الصلاة بين يدي الله عز وجل
ولو تأملنا في قوله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) واعتبرنا اللام في هذه الآية لام النتيجة والعاقبة؛ لأصبح المعنى؛ أن ثمرة الصلاة هي ذكر الله عز وجل وهي الغاية المنشودة منها. وإن كانت الصلاة عبادة جوارحية وجزء منها جوانحية؛ إلا أن النتيجة والثمرة هي معنوية بامتياز.
ويتبين من معجزة الله عز وجل لموسى (ع) بتحويل العصا إلى جان؛ أن الله سبحانه يتصرف في هذا الوجود بصورة متعارفة أو غير متعارفة تقوية لقولب أنبيائه وإتماما للحجة على من أرسل إليهم. وكان موسى (ع) قد فزع من هذه المعجزة حتى قال له سبحانه: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)، وهذا الأمر للتخفيف على موسى (ع) من الخوف الذي دخل عليه؛ فأمره عز وجل بأن يجعل يده على صدره للاطمئنان والأمان؛ فليس ثمة ما يخيف ما دام الله عز وجل هو الخالق لهذا الجان.
وزارة هارون (عليه السلام)
ثم يستمر الحوار بين موسى (ع) وربه ويبدو من هذه الآيات أنه في حالة انشراح مع الرب حتى سأله أن يرسل ليستقوي به على الدعوة؛ فقد قال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ).
إن النية إذا كانت إلهية، وإذا كان الغرض هو رضا الله عز وجل؛ فلا تضر الدعوة كثرة الشركاء بل يزيدها قوة. بخلاف عالم التجارة؛ فإن الإنسان إذا شارك أحداً، فقد قسم رأس ماله. ومن هنا يقال: لو أن الأنبياء جميعا اجتمعوا في قرية واحدة، لما وقع النزاع بينهم، لأنهم يرون بأن العمل كله في خدمة الدين والشريعة.
دور وسائل الإعلام في نشر الدين وترسيخ المفاهيم والقيم
وعندما اقترح استيزار هارون، أقام دليلا على ذلك فقال: (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)، ومعنى ذلك أن طلاقة اللسان، وقوة البيان، من الأمور الأساسية في دعم الشريعة. وإذا أردنا أن نكون مؤثرين في نشر الرسالة الإلهية؛ علينا أن نتوسل بكل أدوات التبليغ. وفي عصرنا هذا يلعب الإعلام والفضائيات دورا كبيرا في ترسيخ الأفكار والمفاهيم والقيم، ولابد للمؤمنين استثمارها والاستفادة القصوى من إمكانياتها وقابلياتها.
ثم تبين الآيات أن فرعون الطاغي بكل قوته وجبروته وجنوده؛ لا يمكنه الوصول إلى موسى وأخيه (ع) بعد أن زودهما الله عز وجل بالسلطان، فقد قال سبحانه: (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ). إذا كان السلطان من الله عز وجل، هل يقف أمامه السلطان البشري؟
لماذا انتكست أمة هي خير أمة أخرجت للناس؟
لماذا الانتكاس في الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس؟ المشكلة تكمن في عدم العمل بهذه الآية وأمثالها: (أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ). فإن النصر حليف الأنبياء عاجلا أو آجلا؛ إلا أن المشكلة في الاتباع؛ فوجود موسى (ع) ووجود هارون (ع) في الأمة لا يكفي للانتصار من دون التفاف من الناس حولهم ونصرتهم واتباعهم. ولا يختلف الأمر في زماننا هذا؛ فإن وجود الحجة (عج) من دون اتباعٍ واقتداء ونصرة، لا يمكن الانتصار. فسر الغلبة هو في وجود أمثال موسى وهارون في القيادة؛ بالإضافة إلى عنصر الاتباع.