ضرب الله تعالي في القرآن الكريم مثال امرأتين كنموذج للإيمان الكامل، ومثال امرأتين لنموذج الكفر أيضاً: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا﴾[1]، هذان هما المثالان على الكفر وهما امرأتان كافرتان. فهو لم يسق المثال للكفر من الرجال، بل جاء به من النساء. وهذا ما نجده في باب الكفر. وفي باب الإيمان أيضاً.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[2]. أحد المثالين على النموذج الإيمانيّ الكامل هو امرأة فرعون والمثال الآخر السيّدة مريم الكبرى ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾[3].
وإنّ مقارنة سريعة بين زينب الكبرى عليها السلام وبين زوجة فرعون تُظهر لنا عظمة مقام السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. تحدّث القرآن الكريم عن زوجة فرعون بوصفها نموذج الإيمان للرجال والنساء علي مرّ الزمان وإلى آخر الدنيا. ثمّ لكم أن تقارنوا زوجة فرعون التي آمنت بموسى وانجذبت إلى تلك الهداية التي جاء بها موسى، وحينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعونيّ - والذي توفيّت بسببه حسب ما تنقل التواريخ والروايات - فقد جعلها التعذيب الجسمانيّ تصرخ: ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾[4] طلبت من الله تعالي أن يبني لها بيتاً عنده في الجنّة.. وفي الواقع هي طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحياة. ﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾.. أنقذني من فرعون وأعماله المضلّة.
في حين كانت مشكلة السيّدة آسية زوجة فرعون من قبيل الألم والعذاب الجسمانيّ ولم تكن كالسيّدة زينب، التي فقدت عدّة من إخوتها واثنين من أبنائها وعدداً كبيراً من أقاربها وأبناء إخوتها ساروا أمام عينيها إلي مصارعهم. هذه الآلام الروحيّة التي تحمّلتها زينب الكبرى لم تتعرّض لها السيّدة آسية زوجة فرعون. رأت السيّدة زينب بعينيها يوم عاشوراء كلّ أحبّتها يسيرون إلى القتل ويستشهدون: الحسين بن عليّ عليهما السلام سيّد الشهداء والعبّاس وعليّ الأكبر والقاسم وأبناءها هي، وباقي إخوتها رأتهم كلّهم. وبعد استشهادهم شهدت كلّ تلك المحن: هجوم الأعداء وهتك الحرمات، وحملت مسؤوليّة رعاية الأطفال والنساء.
فهل يمكن مقارنة عظمة هذه المصائب وشدّتها بالمصائب الجسمانيّة؟ ولكن مقابل كلّ هذه المصائب لم تقلّ السيّدة زينب لله تعالي: ﴿رَبِّ نَجِّنِي﴾، بل قالت يوم عاشوراء: "ربّنا تقبّل منّا"[5].
رأت الجسد المبضّع لأخيها أمامها فتوجّهت بقلبها إلي خالق العالم وقالت: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان". وحينما تُسأل كيف رأيتِ (صنع الله)؟ تقول: "ما رأيت إلّا جميلاً"[6].. كلّ هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبرى لأنّها من الله ولأجله وفي سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته. فيا لهذا المقام المتقدّم في الصبر وهذا العشق للحقّ والحقيقة، كم هو الفارق بينه وبين ذلك المقام الذي يذكره القرآن الكريم للسيّدة آسية. هذا دليل على عظمة مقام السيّدة زينب. هكذا هو العمل في سبيل الله. لذلك بقي اسم زينب وعملها إلى اليوم نموذجاً خالداً في العالم.
إنّ بقاء دين الإسلام وبقاء الطريق إلى الله ومتابعة السير على هذا الطريق من قبل عباد الله يستند ويستلهم إلى العمل الذي قام به الحسين بن عليّ عليهما السلام وما قامت به السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. أي إنّ ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمّل كلّ تلك المصائب والمشكلات أدّى إلى أن تكون القيم الدّينيّة اليوم هي القيم السائدة في العالم. جميع القيم الإنسانيّة التي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشريّ هي قيم نابعة من الدّين. هذه هي خصوصيّة العمل لله[7].
دروس عاشوراء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة التحريم, الآية:10.
[2] سورة التحريم, الآية:11.
[3] سورة التحريم, الآية:12.
[4] سور التحريم, الآية: 11.
[5] مقتل الحسين, المقرّم, ص322.
[6] الفتوح, ج5, ص122, مثير الأحزان, ص71, بحار الأنوار, ج45, ص115-116.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[2]. أحد المثالين على النموذج الإيمانيّ الكامل هو امرأة فرعون والمثال الآخر السيّدة مريم الكبرى ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾[3].
وإنّ مقارنة سريعة بين زينب الكبرى عليها السلام وبين زوجة فرعون تُظهر لنا عظمة مقام السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. تحدّث القرآن الكريم عن زوجة فرعون بوصفها نموذج الإيمان للرجال والنساء علي مرّ الزمان وإلى آخر الدنيا. ثمّ لكم أن تقارنوا زوجة فرعون التي آمنت بموسى وانجذبت إلى تلك الهداية التي جاء بها موسى، وحينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعونيّ - والذي توفيّت بسببه حسب ما تنقل التواريخ والروايات - فقد جعلها التعذيب الجسمانيّ تصرخ: ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾[4] طلبت من الله تعالي أن يبني لها بيتاً عنده في الجنّة.. وفي الواقع هي طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحياة. ﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾.. أنقذني من فرعون وأعماله المضلّة.
في حين كانت مشكلة السيّدة آسية زوجة فرعون من قبيل الألم والعذاب الجسمانيّ ولم تكن كالسيّدة زينب، التي فقدت عدّة من إخوتها واثنين من أبنائها وعدداً كبيراً من أقاربها وأبناء إخوتها ساروا أمام عينيها إلي مصارعهم. هذه الآلام الروحيّة التي تحمّلتها زينب الكبرى لم تتعرّض لها السيّدة آسية زوجة فرعون. رأت السيّدة زينب بعينيها يوم عاشوراء كلّ أحبّتها يسيرون إلى القتل ويستشهدون: الحسين بن عليّ عليهما السلام سيّد الشهداء والعبّاس وعليّ الأكبر والقاسم وأبناءها هي، وباقي إخوتها رأتهم كلّهم. وبعد استشهادهم شهدت كلّ تلك المحن: هجوم الأعداء وهتك الحرمات، وحملت مسؤوليّة رعاية الأطفال والنساء.
فهل يمكن مقارنة عظمة هذه المصائب وشدّتها بالمصائب الجسمانيّة؟ ولكن مقابل كلّ هذه المصائب لم تقلّ السيّدة زينب لله تعالي: ﴿رَبِّ نَجِّنِي﴾، بل قالت يوم عاشوراء: "ربّنا تقبّل منّا"[5].
رأت الجسد المبضّع لأخيها أمامها فتوجّهت بقلبها إلي خالق العالم وقالت: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان". وحينما تُسأل كيف رأيتِ (صنع الله)؟ تقول: "ما رأيت إلّا جميلاً"[6].. كلّ هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبرى لأنّها من الله ولأجله وفي سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته. فيا لهذا المقام المتقدّم في الصبر وهذا العشق للحقّ والحقيقة، كم هو الفارق بينه وبين ذلك المقام الذي يذكره القرآن الكريم للسيّدة آسية. هذا دليل على عظمة مقام السيّدة زينب. هكذا هو العمل في سبيل الله. لذلك بقي اسم زينب وعملها إلى اليوم نموذجاً خالداً في العالم.
إنّ بقاء دين الإسلام وبقاء الطريق إلى الله ومتابعة السير على هذا الطريق من قبل عباد الله يستند ويستلهم إلى العمل الذي قام به الحسين بن عليّ عليهما السلام وما قامت به السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. أي إنّ ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمّل كلّ تلك المصائب والمشكلات أدّى إلى أن تكون القيم الدّينيّة اليوم هي القيم السائدة في العالم. جميع القيم الإنسانيّة التي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشريّ هي قيم نابعة من الدّين. هذه هي خصوصيّة العمل لله[7].
دروس عاشوراء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة التحريم, الآية:10.
[2] سورة التحريم, الآية:11.
[3] سورة التحريم, الآية:12.
[4] سور التحريم, الآية: 11.
[5] مقتل الحسين, المقرّم, ص322.
[6] الفتوح, ج5, ص122, مثير الأحزان, ص71, بحار الأنوار, ج45, ص115-116.