بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾[1].
إذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجد آيات كثيرة تتحدّث عن اليهود ولكنّ أكثرها في سورة البقرة، لأنّها أوّل سورة نزلت في المدينة كما يصرّح بعض العلماء، واليهود كانوا أشهر مجموعة من أهل الكتاب في المدينة وكانوا قبل ظهور النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) ينتظرون رسولاً بشّرت به كتبهم الدّينيّة، كما أنّهم كانوا يتمتّعون بمكانة اقتصاديّة مرموقة ولذلك كان لليهود نفوذ عميق في المدينة.
فالآية تذكّر اليهود بنعم الله الكثيرة عليهم ومنها اختيار الأنبياء منهم كموسى وهارون ويوشع وداوود وسليمان وأيّوب وعزير وزكريّا ويحيى صلوات الله عليهم أجمعين وغيرهم ومريم أمّ عيسى (عليهما السّلام) إسرائيليّة ينتهي نسبها إلى داوود ولكنّ اليهود لا يعترفون بالسّيّد المسيح ابن مريم (عليهما السّلام) ويزعمون أنّ المسيح المذكور بالتّوراة لم يأت بعد.
ومنها تشريفهم بالتّوراة والزّبور، وتحريرهم من فرعون، ونجاتهم من الغرق، وإنزال المنّ والسّلوى عليهم، وإعطاءهم الملك والسّلطان في عهد سليمان، وغير ذلك ممّا يستوجب الإيمان والشّكر لا الإنكار والكفر كما فعلوا بنقضهم للعهد والميثاق كما يظهر القرآن الكريم
فتحدثنا الآية الكريمة أعلاه عن العهد الذي أخذه الله من بني إسرائيل على أن يعملوا بأحكامه، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويؤمنون برسل الله وينصرونهم ويبذلون المال في سبيله تعالى فيجزيهم بأمرين هما: العفو عن السيئات، وإدخالهم الجنة، هذا ميثاقه الذي بيّنه القرآن وبعده خاطبهم: ﴿فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبيل﴾ والعاقبة هي الخزي والخذلان فنقضوا كل عهد وميثاق، وذلك سمة لهم لا تفارقهم أبداً، كما أن لعنة اللَّه عليهم لا تنفك عنهم أبداً، للتلازم بين نقض العهد واللعنة الإلهية، فصحّ أن يوصفوا على الدوام بأنهم الأمة الملعونة أي المبعدة عن رحمة اللَّه وسبب ذلك عصيانهم ونقضهم وطغيانهم وعتوّهم، ولم ينكروا ما جهلوه وإنما أنكروا ما عرفوه وكفروا به يقول عزّ من قائل: ﴿... فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[2]، فمن أبرز صفاتهم العناد والاستكبار الذي كانوا عليه بالأمس وهم اليوم كذلك لم يتغيروا، حتى صار هذا الأمر هوية شخصيتهم بكل ما تحمل من أباطيل وأقاويل، وافتراءات على اللَّه وأنبيائه.
بنود هذا العهد الّذي أقرّ به بنو إسرائيل ونقضوه على الشّكل التّالي:
1 - التّوحيد وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.
2 - وبالوالدَيْن إحسانًا.
3 - الإحسان إلى الأقارب واليتامى والفقراء.
4 - التّعامل الصّحيح مع الآخرين.
5 - إقامة الصّلاة.
6 - إيتاء الزّكاة.
وزادوا عليها ب:
1- سفك الدّماء. 2- عدم إخراج بني جلدتكم من ديارهم. 3- إفداء الأسرى، أيْ بذل المال لتحريرهم من الأسر.
وهو ما أشارت اليه الآيتان: 83-84 من سورة البقرة المباركة.
ويذكر العهد من جهة أخرى وهي أهم: فيروى عن ابن عباس: ان ابن صوريا القطراني قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بيّنة فنتّبعك لها، وقد كانوا ينكرون العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبيّ الاُمّي.
فأنزل الله سبحانه في ردّهم: ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ*أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[3].[4]
ورُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ((كَانَ قَوْمٌ مِنَ اَلْيَهُودِ لَيْسُوا مِنَ اَلْمُعَانِدِينَ اَلْمُتَوَاطِئِينَ إِذَا لَقُوا اَلْمُسْلِمِينَ حَدَّثُوهُمْ بِمَا فِي اَلتَّوْرَاةِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَنَهَاهُمْ كُبَرَاؤُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالُوا أَتُخْبِرُونَهُمْ بِمَا فِي اَلتَّوْرَاةِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ)).[5]
[1] سورة البقرة، الآية: 40.
[2] سورة البقرة، الآية: 89.
[3]سورة البقرة، الآيتان: 99-100.
[4] التبيان، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 365.
[5] بحار الأنوار، ج 9، ص 65.