بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
اخترنا لكم اعزتني مقالة مهمة عن الملل والنحل والفرق الاسلامية من كتاب الملل والنحل للشيخ جعفر السبحاني
الملّة والنحلة في اللغة:
الملّة بمعنى الطريقة المقتبسة من الغير، يقول سبحانه: ( بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) .( [1 ])
وأمّا النحلة فهي بمعنى الدعوى والدين، ولكن تستعمل كثيراً في الباطل، يقال: انتحال المبطلين. وفي المصطلح المناهج العقائدية لأُمّة خاصة أو جميع الأُمم، سواء كانت حقاً أم باطلاً .
2.الصلة بين علم العقائد وعلم الملل والنحل:
إنّ علم الكلام يبحث عن المسائل العقائدية الّتي ترجع إلى المبدأ والمعاد، ويوجه عنايته إلى إثبات فكرة خاصة في موضوع معيّن، ولكن علم الملل والنحل يسرد المناهج الكلامية وعقائد الأقوام دون أن يتحيّز إلى منهج دون منهج، وهمّه عرض هذه الأُسس الفكرية على روّاد الفكر والمعرفة، فنسبة هذا العلم إلى علم العقائد نسبة تاريخ العلم إلى نفسه .
3.تعريفه، موضوعه، مسائله، غايته:
إنّ علم الملل والنحل كسائر العلوم له تعريفه وموضوعه ومسائله وغايته.
أمّا تعريفه: فهو العلم بتاريخ نشوء المذاهب والديانات عْبر القرون ومقارنتها مع بعض .
وأمّا موضوعه: فهو عقائد الأُمم الّذي يعبر عنه بالملل والنحل.
وأمّا مسائله: فهي الاطّلاع على آراء أصحاب الديانات .
وأمّا غايته: فتتحد غايته مع تاريخ العلوم على وجه الإطلاق، وهي إعطاء البصيرة للمحقّق الكلامي في نشوء العقائد واشتقاق بعضها من بعض .
4.المصنّفات في الملل والنحل:
إنّ ما كتب في هذا المجال على قسمين: قسم منه يتناول جميع أديان البشر أو أكثرها. وقسم منه يختصّ بالفرق الإسلامية.
أمّا القسم الأوّل، فهو :
1.«الآراء والديانات»: تأليف حسن بن موسى النوبختي (المتوفّى 298 هـ).
2.«المقالات» :تأليف محمد بن هارون الورّاق البغدادي (المتوفّى سنة 347 هـ).
يصفه النجاشي بقوله: كتاب كبير، حسن، يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله ( [2 ]).
3.«أُصول الديانات»: لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (المتوفّى عام 345 هـ) صاحب مروج الذهب، يذكر فيه كتابه هذا .
4.الملل والنحل لابن حزم الظاهري (المتوفّى عام 456 هـ) .
5.الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (479-548 هـ) .
وأمّا القسم الثاني، فنظير :
1.«مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»: تأليف شيخ الأشاعرة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260-324 هـ).
2.«التنبيه والرد»: لأبي الحسين الملطي (المتوفّى عام 377 هـ).
3.«الفرق بين الفرق»: تأليف الشيخ عبد القاهر البغدادي التميمي (المتوفّى عام 429 هـ) .
4.«التبصير في الدين»: للطاهر بن محمد الاسفرايني (المتوفّى عام 471 هـ).
5.«فرق الشيعة»: تأليف الشيخ أبي القاسم سعد بن عبد الله القمي (المتوفّى 299 هـ). وربّما ينسب هذا الكتاب إلى حسن بن موسى النوبختي.
وكتابنا هذا يركز البحث على الفرق الإسلامية وما يمت إليها بصلة وإن لم يكن في الحقيقة منها .
5.علل تكوّن الفرق الإسلامية :
لبّى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوة ربّه وانتقل إلى جواره وترك لأُمتّه ديناً قيماً، عليه سمات من أبرزها بساطة العقيدة ويسر التكليف. كما ترك للاهتداء بعده: كتاب الله العزيز الّذي فيه ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) ( [3 ]) ، وسنّته الوضّاءة المقتبسة من الوحي ( [4 ]) السليم من الخطأ، وعترته الطاهرة قرناء الكتاب .( [5 ])
وكان الجدير بالمسلمين التمّسك بالعروة الوثقى وتوحيد الكلمة في عامّة المواقف، إلاّ فيما كان الاختلاف فيه أمراً ضرورياً لا يجتنب، ولكن مع الأسف نجم بينهم فرق ومذاهب يختلف بعضها عن بعض في جوهر الإسلام وأُصوله .
وأمّا ما هو العامل أو العوامل لتكون الفرق نشير إليها إجمالاً:
العامل الأوّل: الاتجاهات الحزبية والتعصّبات القبلية:
إنّ أعظم خلاف بين الأُمّة هو الخلاف في قضية الإمامة، وما سلّ سيف في الإسلام وفي كلّ الأزمنة على قاعدة دينية مثلما سلّ على الإمامة.
ومع أنّ الرسول لم يترك الأُمّة سدى، بل نصب خليفة للمسلمين ومن يقوم بوظائف النبوة بعده وان لم يكن نبياً بل إماماً منصوصاً، لكن مع الأسف اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة قبل تجهيز النبي ومواراته ثم التحق بهم نفر من المهاجرين لا يتجاوز عددهم الخمسة، فكثر الاختلاف والنزاع بينهم، فكل طائفة كانت تحاول جرّ النار إلى قرصها، فيقول مندوب الأنصار رافعاً عقيرته: يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست في العرب، إلى أن قال: استبدّوا بهذا الأمر دون الناس .
وقال نفر من المهاجرين: من ذا الّذي ينازع المهاجرين في سلطان محمد وإمارته وهم أولياؤه وعشيرته.
فصارت المناشدة في السقيفة الحجر الأساس للتفرق وانثلام الكلمة ونسيان الوصية الّتي أدلى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في غير واحد من المواقف منها يوم الغدير .
العامل الثاني: سوء الفهم واللجاج في تحديد الحقائق :
ثار أهل العراق والحجاز ومصر على عثمان نتيجة الأحداث المؤلمة الّتي ارتكبها عماله في هذه البلاد وانتهى الأمر إلى قتله وتنصيب علي مكانه، وقد قام علي (عليه السلام) بعزل الولاة آنذاك عملاً بواجبه أمام الله سبحانه وأمام المبايعين له، غير أنّ معاوية قد عرف موقف علي بالنسبة إلى عمال الخليفة فرفض بيعة الإمام، ونجم عن ذلك حرب صفين بين جيش علي وجيش معاوية، فلمّا ظهرت بوادر الفتح لصالح علي (عليه السلام) التجأ معاوية وحزبه إلى خديعة رفع المصاحف والدعوة إلى تحكيم القرآن بين الطرفين، فصار ذلك نواة لحدوث الاختلاف في جبهة علي (عليه السلام) ، وقد أمر الإمام بمواصلة الحرب وقام بتبيين الخدعة، غير أنّ الظروف الحاكمة على جيش الإمام ألجأته إلى وقف الحرب وإدلاء الأمر إلى الحكمين وإعلان الهدنة .
ومن عجيب الأمر انّ الذين كانوا يصرون على إيقاف الحرب ندموا على ما فعلوا، فجاءوا إلى الإمام يصرون على نقض العهد، غير أنّ الإمام وقف في وجههم لما يتضمن اقتراحهم من نقض العهد، وعند ذلك ظهرت فرقة باسم المحكّمة، حيث زعموا انّ مسألة التحكيم تخالف قوله سبحانه: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ ) ، وما هذا إلاّ نتيجة سوء الفهم واعوجاج السليقة، لأنّ الإمام أرجأ المسألة إلى حكم الحكمين على ضوء القرآن والسنّة، فكيف يكون ذلك مخالفاً لقوله سبحانه: ( لا حكم إلاّ لله ) ، فإنّ الحكم على وفقها حكم لله سبحانه، وقد صار هذا الاعوجاج مبدأ لظهور الخوارج بفرقها المختلفة على ساحة التاريخ .
العامل الثالث: المنع عن كتابة الحديث :
قد منع الخلفاء بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابة الحديث وتدوينه، بل التحديث عنه إلى أواخر القرن الأوّل، بل إلى عهد المنصور العباسي، مع أنّ حديث الرسول عدل القرآن الكريم، فالقرآن وحي بلفظه ومعناه، وسنته وحي بمعناه لا بلفظه. وقد اعتمدوا في منع كتابة السنّة ونشرها على روايات مزوّرة مخالفة للكتاب والسنّة الثابتة.
وقد ترك هذا المنع آثاراً سلبية أقلّها حرمان الأُمّة عن السنّة النبوية الصحيحة قرابة قرن ونصف، فظهر الوضّاعون والكذّابون بين المسلمين، فرووا عن لسان الرسول ما شاءوا وما أرادوا، وصارت هذه الحيلولة سبباً لازدياد الحديث حتّى أخرج محمد بن إسماعيل البخاري صحيحه عن ستمائة ألف حديث، وأين حياة الرسول المليئة بالأحداث من التحديث بهذا العدد الهائل من الأحاديث؟! ولذلك غربلها البخاري فأخرج منها ما يقارب ألفين وسبعمائة وواحداً وستين حديثاً، ولا يقلّ عنه صحيح مسلم وكتب السنن .
العامل الرابع: فسح المجال للأحبار والرهبان:
إنّ الفراغ الّذي خلّفه المنع عن نقل أحاديث الرسول أوجد أرضية مناسبة لتحديث الأحبار والرهبان عن العهدين، فصاروا يحدّثون عن الأنبياء والمرسلين بما سمعوه من مشايخهم أو قرأوه في كتبهم .
يقول الشهرستاني: وضع كثير من اليهود الذين اعتنقوا الإسلام أحاديث متعددة في مسائل التجسيم والتشبيه، وكلّها مستمدة من التوراة .( [6 ])
ويقول الكوثري: إنّ عدّة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤابذة المجوس أظهروا الإسلام في عهد الراشدين ثم أخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير .( [7 ]) ولو كان نشر الحديث وتدوينه وتحديثه أمراً مسموحاً لما وجد الأحبار والرهبان مجالاً للتحديث عن كتبهم المنحرفة. ولشغل المسلمون عن سماع ما يبثّون من الخرافات لأجل الاشتغال بالقرآن والسنّة، ولكنّ الفراغ الّذي خلّفه المنع أعان على تحديثهم واجتماع الناس حولهم، ومن قرأ سيرة كعب الاحبار، ووهب بن منبه اليماني، وتميم بن أوس الداري وغيرهم يقف على دورهم في نشر الأساطير وإغواء الخلفاء بها.
العامل الخامس: الاحتكاك الثقافي:
التحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى وقام المسلمون بفتح البلدان والسيطرة عليها وكانت الأُمم المغلوبة ذات حضارة وثقافة في المعارف والعلوم والآداب .
وكان بين المسلمين رجال ذوو دراية ورغبة في كسب العلوم وتعلم ما في هذه البلاد من آداب وفنون، فأدّت هذه الرغبة إلى المذاكرة والمحاورة أوّلاً، ونقل كتبهم إلى اللغة العربية ثانياً، حتّى انتقل كثير من آداب الرومان والفرس إلى المجتمع الإسلامي، ولاشك انّ من تلك المعارف ما يضاد مبادئ الإسلام، وكان بين المسلمين من لم يتدرع في مقابلها، ومنهم من لم يتورّع عن أخذ الفاسد منها، فصار ذلك مبدأ لظهور ديانات وعقائد على الصعيد الإسلامي عندما صبغوا ما أخذوه من الكتب بصبغة الإسلام .
العامل السادس: الاجتهاد في مقابل النص :
إذا كانت العوامل الخمسة سبباً لنشوء المذاهب الكلامية فهناك عامل سادس صار مبدأ لتكون المذهب الكلامي والمذهب الفقهي، وهو تقديم الاجتهاد ـ لمصلحة مزعومة ـ على النص .
إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوصى المسلمين بعترته وشبّههم بسفينة نوح وقال في محتشد عظيم: «يا أيّها النّاس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي». ( [8 ]) ومع ذلك استأثر القوم بالأمر يوم السقيفة وقضوا أُمورهم من دون مشورة أو حوار مع أهل البيت، فصار ذلك سبباً لظهور مذاهب فقهية مبنية على تقديم المصلحة المزعومة على نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى هذا الأساس منعوا من متعة الحج ومتعة النساء وتوريث الأنبياء إلى غير ذلك من المذاهب الفقهية، كما حدثت مذاهب كلامية لأجل الاستبداد بفكرهم من دون عرضها على الكتاب والسنّة.
هذه هي العوامل الستة الّتي صارت سبباً لظهور المذاهب بين الإسلاميين. ومن حسن الحظ انّ أغلب الطوائف تشترك في الأُمور الّتي بها يناط الإسلام والإيمان، وإن كانوا يختلفون في مباحث كلامية أو مسائل فقهية.
إلى هنا تمت البحوث التمهيدية، وسنشرع في سرد المذاهب .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
اخترنا لكم اعزتني مقالة مهمة عن الملل والنحل والفرق الاسلامية من كتاب الملل والنحل للشيخ جعفر السبحاني
الملّة والنحلة في اللغة:
الملّة بمعنى الطريقة المقتبسة من الغير، يقول سبحانه: ( بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) .( [1 ])
وأمّا النحلة فهي بمعنى الدعوى والدين، ولكن تستعمل كثيراً في الباطل، يقال: انتحال المبطلين. وفي المصطلح المناهج العقائدية لأُمّة خاصة أو جميع الأُمم، سواء كانت حقاً أم باطلاً .
2.الصلة بين علم العقائد وعلم الملل والنحل:
إنّ علم الكلام يبحث عن المسائل العقائدية الّتي ترجع إلى المبدأ والمعاد، ويوجه عنايته إلى إثبات فكرة خاصة في موضوع معيّن، ولكن علم الملل والنحل يسرد المناهج الكلامية وعقائد الأقوام دون أن يتحيّز إلى منهج دون منهج، وهمّه عرض هذه الأُسس الفكرية على روّاد الفكر والمعرفة، فنسبة هذا العلم إلى علم العقائد نسبة تاريخ العلم إلى نفسه .
3.تعريفه، موضوعه، مسائله، غايته:
إنّ علم الملل والنحل كسائر العلوم له تعريفه وموضوعه ومسائله وغايته.
أمّا تعريفه: فهو العلم بتاريخ نشوء المذاهب والديانات عْبر القرون ومقارنتها مع بعض .
وأمّا موضوعه: فهو عقائد الأُمم الّذي يعبر عنه بالملل والنحل.
وأمّا مسائله: فهي الاطّلاع على آراء أصحاب الديانات .
وأمّا غايته: فتتحد غايته مع تاريخ العلوم على وجه الإطلاق، وهي إعطاء البصيرة للمحقّق الكلامي في نشوء العقائد واشتقاق بعضها من بعض .
4.المصنّفات في الملل والنحل:
إنّ ما كتب في هذا المجال على قسمين: قسم منه يتناول جميع أديان البشر أو أكثرها. وقسم منه يختصّ بالفرق الإسلامية.
أمّا القسم الأوّل، فهو :
1.«الآراء والديانات»: تأليف حسن بن موسى النوبختي (المتوفّى 298 هـ).
2.«المقالات» :تأليف محمد بن هارون الورّاق البغدادي (المتوفّى سنة 347 هـ).
يصفه النجاشي بقوله: كتاب كبير، حسن، يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله ( [2 ]).
3.«أُصول الديانات»: لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (المتوفّى عام 345 هـ) صاحب مروج الذهب، يذكر فيه كتابه هذا .
4.الملل والنحل لابن حزم الظاهري (المتوفّى عام 456 هـ) .
5.الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (479-548 هـ) .
وأمّا القسم الثاني، فنظير :
1.«مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»: تأليف شيخ الأشاعرة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260-324 هـ).
2.«التنبيه والرد»: لأبي الحسين الملطي (المتوفّى عام 377 هـ).
3.«الفرق بين الفرق»: تأليف الشيخ عبد القاهر البغدادي التميمي (المتوفّى عام 429 هـ) .
4.«التبصير في الدين»: للطاهر بن محمد الاسفرايني (المتوفّى عام 471 هـ).
5.«فرق الشيعة»: تأليف الشيخ أبي القاسم سعد بن عبد الله القمي (المتوفّى 299 هـ). وربّما ينسب هذا الكتاب إلى حسن بن موسى النوبختي.
وكتابنا هذا يركز البحث على الفرق الإسلامية وما يمت إليها بصلة وإن لم يكن في الحقيقة منها .
5.علل تكوّن الفرق الإسلامية :
لبّى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوة ربّه وانتقل إلى جواره وترك لأُمتّه ديناً قيماً، عليه سمات من أبرزها بساطة العقيدة ويسر التكليف. كما ترك للاهتداء بعده: كتاب الله العزيز الّذي فيه ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) ( [3 ]) ، وسنّته الوضّاءة المقتبسة من الوحي ( [4 ]) السليم من الخطأ، وعترته الطاهرة قرناء الكتاب .( [5 ])
وكان الجدير بالمسلمين التمّسك بالعروة الوثقى وتوحيد الكلمة في عامّة المواقف، إلاّ فيما كان الاختلاف فيه أمراً ضرورياً لا يجتنب، ولكن مع الأسف نجم بينهم فرق ومذاهب يختلف بعضها عن بعض في جوهر الإسلام وأُصوله .
وأمّا ما هو العامل أو العوامل لتكون الفرق نشير إليها إجمالاً:
العامل الأوّل: الاتجاهات الحزبية والتعصّبات القبلية:
إنّ أعظم خلاف بين الأُمّة هو الخلاف في قضية الإمامة، وما سلّ سيف في الإسلام وفي كلّ الأزمنة على قاعدة دينية مثلما سلّ على الإمامة.
ومع أنّ الرسول لم يترك الأُمّة سدى، بل نصب خليفة للمسلمين ومن يقوم بوظائف النبوة بعده وان لم يكن نبياً بل إماماً منصوصاً، لكن مع الأسف اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة قبل تجهيز النبي ومواراته ثم التحق بهم نفر من المهاجرين لا يتجاوز عددهم الخمسة، فكثر الاختلاف والنزاع بينهم، فكل طائفة كانت تحاول جرّ النار إلى قرصها، فيقول مندوب الأنصار رافعاً عقيرته: يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست في العرب، إلى أن قال: استبدّوا بهذا الأمر دون الناس .
وقال نفر من المهاجرين: من ذا الّذي ينازع المهاجرين في سلطان محمد وإمارته وهم أولياؤه وعشيرته.
فصارت المناشدة في السقيفة الحجر الأساس للتفرق وانثلام الكلمة ونسيان الوصية الّتي أدلى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في غير واحد من المواقف منها يوم الغدير .
العامل الثاني: سوء الفهم واللجاج في تحديد الحقائق :
ثار أهل العراق والحجاز ومصر على عثمان نتيجة الأحداث المؤلمة الّتي ارتكبها عماله في هذه البلاد وانتهى الأمر إلى قتله وتنصيب علي مكانه، وقد قام علي (عليه السلام) بعزل الولاة آنذاك عملاً بواجبه أمام الله سبحانه وأمام المبايعين له، غير أنّ معاوية قد عرف موقف علي بالنسبة إلى عمال الخليفة فرفض بيعة الإمام، ونجم عن ذلك حرب صفين بين جيش علي وجيش معاوية، فلمّا ظهرت بوادر الفتح لصالح علي (عليه السلام) التجأ معاوية وحزبه إلى خديعة رفع المصاحف والدعوة إلى تحكيم القرآن بين الطرفين، فصار ذلك نواة لحدوث الاختلاف في جبهة علي (عليه السلام) ، وقد أمر الإمام بمواصلة الحرب وقام بتبيين الخدعة، غير أنّ الظروف الحاكمة على جيش الإمام ألجأته إلى وقف الحرب وإدلاء الأمر إلى الحكمين وإعلان الهدنة .
ومن عجيب الأمر انّ الذين كانوا يصرون على إيقاف الحرب ندموا على ما فعلوا، فجاءوا إلى الإمام يصرون على نقض العهد، غير أنّ الإمام وقف في وجههم لما يتضمن اقتراحهم من نقض العهد، وعند ذلك ظهرت فرقة باسم المحكّمة، حيث زعموا انّ مسألة التحكيم تخالف قوله سبحانه: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ ) ، وما هذا إلاّ نتيجة سوء الفهم واعوجاج السليقة، لأنّ الإمام أرجأ المسألة إلى حكم الحكمين على ضوء القرآن والسنّة، فكيف يكون ذلك مخالفاً لقوله سبحانه: ( لا حكم إلاّ لله ) ، فإنّ الحكم على وفقها حكم لله سبحانه، وقد صار هذا الاعوجاج مبدأ لظهور الخوارج بفرقها المختلفة على ساحة التاريخ .
العامل الثالث: المنع عن كتابة الحديث :
قد منع الخلفاء بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابة الحديث وتدوينه، بل التحديث عنه إلى أواخر القرن الأوّل، بل إلى عهد المنصور العباسي، مع أنّ حديث الرسول عدل القرآن الكريم، فالقرآن وحي بلفظه ومعناه، وسنته وحي بمعناه لا بلفظه. وقد اعتمدوا في منع كتابة السنّة ونشرها على روايات مزوّرة مخالفة للكتاب والسنّة الثابتة.
وقد ترك هذا المنع آثاراً سلبية أقلّها حرمان الأُمّة عن السنّة النبوية الصحيحة قرابة قرن ونصف، فظهر الوضّاعون والكذّابون بين المسلمين، فرووا عن لسان الرسول ما شاءوا وما أرادوا، وصارت هذه الحيلولة سبباً لازدياد الحديث حتّى أخرج محمد بن إسماعيل البخاري صحيحه عن ستمائة ألف حديث، وأين حياة الرسول المليئة بالأحداث من التحديث بهذا العدد الهائل من الأحاديث؟! ولذلك غربلها البخاري فأخرج منها ما يقارب ألفين وسبعمائة وواحداً وستين حديثاً، ولا يقلّ عنه صحيح مسلم وكتب السنن .
العامل الرابع: فسح المجال للأحبار والرهبان:
إنّ الفراغ الّذي خلّفه المنع عن نقل أحاديث الرسول أوجد أرضية مناسبة لتحديث الأحبار والرهبان عن العهدين، فصاروا يحدّثون عن الأنبياء والمرسلين بما سمعوه من مشايخهم أو قرأوه في كتبهم .
يقول الشهرستاني: وضع كثير من اليهود الذين اعتنقوا الإسلام أحاديث متعددة في مسائل التجسيم والتشبيه، وكلّها مستمدة من التوراة .( [6 ])
ويقول الكوثري: إنّ عدّة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤابذة المجوس أظهروا الإسلام في عهد الراشدين ثم أخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير .( [7 ]) ولو كان نشر الحديث وتدوينه وتحديثه أمراً مسموحاً لما وجد الأحبار والرهبان مجالاً للتحديث عن كتبهم المنحرفة. ولشغل المسلمون عن سماع ما يبثّون من الخرافات لأجل الاشتغال بالقرآن والسنّة، ولكنّ الفراغ الّذي خلّفه المنع أعان على تحديثهم واجتماع الناس حولهم، ومن قرأ سيرة كعب الاحبار، ووهب بن منبه اليماني، وتميم بن أوس الداري وغيرهم يقف على دورهم في نشر الأساطير وإغواء الخلفاء بها.
العامل الخامس: الاحتكاك الثقافي:
التحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى وقام المسلمون بفتح البلدان والسيطرة عليها وكانت الأُمم المغلوبة ذات حضارة وثقافة في المعارف والعلوم والآداب .
وكان بين المسلمين رجال ذوو دراية ورغبة في كسب العلوم وتعلم ما في هذه البلاد من آداب وفنون، فأدّت هذه الرغبة إلى المذاكرة والمحاورة أوّلاً، ونقل كتبهم إلى اللغة العربية ثانياً، حتّى انتقل كثير من آداب الرومان والفرس إلى المجتمع الإسلامي، ولاشك انّ من تلك المعارف ما يضاد مبادئ الإسلام، وكان بين المسلمين من لم يتدرع في مقابلها، ومنهم من لم يتورّع عن أخذ الفاسد منها، فصار ذلك مبدأ لظهور ديانات وعقائد على الصعيد الإسلامي عندما صبغوا ما أخذوه من الكتب بصبغة الإسلام .
العامل السادس: الاجتهاد في مقابل النص :
إذا كانت العوامل الخمسة سبباً لنشوء المذاهب الكلامية فهناك عامل سادس صار مبدأ لتكون المذهب الكلامي والمذهب الفقهي، وهو تقديم الاجتهاد ـ لمصلحة مزعومة ـ على النص .
إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوصى المسلمين بعترته وشبّههم بسفينة نوح وقال في محتشد عظيم: «يا أيّها النّاس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي». ( [8 ]) ومع ذلك استأثر القوم بالأمر يوم السقيفة وقضوا أُمورهم من دون مشورة أو حوار مع أهل البيت، فصار ذلك سبباً لظهور مذاهب فقهية مبنية على تقديم المصلحة المزعومة على نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى هذا الأساس منعوا من متعة الحج ومتعة النساء وتوريث الأنبياء إلى غير ذلك من المذاهب الفقهية، كما حدثت مذاهب كلامية لأجل الاستبداد بفكرهم من دون عرضها على الكتاب والسنّة.
هذه هي العوامل الستة الّتي صارت سبباً لظهور المذاهب بين الإسلاميين. ومن حسن الحظ انّ أغلب الطوائف تشترك في الأُمور الّتي بها يناط الإسلام والإيمان، وإن كانوا يختلفون في مباحث كلامية أو مسائل فقهية.
إلى هنا تمت البحوث التمهيدية، وسنشرع في سرد المذاهب .
تعليق