بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
************************

كان الامام الصادق ( عليه السلام ) منصرفا عن الصراع السياسي المكشوف الى بناء المقاومة بناءً علميا وفكريا وسلوكيا يحمل روح الثورة، ويتضمن بذورها لتنمو بعيدة عن الانظار وتولد قوية راسخة وبهذه الطريقة راح يربّي العلماء والدعاة وجماهير الامة على مقاطعة الحكام الظلمة ، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احكام الشريعة ومفاهيمها ، ويثبت لهم المعالم والاسس الشرعية الواضحة، كقوله ( عليه السلام ) :
من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، فان دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته
( العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم ) ، واستفاد الإمام الصادق ( عليه السلام ) من حالة الارتباك والفوضى التي سادت أوضاع الدولة الإسلامية ما بين نهايات الحكم الأموي وبدايات الحكم العباسي وسمحت الظروف السياسية والاجتماعية في هذه الفترة للإمام ، لأن يقوم بواجبه عن طريق نشر العلوم والآثار الإسلامية وتربية التلاميذ ، وأن يستكمل بناء تلك الجامعة الكبرى التي وضع والده الكريـم أساسها.
ولد الامام ابو عبد الله جعفرالصادق (عليه السلام) بالمدينة المنورة يوم17 من شهر ربيع الأول عام 80 هـ وهو السادس من أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) ودامت فترة إمامته ثلاث وأربعون سنة وقد نسب إليه الشيعة الاثنى عشرية، فيقال لهم ايضا ( الجعفرية ).
وكانَتْ ولادَتُه ( عليه السلام ) في زمن الأموي عبد الملك بن مَرْوان وتربَّى في أحضان أبيه الإمام الباقر وجَدِّه الإمام السجَّاد ( عليهما السلام ) وعنهما أخذَ ( عليه السلام ) علوم الشريعةِ ومعارِفَ الإسلام .
حيث كانت حياة الامام ما بين عام 83 و148 هـ فقد قارنت شطراً من حياة الامام السجاد وأيام امامته، حيث كانت امامته ما بين عام 61 و95 هـ ، فقد عاش معه أثنى عشر سنة ، ثم عايش إمامة أبيه الباقر عليه السلام التي شرعت عام 95 هـ إلى عام 114هـ
أن الامام الصادق ( عليه السلام ) هو استاذ العلماء وامام الفقهاء وهو امام عصره كما هو امام العصور واستاذ الاجيال ، و قد انصرف هو وابوه الباقر ( عليه السلام ) لانشاء مدرسة أهل البيت العلمية في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) في المدينة المنورة ، ثم استمر في تنمية هذه الجامعة العلمية ومواصلة حماية الشريعة ، وحرية الرأي والبحث ما تميزت به مدرسة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على المذاهب الأخرى ...
أن المذهب الكاثوليكي بقي طوال ألف سنة في حالة من الركود والافتقار إلى النشاط الفكري، و المذهب الأرثوذكسي لا يختلف اليوم عما كان عليه في القرن الثاني الميلادي في أنطاكية.
وقبل نهاية القرن الثاني الهجري أرسى الثقافة والمعارف الشيعية الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، فاصبحت هذه الثقافة نموذجاً لحرية الرأي والبحث ، فاقتدت الفرق الإسلامية الأخرى بالشيعة في المباحث الكلامية والعلمية ، وحرية البحث في أمور الدين ، فقد بدأت في الإسلام بعصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وبعد انتشار المذهب الجعفري.
وقد تولى الإمام الصادق ( عليه السلام ) بنفسه تدريس هذه العلوم، ولم يستبعد منها الفلسفة أو الحكمة أو العرفان، لأن هذه العلوم كانت تمثل المبادئ والمجادلات التي يستعان بها في إثبات حقيقة الله والكون ، وهي علوم كانت قد وصلت فعلاً إلى المدينة .
وقد ابتدأ الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بتدريس مبادئ الفلسفة أو أسلوب الاستدلال والجدل المنطقي، وكانت مباحث الفلسفة في مدرسته تتناول في بادئ الأمر آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو ونظريتهم .
وأن مجلس الإمام الصادق ( عليه السلام ) ومدرسته كانا يمثلان منبراً حراً لتلامذته ومريديه ، لهم أن يسألوا ، ولهم أن يعترضوا ، ولهم أن يعبروا عن آرائهم وإحساساتهم بحرية تامة ، كما أن من حقهم أن ينتقدوا آراء أساتذتهم، ولم يكن الإمام يفرض على تلامذته رأياً معيناً ، ولا كان يطلب منهم الإذعان لرأيه، ومع ذلك، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بإذعانهم ، بالنظر إلى الأسلوب العلمي الذي كان الإمام يتوسل به للتدليل على رأيه بالحجة الناصعة والمنطق السليم والبيان الرائق.
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يؤمن بما يقول ، ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات ، ولهذا لم يتوسل أبداً في دروسه بأسلوب ( البوتوبيا ) ، الذي سيطر على تفكير المجتمع الأوروبي منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، ومن هنا انتفت من دروس الإمام الصادق ( عليه السلام ) أي دعوة إلى قيام حكومة مثالية لا تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري.
ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرسته الاهداف الاتية:
اولاً: حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأت كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة
ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثاني لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وجهوده فهو نشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع ، وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها
أن المنهل العلمي للمذاهب الأربعة السنية مصدره الامام الصادق ( عليه السلام ) وسنقراء أقوالهم في وصف الامام عليه السلام من الاحترام والتوقير ، ولابد من ايضاح مسئلة قبل الحديث في هذا الموضوع ... وهي في القرن السادس الهجري أصدر الخليفة العباسي المنتصر بالله امرا بإغلاق باب الاجتهاد وحصر التقليد في المذاهب الفقهية الأربعة لدى السنة
وكان من تلاميذ الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) التالي ذكرهم :
1 ـ أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ... وهو أحد المذاهب الأربعة عند أبناء السنّة، وحاله أشهر من أن يُذكر ، يقول أبو حنيفة: ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ... ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس
2ـ أحمد بن حنبل وهو آخر المذاهب الأربعة
3 ـ محمد بن إدريس الشافعي المولود في غزة
4 ـ مالك بن أنس المدني أحد المذاهب الأربعة وهو يمني الأصل ، يقول مالك بن أنس ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً )
5 ـ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي وكان أحد تلامذة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام وهو أحد الأئمة المجتهدين
6 ـ يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي
7 ـ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكّي
8 ـ أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري
9 ـ شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم :
يا سيداً أروي أحاديثه رواية المستبصر الحادق كأنني أروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق .
10 ـ محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير
11 ـ سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي
12 ـ أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري) .
13 ـ جابر بن حيان المعلم الرياضي الشهير
ألّف زهاء خمسمائة رسالة في الرياضيات كلها من إملاء الإمام الصادق ( عليه السلام )
وقد قال علماء ابناء السنة في الامام الصادق ( عليه السلام ) :
1 ـ ابن حجر العسقلاني ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقيه صدوق )
2 ـ أبو بحر الجاحظ ( جعفر بن محمد ، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال: أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب )
3 ـ عبدالرحمن بن الجوزي ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين كان مشغولاً بالعبادة عن حب الرئاسة )
4 ـ أبو المظفر يوسف شمس الدين ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وكنيته أبو إسماعيل ويلقّب بالصادق والفاضل ، وأشهر ألقابه الصادق
5 ـ أحمد بن حجر الهيثمي ( جعفر الصادق روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السجستاني )
6 ـ محمد بن طاهر بن علي المقدسي ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكنيته أبو عبدالله وقيل: أبوإسماعيل وألقابه الصادق والفاضل والطاهر وأشهرها الأول، نقل اُناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة )
7 ـ وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756 ـ 822 هـ ) : اتفقوا على جلالة الصادق ( عليه السلام ) وسيادته
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادق ( عليه السلام ): إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: ( ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات
وقد قال المؤرخ الشهير أبو نعيم الأصفهاني : ( روى عن جعفر عدة من التابعين منهم : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوب السختياني ، وأبان بن تغلب ، وأبو عمـرو بن العلاء ، ويزيد بن عبد اللـه بن هاد ، وحدث عنه الأئمة الأعلام : مالك بن أنس ، وشعبة الحجـــــاج ، وسفيان الثوري ، وابن جريح ، وعبد اللـه بن عمر ، وروح بن القاسم ، وسفيان بن عيينه ، وسليمان بن بلال ، وإسماعيل بن جعفر ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد العزيز بن المختار ، ووهب بن خالد ، وإبراهيم بن طهمان ، في آخرين ، وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجاً بحديثه
ومن حكم الامام الصادق ( عليه السلام
ـ كثرة النظر في العلم يفتح العقل
ـ من هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه
ـ إِن هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .