بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[1].
أي: اذكروا تفضيلي آباءكم عَلَى اَلْعٰالَمِينَ أي: عالمي زمانهم، لأنّ أمّتنا أفضل الأمم بالإجماع، كما أنّ نبيّنا عليه السّلام أفضل الأنبياء.
وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعٰالَمِينَ هُنَاكَ، أَيْ فَعَلْتُهُ بِأَسْلاَفِكُمْ، فَضَّلْتُهُمْ دِيناً وَدُنْيَا: فَأَمَّا تَفْضِيلُهُمْ فِي الدِّينِ فَلِقَبُولِهِمْ وَلاَيَةَ نبوة مُحَمَّدٍ وَولاية عَلِيٍّ وَآلِهِمَا الطَّيِّبِينَ صلوات الله عليهم اجمعين، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنِّي ظَلَّلْتُ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَسْقَيْتُهُمْ مِنْ حَجَرٍ مَاءً عَذْباً، وَفَلَقْتُ لَهُمُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَيْتُهُمْ، وَأَغْرَقْتُ أَعْدَاءَهُمْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، وَفَضَّلْتُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمُ الَّذِينَ خَالَفُوا طَرَائِقَهُمْ، وَحَادُوا عَنْ سَبِيلِهِمْ.
ولعل السائل يسأل لماذا تفضيلهم؟
والجواب: أمّا بالنسبة للنعم والتفضيل فان الانعام على الاسلاف نعمة على الخلف ايضا خصوصا فيما يعود الى التفضيل والاكرام فان ذلك يدل على تكريم القوم لا الاشخاص فيشمل المتأخرين وهناك من النعم ما كانت باقية في الاجيال المتأخرة وان تغيرت معالمها كالكتاب الالهي الذي ارسله إليهم والاحكام الشرعية والعلوم التي تداولوها فيما بينهم.
وأمّا بالنسبة للكفر والجرائم فإنّ المتأخرين منهم كانوا راضين بما فعله أسلافهم ويفتخرون بها ويعتبرون ذلك من مجد الآباء والاجداد فيصح اسنادها اليهم كما ورد في كلام امير المؤمنين عليه السلام (اَلرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ)[2]، وليس هذا من جهة كونهم من اسلافهم ولذلك لا ينسب الى المسلمين العرب ما فعله اسلافهم في الجاهلية بل ما فعله المسلمون الاوائل.
وفي تكرار هذا المنّ عليهم بالنعم وجوه:
الأوّل: أنّه تأكيد على ذلك.
الثاني: أنه مقدمة لأمرهم بالتقوى فاراد قبل ذلك ان يذكّرهم بنعمه وبتفضيلهم على العالمين ليكون في ذلك تليين لقلوبهم حتى يقبلوا الموعظة فان الانسان لا يحب ان يوعظ ويعتبر ذلك تعريضا به كما قال تعالى نقلا عن النبي صالح عليه السلام ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾.[3]
الثالث: فيه حثّ بليغ على التقوى بسبب انهم ممن فضّلهم الله تعالى على العالمين ولذلك يقال في تربية الطفل ان من الاسباب التي يحثّه على تصحيح مساره تذكيره بسوابقه الحسنة.
الرابع: فيه تذكير بأنّهم بنو اسرائيل وهو نبيّ كريم فلا ينبغي لهم أن يسيروا على منهج مخالف لمنهجه.
الخامس: في إسناد النعم والتفضيل الى نفسه تعالى بضمير المفرد المتكلم عناية خاصة بهم كأنّه تعالى أنعم عليهم وفضّلهم مباشرة ومن دون واسطة.
السادس: فيه تحذير لهم بان هذا التفضيل ربما يسحب منكم ان لم تتّـقوا الله تعالى ويعود الى غيركم وهم المسلمون فانهم اذا فازوا عليكم بالتقوى سيكون لهم الفضل عليكم كما وجّه نفس هذا التحذير الى هذه الامة في قوله تعالى ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾.[4]
ويقع السؤال عن وجه التفضيل مع انه تعالى قال بشأن هذه الامة ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.[5]
قيل ان التفضيل بلحاظ الامم في ذلك الزمان ولا يشمل الامم المتأخرة فالخطاب وان وجه الى معاصريهم من المسلمين الا ان المراد تفضيل اسلافهم على معاصريهم وهذا يعود بالفخر والمجد على أخلاقهم ولكن لا يعني تفضيلهم على المعاصرين.
ويمكن ان يكون التفضيل بمعنى تخصيصهم بنعم خاصة كوجود الانبياء في قومهم ونزول التوراة عليهم وإنجائهم من فرعون ونزول الآيات البينات والمعاجز عليهم وغير ذلك مما اختصوا بها. كما قال تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾.[6]
وعليه فالترجيح ليس في الامور المعنوية والقرب لدى الله تعالى. ويلاحظ أنّه ترجيح للمجموع لا للأفراد فلا ينافي وجود افراد في غيرهم أفضل من جميعهم.
[1] سورة البقرة، الآية: 47.
[2] نهج البلاغة، الحكمة: 154.
[3] سورة الأعراف، الآية: 79.
[4]سورة محمد، الآية: 38.
[5]سورة آل عمران، الآية: 110.
[6] سورة المائدة، الآية: 20.