بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
يوسوس الشيطان دائماً في الإنسان ليبعده عن طاعة الله تعالى، والخضوع لهمزاته وإيحاءاته الباطلة، والوقوع في مصائده المتنوعة، ومكائده المخادعة، وحبائله الملونة.
ولا تتوقف الشياطين من الجن والإنس لحظة عن محاولاتها الدائمة للنفوذ في قلب الإنسان وروحه للتأثير عليه، وإيقاعه في شبكاتهم الخبيثة، وخططهم الماكرة، وإغراءاتهم الشهوانية.
والوسوسة لها مجال واسع، فقد يصاب الإنسان بالوسوسة في مسائل العقيدة، وقد يتبلى بالوسوسة والشك في علاقته مع الآخرين، وقد يكون موسوساً في مسائل العبادات والقضايا الدينية.
وعادة فإن الذي يبتلى بالنوع الأخير من الوسوسة هم المؤمنون لخوفهم الشديد من الله تعالى، وخوفهم من الإتيان بالأعمال العبادية بصورة غير صحيحة وغير تامة، فيؤدي بهم هذا التصور للوقوع في مرض الوسوسة.
من صور الوسوسة
إن من أكثر وساوس الشيطان التي يقع فيها بعض المؤمنين إنما تكون في مسائل الطهارة والوضوء والغسل والصلاة.
فنرى الوسواسي في مسائل الطهارة يطهر الثوب الطاهر، أو يتطهر من غير سبب، أو يغسل يديه عند ملامسة باب الحمام، وعند إغلاق الحنفية، وعند مصافحة رجل مسلم مبتلة يده...وعلى ذلك قس بقية الأمثلة العجيبة.
ونرى بعضهم يشك دوماً في صحة وضوئه أو صلاته أو صومه أو حجه، فيعيد ما لا يحتاج إلى إعادة، ويبني على بطلان ما يجب أن يبني على صحته، ويستغرق وقتاً طويلاً جداً في وضوئه وغسله.
والوسواسي يعذب نفسه بنفسه، ويؤذي ذاته بذاته، ويشدد على نفسه بما لم يأمره به الله تعالى، ويضيق على حاله أشد التضييق، فتتحول حياته إلى جحيم لا تطاق.
والوسوسة ليست ضرباً من الاحتياط والورع والتقوى؛ وإنما هي اختلال في الشخصية، واعتلال في النفس، وخروج عن الاعتدال، ووقوع في الوهم، وطاعة للشيطان الرجيم.
ويقع الوسواسي بوسوسته في محظورات شرعية، ويأتي بأعمال خاطئة، وربما محرمة لابتلائه بالوسوسة، من قبيل: قطع الصلاة بعد الدخول فيها، فيكبر تكبيرة الإحرام – مثلاً – ثم يعيدها، أو يقطعها من نصفها؛ بينما لا يجوز قطع الصلاة من غير عذر شرعي.
التحذير من الوسوسة العبادية
نتيجة للآثار السلبية للوسوسة على حياة الإنسان، وأعماله العبادية، فقد حذرت التعاليم الدينية من الوسوسة؛ لأنها توقع الإنسان في طاعة الشيطان، وتبعده عن طاعة الرحمن، فقد روي عن عبدِ اللَّهِ بن سنان قال: ذكرتُ لأبي عبدِاللَّهِ رجُلًا مُبتَلىً بِالوُضوءِ والصَّلاةِ، وقلتُ: هو رجُلٌ عاقِلٌ.
فقالَ أبو عبدِ اللَّه : وأيُّ عَقلٍ لَهُ وهُو يُطيعُ الشَّيطانَ؟!
فقلتُ لَهُ: وكيفَ يُطيعُ الشَّيطانَ؟
فقالَ: سَلهُ هذا الّذي يَأتِيهِ مِن أيِّ شَيءٍ هُو؟ فإنّهُ يَقولُ لَكُ: مِن عَمَلِ الشَّيطانِ .
وعن زرارة وأبي بصير: قلنا لَه:
الرَّجُلُ يشُكّ كثيراً في صلاتِهِ حتّى لا يدري كم صلّي ولا ما بَقِيَ علَيهِ؟
قالَ: يُعيدُ.
قُلنا لَهُ: فإنّهُ يَكثُرُ علَيهِ ذلكَ كُلّما عادَ شَكَّ؟
قالَ: يَمضي في شَكِّهِ.
ثُمّ قالَ: لاتُعَوِّدوا الخَبيثَ مِن أنفُسِكُم بِنَقضِ الصَّلاةِ فتُطمِعوهُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ خَبيثٌ يَعتادُ لِما عُوِّدَ، فلْيَمضِ أحَدُكُم في الوَهمِ، ولا يُكثِرَنَّ نَقضَ الصَّلاةِ، فإنّهُ إذا فَعَلَ ذلكَ مَرّاتٍ لَم يَعُدْ إلَيهِ الشَّكُّ.
قالَ زُرارَةُ: ثُمّ قالَ: إنّما يُريدُ الخَبيثُ أن يُطاعَ، فإذا عُصِيَ لَم يَعُدْ إلى أحَدِكُم .
فليس من العقل في شيء الاستجابة للوسوسة، لأن ذلك فيه إطاعة للشيطان، وليس ذلك من الدين في شيء، لأن الدين ينهى عن الوسوسة، والتضييق على النفس، وتعذيب الذات.
علاج الوسوسة
من المهم المسارعة إلى علاج الوسوسة وإلا تحول الأمر إلى وسواس قهري وهو مرض نفسي يتطلب مراجعة الأطباء النفسيين لأخذ العلاج اللازم، لكن ما نتحدث عنه هنا هو الوسوسة في العبادة بمعنى كثرة الشك فيها، والشك في صحتها، والتصور بأنها باطلة، وعلاج هذه الحالة ممكن من خلال اتباع الإرشادات التالية:
1- التعوذ من الشيطان الرجيم:
على المؤمن أن يتعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ ، وكذلك ورد الأمر بالتعوذ في سورة الناس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ .
فلا يمكن محاربة وساوس الشيطان من دون التعوذ بالله منه، والاستعانة بالله عز وجل على مواجهة دسائسه وهمزاته و نفثاته، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «إنَّ إبليسَ لَهُ خُرطُومٌ كخُرطُومِ الكَلبِ واضِعُهُ على قَلبِ ابنِ آدمَ يُذَكِّرُهُ الشَّهَواتِ واللَّذّاتِ، ويأتِيهِ بِالأمانيّ، ويَأتِيهِ بِالوَسوَسَةِ على قَلبِهِ ليُشَكِّكَهُ في ربِّهِ، فإذا قالَ العَبدُ: «أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العَليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وأعوذُ باللَّهِ أن يَحضُرونِ إنّ اللَّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ» خَنَسَ الخُرطُومُ عَنِ القَلبِ».
2- البناء على صحة الأعمال:
وظيفة كثير الشك ألا يعتني بشكه، ويبني على صحة أعماله وأفعاله العبادية، ولا يلتفت لأي شك أو وسوسة تنتابه تجاه عباداته التي يوسوس فيها.
وإذا ما عمل الوسواسي بذلك، فإن منسوب الوسوسة تتناقص عنده شيئاً فشيئاً، وأما إذا أخذ بالشك فستزداد عنده حالة الوسوسة، وتتحول إلى مرض مزمن يصعب معالجته.
3- صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
ورد في الروايات أن من الأمور التي تذهب بالوسوسة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقد روي الإمام علي قال: «صَومُ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ- أربَعاءُ بَينَ خَميسَينِ- وصَومُ شَعبانَ يَذهَبُ بوَسواسِ الصَّدرِ، وبَلابِلِ القَلبِ».
وعنه قال: «صِيامُ شَهرِ الصَّبرِ وثَلاثَةِ أيّامٍ في كُلِّ شَهرٍ يُذهِبنَ بِبَلابِلِ الصَّدرِ».
4- قراءة بعض الأذكار:
ورد ت روايات عديدة تشير إلى أن قراءة بعض الأذكار الشريفة تساعد على التخلص من الوسوسة، فقد روي عن الإمام الصادق قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله رجلٌ فقالَ: لقد لَقيتُ مِن وسوَسَةِ صدري شِدَّةً وأنا رجلٌ مُعيلٌ مَدينٌ مَحُوجٌ.
فقالَ لهُ: كرِّرْ هذهِ الكلِماتِ: «تَوَكّلتُ علَى الحَيِّ الذي لايَموتُ، والحَمدُ للَّهِ الّذي لَم يَتَّخِذْ صاحِبَةً ولا وَلَداً، ولَم يَكُن لَهُ شَريكٌ في المُلكِ، ولَم يَكُن لَهُ وَليٌّ مِن الذُّلِّ وكَبِّرْهُ تَكبيراً».
فلَم يَلبَثِ الرّجُلُ أن عادَ إلَيهِ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أذهَبَ اللَّهُ عَنّي وَسوَسَةَ صَدري، وقَضى دَيني ووَسَّعَ رِزقي.
وروي أيضاً عن رسول الله أنه قال: «مَن وَجَدَ مِن هذا الوَسواسِ فلْيَقُلْ: آمَنتُ باللَّهِ ورَسولِهِ ثلاثاً، فإنّ ذلكَ يَذهَبُ عَنهُ».
ومن الأذكار أيضاً قول لا إله إلا الله، فعن ابنِ أبي عمير عن جميل بنِ درّاجٍ عن الإمام الصّادقِ : قلتُ لهُ: إنَّه يقَعُ في قلبي أمرٌ عظيمٌ، فقالَ: قلْ: لا إلهَ إلّا اللَّهُ. قالَ جَميلٌ: فكُلَّما وَقَعَ في قَلبي شَيءٌ قلتُ: لا إلهَ إلّااللَّهُ فيَذهَبُ عَنّي .
فإذا ابتليت بالوسوسة وأردت التخلص منها: فتعوذ بالله تعالى من همزات الشياطين ونفثاته، وداوم على قراءة الأذكار المأثورة، وصم ثلاثة أيام من كل شهر، وسيطر على زمام نفسك، وابنِ على صحة أفعالك وأعمالك العبادية، ولا تعتنِ بشكك ما دمت كثير الشك.
واعلم أن كل شيء لك طاهر حتى تعلم بأنه نجس، وكل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، وأن اليقين لا ينقض بالشك في أي درجاته.
والعمل بهذه القواعد الفقهية يقي الإنسان من الوقوع في الوسوسة، وهي أيضاً علاج لمن ابتلي بها.