بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
في مسيرة حياتنا نمر بأزماتٍ كثيرةٍ ومتاعب ومشاكل تجعلنا نخطئ بحق الآخرين..
كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾[1].
وغالباً ما نلقي اللوم على الطرف الآخر ونحمله مسؤولية الخطأ الذي وقع أو المشكلة التي حدثت، ونُوجد المبررات لما قمنا به من ضرب أو شتائم أو صراخ أو ظلم الآخرين أو عدم الاعتراف بحقوقهم ووو..
فمن القرآن الحكيم يقول تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[2]، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[3].
علما أنّ أخلاق أهل البيت العامة ضد السب والشتم واللعن، فهذا الإمام علي يخاطب أصحابه بقوله: «إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ». إضافةٍ إلى أن القرآن لا يربي المسلمين على هذه الأخلاقيات.
ولكن هذا ديدن أغلب الناس.
هذه التصرفات الخاطئة والظلم قد يقع على أقرب الناس منا، ولكن بحكم القرب والعلاقة اليومية "الميانة" نعتقد بأنهم لا يبالون ولا يتأثرون ولا يُجرحون بما نفعله معهم..
سيما العلاقة بين الزوجين، والاخوة والاخوات، والارحام والاصدقاء، ووو..
وكم من ألمٍ وجرحٍ ودمعة سببناها للآخرين دون إحساس وشعور منّا..
ومع مرور الزمن وتقدم العمر ننسى أغلب ما فعلناه في هذه المسيرة، وأحياناً أُخرى نتناسى ذلك.. ظانين أننا قد تجاوزنا ذلك الخطأ وتلك المظالم..
وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾[4].
والحال إن هذا الأمر خطير جداً، فما ننساه نحن قد دونته أقلام ملائكة لا تفوتهم صغيرة ولا كبيرة إلا في كتاب مبين..
لقد سببت جرحاً عميقاً في قلوب الآخرين، ولم تصحح ما افسدته.
قال العزيز سبحانه: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[5].
وورد عن النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله):
((منْ أَحْزَنَ مُؤْمِناً ثُمَّ أَعْطَاهُ اَلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَفَّارَتَهُ وَلَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ))[6].
الله أكبر.. ما أتعس حالنا.. وما أكبر مصيبتنا.. إذ أن العوض كبير جداً إلا انه لا ينفع..
كسرت قلباً واحزنته فعليك ارضاءه.. فَعَنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ اَلْقَرَاطِيسِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ))[7].
ونحن في حياتنا هذه بحسب ما جرى لنا وما اقترفناه من سوء العمل، لابد لنا من اجراء مراجعة شاملة لمسيرة حياتنا، وتصحيح ما أفسدنا وارضاء مَن آذينا، فهذه فرصة قد لا تُعوض..
ونعمل على أساس وصايا اهل البيت عليهم السلام، فمن أهم هذه الوصايا الذهبية ما رواه الشيخان الصدوق والطوسي بإسنادهما: عن سليمان بن مهران، عن الإمام الصّادق قال: ((مَعاشِرَ الشِّيعَةِ، كونوا لنا زَيناً ولا تكونوا علَينا شَيناً، قولوا لِلناسِ حُسناً، واحفَظُوا ألسِنَتَكُم، وكُفُّوها عنِ الفُضولِ وقَبيحِ القَولِ))[8].
إن التعامل الحسن مع الناس، والالتزام بأخلاق المعاشرة وآدابها، أمر مطلوب وراجح في نفسه عقلاً وشرعاً، وأما التعامل الشائن والسيء فأمر قبيح في نفسه ومنهي عنه عقلاً وشرعاً.
ولذا نهى الإمام الصادق عن التعامل الشائن مع الناس، وأوصى شيعته وأصحابه بأن يكونوا زيناً لهم وليس شيناً عليهم، وقد روي عنه أنه قال: ((إيّاكُم أن تَعمَلوا عَمَلًا يُعَيِّرونا بِهِ، فَإِنَّ وَلَدَ السَّوءِ يُعَيَّرُ والِدُهُ بِعَمَلِهِ، كونوا لِمَنِ انقَطَعتُم إلَيهِ زَيناً ولا تَكونوا عَلَيهِ شَيناً))[9].
فنكون من الصور الجميلة لأئمة الهدى عليهم السلام الرابحين الفائزين الناجين إن شاء الله.
[1] سورة آل عمران، الآية: 179.
[2] سورة الأنفال، الآية: 46.
[3] سورة آل عمران، الآية: 103.
[4] سورة الكهف، الآية: 57.
[5] سورة المجادلة، الآية: 6.
[6] مستدرك الوسائل، ج 9، ص 99.
[7] الكافي، ج 2، ص 44.
[8] الأمالي للصدوق، ص 484، ح 657.
[9] الكافي، ج 2، ص 219، ح 11.