هل ان الذكورة والانوثة تابعة لماء الرجل ام للمراة ام لكليهما؟
من الخصائص الرئيسية التي تتحكم فيها الوراثة وحدها خاصية جنس الجنين, والنمط الوراثي المرتبط ببناء جسم كلٍّ من الجنسين يوجد في كروموزومات" نواة النطفة الأمشاج "الزيجوت", وعلى هذا, فإنه من بين الأزواج الثلاث والعشرين من الصبغيات التي تؤلف الخلية البشرية الأولى, يوجد ٢٢ زوجًا تسمى الأوتوزومات autosomes, وهي المسئولة عن التغيرات المختلفة خلال النمو, أما الزوج الثالث والعشرون من هذه الصبغيات فهو وحده المسئول عن النمو الجنسي للجنين.
ويوجد نوعان من صبغيات الجنس، أحدهما يسمى "الكروموزوم "س" أو "X", والآخر أصغر كثيرًا ويسمى الكروموزم "ص" أو "Y", وحين يكون زوج هذه الصبغيات في النطفة الأمشاج من نوع "س س", فإن المظهر الموروث يكون أنثويًّا، أما إذا كان زوج صبغيات الجنس في هذه النطفة من نوع "س ص" يصبح المظهر الموروث ذكريًّا.
ومن حقائق علم الوراثة أن بويضة الأم لا تحتوي إلّا على الكروموزم "س" فقط في جميع الحالات، بينما تحتوي بعض الحيوانات المنوية للأب على الكروموزوم "س", وبعضها الآخر على الكروموزوم "ص", وعلى ذلك, فعند إخصاب البويضة وحدوث الحمل "حيث تندمج نواة البويضة ونواة أحد الحيوانات المنوية ليؤلفا النطفة الأمشاج أو الزيجوت" وتكوين أزواج الصبغيات في الخلية الأولى في حياة الإنسان، فإن النمط الوراثي لجنس الجنين يكون إما من النوع "س", أي: "أنثى" حين ينقل كروموزوم من النوع "س" من كلٍّ من الأب والأم، أو "س ص", أي: "ذكر", حين ينقل من الأم كروموزم من النوع "س" -وليس عندها سواه كما قلنا, ومن الأب كروموزوم من النوع "ص"؛ لأن عنده النوعين. والاعتماد في الحالتين يكون على تكوين الحيوان المنوي للوالد الذي نجح في الاندماج مع بويضة الأم، أي: ما إذا كان كروموزم الجنس في هذا الحيوان المنوي من النوع س أو ص, ومعنى ذلك: أن جنس الجنين يحدده الأب أساسًا، ما دامت الأم لا تسهم إلّا بنوع واحد من كروموزوم الجنس وهو النوع "س".
ولا توجد طريقة تتحكم في نظام إخصاب البويضة؛ بحيث تتحول إلى نطفة أمشاج من جنس نريده, فتوزيع الكروموزومات الجنسية تحكمه قوانين الوراثة, وهي قوانين يصفها علماء الوراثة الغربيون بأنها نتيجة المصادفة، وهو مصطلح يطلق على النظام الذي يخرج عن نطاق التحكم البشري المباشر، والأصح فيرأينا أن نقول أن هذه القوانين تحكمها مشيئة الله تعالى, فما يخرج عن نطاق التحكم البشري ليس محض مصادفة، وإنما هناك المشيئة الأعلى والقدرة الأسمى التي خلقت الكون والإنسان, وحددت لهما سنن وجودهما, والتي يسميها القرآن الكريم "التقدير", يقول الله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه} "عبس: ١٩" .
وتقدير الله -جَلَّ شأنه تعالى- على أوصاف المصادفة والعشوائية وغيرها من المصطلحات الراهنة في علم الإحصاء الحديث, والتي انتقلت بدورها إلى علم الوراثة, والأصح من الوجهة الإسلامية أن نقول: إنه إذا أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يلتقي الحيوان المنوي الحامل لكروموزوم الذكورة "ص", بالبويضة التي تحمل دائمًا كروموزوم الأنوثة "س", فإن الجنين يكون أنثى بأمر الله, وقد نَبَّه القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلمية, يقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: ٤٥-٤٦] . أي: أن الذكورة والأنوثة تابعة لماء الرجل .
-----------------------------------------------------------------
كتاب نمو الانسان من مرحلة الجنين الى مرحلة المسنين/ امال صادق