تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الباري عز وجل في الكتاب الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[1].اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
يسأل القارئ للقرآن مَنْ المقصود بالعبارة الإلهية ﴿خَلِيفَةً﴾ فيأتي الجواب من أحاديث اهل البيت عليهم السلام: -
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: ((قالَ الله تعالى في مُحكَمِ كِتابِه: ﴿وإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفَة﴾ فَكَانَ آدَمُ أوَّلَ خَلِيفَةِ الله)).[2]
الخليفة في العرف لها معنيان أحدهما كونها خلفا لمن كان قبلها وثانيها كونها مدّبرا للأمور من قبل غيره. أمّا الأوّل: فكما إذا استخلف إمام جماعة غيره في غيابه ليصلّي في مسجده ويأتمّ النّاس به فحسب ولم يفوّض اليه تدبير أمور المسجد وغيره فهو أي الخليفة يصلّي وينصرف. أمّا الثاني: فكما إذا استخلف السّلطان غيره في غيابه لتدبير أمور المملكة وقد يجتمعان معا كما هو واضح وعليه فتكون خلافة آدم لله تعالى لتدبير الأمور إذ لا معنى لخلافته بالمعنى الأول نعم في خلافة داود يتصوّر هذا المعنى بأن يقال أنّه كان خلفا لمن كان قبله من الرّسل وامّا في حقّ آدم فلا إذ لم يكن قبله رسول بل ولا إنسان ليكون خلفا له فهو خليفة الله في تدبير الأمور فكلّما أمر أو نهى فكأنّ الله أمر ونهى فأمره أمر الله ونهيه وطاعته طاعة الله ومعصيته وهكذا وهذا المعنى جار في جميع الأنبياء و الأوصياء الّذين هم خلفاء الله في أرضه
وعن رسولُ الله صلى الله عليه وآله: ((مَن أمَرَ بالمَعروفِ ونَهى عنِ المُنكَرِ هُو خَليفَةُ الله في الأرضِ، وخَليفَةُ كِتابهِ، وخَليفَةُ رسولِهِ)).[3]
والآيات قد جعلت الخلافة صفة للمجتمع البشري، وجعلت البشريّة كلَّها خليفة لله تعالى، ولكنّ هذا لا يعني حكم البشريّة نفسها بنفسها أو انتخابها لمن يقودها.
فمعنى أنّ البشريّة خليفة الله هو: أنّ هدف الله تبارك وتعالى ـ وهو عمران الأرض بشكل يكون كمقدّمة للآخرة ـ لابدّ أن تحقّقه كلّ البشريّة، فمنهم مَن يكون قائداً، ومنهم من يكون فلاّحاً، ومنهم من يكون عارفا لله عابدا له، ومنهم مرشداً أو معلّماً.
قال الإمامُ عليٌّ عليه السلام- في صِفَةِ مَن يَحفَظُ اللَّهُ بِهِم حُجَجَهَ وبَيِّناتِهِ: ((هَجَمَ بِهمُ العِلمُ على حَقيقَةِ البَصيرَةِ، وَباشَرُوا رُوحَ اليقَينِ، واستَلانُوا ما استَعوَرَهُ المُترَفُون، وأنِسُوا بِما اسْتَوحَشَ مِنهُ الجاهِلُونَ، صَحِبُوا الدُّنيا بأبْدانٍ أرواحُها مُعَلَّقةٌ بالمَحَلِّ الأعلى، اُولئِكَ خُلَفاءُ الله في أرضِهِ والدُّعاةُ إلى دِينِه آهٍ آهٍ شوقاً إلى رُؤيَتِهم))[4].
أمّا حينما تستعمل الخلافة في القرآن بمعنى القيادة، وبالذات بمعنى الحكم، فإنّنا نرى أنّها لا تُنسَب إلى البشريّة، وإنّما تنسب إلى شخص معيَّن، من قبيل قوله تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾[5].
فالخلافة هنا بمعنى الحكم؛ بدليل قوله تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾، فنرى هنا أنّ الخلافة عندما استعملت بمعنى الحكم فإنّها لم تنسب إلى الناس جميعاً أو إلى البشريّة كما نُسبت في الآيات السابقة، وإنّما نُسبت إلى شخص داود (عليه السلام) الذي هو معيّن من قبل الله تبارك وتعالى، ولم يكن للناس أيّ دخل في تعيينه.
وعنه عليه السلام: ((أنَا والحَسنُ والحُسَينُ وَتِسعَةٌ مِن وُلْدِ الحُسَينِ عليه السلامُ، خُلَفاءُ اللهِ في أرضِهِ، واُمَناؤُهُ عَلى وَحْيهِ، وأَئمَّةُ المُسلِمينَ بعدَ نَبِيِّهِ، وَحُجَجُ اللَّهِ على بَرِيَّتِه)).[6]
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام : ((لَم تَخلُ الأَرضُ مُنذُ خَلَقَ اللّهُ آدَمَ مِن حُجَّةٍ لله فيها ، ظاهِرٍ مَشهورٍ أو غائِبٍ مَستورٍ، ولا تَخلو إلى أن تَقومَ السّاعَةُ مِن حُجَّةِ الله فيها، ولَولا ذلِكَ لَم يُعبَدِ الله)).[7]
[1] سورة البقرة، الآية: 30.
[2] مائة منقبة، 114.
[3] مستدرك سفينة البحار، ج 7، ص 184.
[4] نهج البلاغة، الحكمة: 144.
[5] سورة ص، الآية: 26.
[6] مائة منقبة، 83.
[7] كمال الدين، ص 207، ح 22.
تعليق