بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
في القرآن دعوة سامية للقضاء على الفوارق بين الجماعات، فقد حَثّ القرآن على الإنفاق في سبيل الله وعلى مصالح الطبقة المحتاجة، وقد رغّب القرآن في هذا الإنفاق ووعد المنفقين بحُسن المثوبة والأجر العظيم في الآخرة.
الإنفاق في سبيل الله:
وهو يشمل كلّ ما ينفق لإعلاء كلمة الإسلام، والدفاع عنه، ونشره بين الناس، وإقامة أحكامه، وما يوصل إلى مرضاة الله، وهو ما كان نفعه عاماً: كإزالة الجهل بنشر العلم، ومساعدة الضعفاء، وترقية الصناعات، وكلّ ما يرفع مستوى المسلمين من كافة النواحي. والآيات القرآنية التي دعت للإنفاق في سبيل الله كثيرة، نختار منها قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 261-262).
أخبرنا الله أن ما ننفقه في سبيله يضاعفه لنا أضعافاً كثيرة، فهو مفيد لنا في دنيانا وآخرتنا، وقد شرط الله لهذا الثواب: ترك المنّ والأذى، فالمن هو أن يذكر المحسن إحسانه لمن أحسن إليه ليظهر تفضّله عليه، أما الأذى فهو أشد منه كأن يذكر المحسن إحسانه لغير مِن أحسن إليه.
ووصف القرآن الإنفاق في سبيل الله بأنّه التجارة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف/ 10-11).
الإنفاق في سبيل الله:
وهو يشمل كلّ ما ينفق لإعلاء كلمة الإسلام، والدفاع عنه، ونشره بين الناس، وإقامة أحكامه، وما يوصل إلى مرضاة الله، وهو ما كان نفعه عاماً: كإزالة الجهل بنشر العلم، ومساعدة الضعفاء، وترقية الصناعات، وكلّ ما يرفع مستوى المسلمين من كافة النواحي. والآيات القرآنية التي دعت للإنفاق في سبيل الله كثيرة، نختار منها قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 261-262).
أخبرنا الله أن ما ننفقه في سبيله يضاعفه لنا أضعافاً كثيرة، فهو مفيد لنا في دنيانا وآخرتنا، وقد شرط الله لهذا الثواب: ترك المنّ والأذى، فالمن هو أن يذكر المحسن إحسانه لمن أحسن إليه ليظهر تفضّله عليه، أما الأذى فهو أشد منه كأن يذكر المحسن إحسانه لغير مِن أحسن إليه.
ووصف القرآن الإنفاق في سبيل الله بأنّه التجارة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف/ 10-11).
الإنفاق على ذوي الحاجة:
يدخل الإنفاق على ذوي الحاجة تحت الإنفاق في سبيل الله ولكن القرآن حدّد فئات من الناس هم أحوج إلى الإحسان والمؤاساة. فمن أعمال البرّ: الإحسان إلى هؤلاء المحتاجين التي ذكرتهم هذه الآية:
(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) (البقرة/ 177).
والمراد بإيتاء المال في الرقاب بذله في تحرير العبيد لترد إليهم حريتهم ويزول عنهم ذل العبودية.
ووصف الله البررة في آية أخرى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 8-9).
وجعل الله أوّل صفات المكذّبين بالإسلام: القسوة على اليتيم وعدم الحث على إطعام المسكين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ[1] * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ[2] الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ[3] عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون/ 1-3).
ويُسأل أصحاب النار يوم القيامة عن سبب عذابهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ[4]) (المدثر/ 42). قالا: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)(المدثر/ 43-44).
الإنفاق من الطيِّبات:
كان بعض المسلمين يعمد إلى التمر فيعزل الجيِّد ناحية حتى إذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء فنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/ 267). ومعنى الآية: أنفقوا من جيِّد أموالكم ولا تقصدوا الخبيث فتجعلوه صدقتكم، ثمّ ونجهم الله لأنهم يقصدون الخبيث منه يتصدّقون وليس يرضون بمثله لأنفسهم إلا أن يتساهلوا فيه تساهل من أغمض عينيه فلم يرَ العيب فيه.
وقال تعالى في هذا المعنى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران/ 92).
المال مُلكٌ لله:
والقرآن يوجّه نظر الإنسان إلى أنّ المال هو ملك لله، وأنّ الإنسان نائب عنه في الإشراف عليه، فلا يجمل به أن يعصي ربه فيما استودعه إياه. انظر إلى هذه الآيات التي رتبناها ترتيباً منطقياً والتي قرَّرت هذه الحقيقة:
فالله مالك السماوات والأرض: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 189). وهو الذي يرزق جميع الناس: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (فاطر/ 3).
والناس مكلفون بالإنفاق مما رزقهم الله من الأموال التي جعلهم خلفاء في التصرف فيها، فالمال ليس مالهم في الحقيقة وما هم منها إلا بمنزلة الوكلاء:
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد/ 7). (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/ 10). (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور/ 33).
وعلى هذا يجمل بالبشر أن لا يتأخروا عن تنفيذ أمر الله في ماله الذي استودعهم إياه، وإذا أُمروا أن يؤتوا منه فئات من الناس محتاجة فعليهم أن يبادروا إلى ذلك.
الإحسان قرضٌ للهِ:
والقرآن حضّ على الإحسان ورغّب فيه بأسلوب في غاية الروعة، من ذلك قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد/ 11).
فأي تلطف من الله في هذا التعبير حين يجعل الإحسان بمثابة الإقراض لله، وإنما يقترض المحتاج والله غني عن العالمين الذي له ملك السماوات والأرض ومن فيهنّ، وانما جاء التعبير في هذه الصورة نيابة عن الفقراء والمحتاجين ودفاعاً عنهم، وما قيمة امرىء يبخل بإقراض بعض المال لواهبه الذي سيرده له حتماً أضعافاً مُضاعفة. ثمّ يختم الله هذه الآية بقوله: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) (البقرة/ 245)، فلو شاء لأغنى فقيراً وأفقر غنياً فإنّ الأمر كله بيده.
مَوردٌ للفقراء لا حدَّ له:
والإسلام جعل للفقير مورداً لا حدّ له عن طريق الكفارات التي فيها معنى العقوبة أو البدل أو جبر الناقص. مثال ذلك:
يحلف الرجل يميناً أن يفعل شيئاً أو يتركه ثمّ يعدل عن ذلك، فإنّه في هذه الحالة ملزم بإطعام عشرة مساكين يوماً واحداً مما جرت به العادة أن يأكله هو وأهله، أو كسوتهم أو تحرير إنسان من الرق. ويعجز الرجل عن صوم رمضان لسقم أو هرم فيفطر، فعليه مقابل ذلك أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
ويخل الحاج بشرط من شروط الحج فيكفّر عنه بذبيحة يقدمها للمساكين.
ويقبل عيد الصوم فتجب زكاة الفطر على كل مسلم، كما يجب أو يسنّ على القادر المستطيع ذبح ضحية في عيد الأضحى ليطعم منها الفقراء.
وينذر المسلم لله نذراً فيوجب عليه الإسلام أن يفي به براً بالفقراء وعوناً لهم.
ويعجز الرجل عن تكاليف العيش لسبب اضطراري فيوجب الإسلام على قريبه الثري أن ينفق عليه: فينفق الابن على الأب، والأب على الابن، والأخ على الأخت، والزوج على الزوجة.
كما أنّ الإسلام شرع الوقف ليصرف ريعه في وجوه البرّ عامة.
هذا بعض تشريع الإسلام الاقتصادي الذي غايته التقريب والتوفيق بين الطبقات المختلفة والقضاء على الفقر. ولو أردنا الأسهاب في شرح ما جاء في القرآن والسُنّة لضاق بنا هذا البحث ولكن أحببنا أن نعطي صورة لبعض أصول القرآن الرئيسية التي تشهد بعظمته وسموّ مصدره الإلهي وصلاح هذه الأصول لكل زمانٍ ومكانٍ.
يدخل الإنفاق على ذوي الحاجة تحت الإنفاق في سبيل الله ولكن القرآن حدّد فئات من الناس هم أحوج إلى الإحسان والمؤاساة. فمن أعمال البرّ: الإحسان إلى هؤلاء المحتاجين التي ذكرتهم هذه الآية:
(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) (البقرة/ 177).
والمراد بإيتاء المال في الرقاب بذله في تحرير العبيد لترد إليهم حريتهم ويزول عنهم ذل العبودية.
ووصف الله البررة في آية أخرى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 8-9).
وجعل الله أوّل صفات المكذّبين بالإسلام: القسوة على اليتيم وعدم الحث على إطعام المسكين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ[1] * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ[2] الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ[3] عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون/ 1-3).
ويُسأل أصحاب النار يوم القيامة عن سبب عذابهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ[4]) (المدثر/ 42). قالا: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)(المدثر/ 43-44).
الإنفاق من الطيِّبات:
كان بعض المسلمين يعمد إلى التمر فيعزل الجيِّد ناحية حتى إذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء فنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/ 267). ومعنى الآية: أنفقوا من جيِّد أموالكم ولا تقصدوا الخبيث فتجعلوه صدقتكم، ثمّ ونجهم الله لأنهم يقصدون الخبيث منه يتصدّقون وليس يرضون بمثله لأنفسهم إلا أن يتساهلوا فيه تساهل من أغمض عينيه فلم يرَ العيب فيه.
وقال تعالى في هذا المعنى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران/ 92).
المال مُلكٌ لله:
والقرآن يوجّه نظر الإنسان إلى أنّ المال هو ملك لله، وأنّ الإنسان نائب عنه في الإشراف عليه، فلا يجمل به أن يعصي ربه فيما استودعه إياه. انظر إلى هذه الآيات التي رتبناها ترتيباً منطقياً والتي قرَّرت هذه الحقيقة:
فالله مالك السماوات والأرض: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 189). وهو الذي يرزق جميع الناس: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (فاطر/ 3).
والناس مكلفون بالإنفاق مما رزقهم الله من الأموال التي جعلهم خلفاء في التصرف فيها، فالمال ليس مالهم في الحقيقة وما هم منها إلا بمنزلة الوكلاء:
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد/ 7). (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/ 10). (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور/ 33).
وعلى هذا يجمل بالبشر أن لا يتأخروا عن تنفيذ أمر الله في ماله الذي استودعهم إياه، وإذا أُمروا أن يؤتوا منه فئات من الناس محتاجة فعليهم أن يبادروا إلى ذلك.
الإحسان قرضٌ للهِ:
والقرآن حضّ على الإحسان ورغّب فيه بأسلوب في غاية الروعة، من ذلك قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد/ 11).
فأي تلطف من الله في هذا التعبير حين يجعل الإحسان بمثابة الإقراض لله، وإنما يقترض المحتاج والله غني عن العالمين الذي له ملك السماوات والأرض ومن فيهنّ، وانما جاء التعبير في هذه الصورة نيابة عن الفقراء والمحتاجين ودفاعاً عنهم، وما قيمة امرىء يبخل بإقراض بعض المال لواهبه الذي سيرده له حتماً أضعافاً مُضاعفة. ثمّ يختم الله هذه الآية بقوله: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) (البقرة/ 245)، فلو شاء لأغنى فقيراً وأفقر غنياً فإنّ الأمر كله بيده.
مَوردٌ للفقراء لا حدَّ له:
والإسلام جعل للفقير مورداً لا حدّ له عن طريق الكفارات التي فيها معنى العقوبة أو البدل أو جبر الناقص. مثال ذلك:
يحلف الرجل يميناً أن يفعل شيئاً أو يتركه ثمّ يعدل عن ذلك، فإنّه في هذه الحالة ملزم بإطعام عشرة مساكين يوماً واحداً مما جرت به العادة أن يأكله هو وأهله، أو كسوتهم أو تحرير إنسان من الرق. ويعجز الرجل عن صوم رمضان لسقم أو هرم فيفطر، فعليه مقابل ذلك أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
ويخل الحاج بشرط من شروط الحج فيكفّر عنه بذبيحة يقدمها للمساكين.
ويقبل عيد الصوم فتجب زكاة الفطر على كل مسلم، كما يجب أو يسنّ على القادر المستطيع ذبح ضحية في عيد الأضحى ليطعم منها الفقراء.
وينذر المسلم لله نذراً فيوجب عليه الإسلام أن يفي به براً بالفقراء وعوناً لهم.
ويعجز الرجل عن تكاليف العيش لسبب اضطراري فيوجب الإسلام على قريبه الثري أن ينفق عليه: فينفق الابن على الأب، والأب على الابن، والأخ على الأخت، والزوج على الزوجة.
كما أنّ الإسلام شرع الوقف ليصرف ريعه في وجوه البرّ عامة.
هذا بعض تشريع الإسلام الاقتصادي الذي غايته التقريب والتوفيق بين الطبقات المختلفة والقضاء على الفقر. ولو أردنا الأسهاب في شرح ما جاء في القرآن والسُنّة لضاق بنا هذا البحث ولكن أحببنا أن نعطي صورة لبعض أصول القرآن الرئيسية التي تشهد بعظمته وسموّ مصدره الإلهي وصلاح هذه الأصول لكل زمانٍ ومكانٍ.
------------------------
الهوامش:
[1]- الدين: قيل معناه الإسلام، وقيل: الجزاء والحساب في الآخرة.
[2]- يدع: يدفعه عن حقه وماله بالظلم، ويزجره ويضربه.
[3]- يحض: يحث.
[4]- سقر: جهنم.