ليلة ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة تتنزل رحمة الله تعالى على العباد، ففيهما دحيت الارض ونُصبت الكعبة، وهبط آدم عليه السلام. وولد فيها عيسى بن مريم (عليه السلام) (1)،. ووُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السَّلام) (2).
قال الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام):: وَهُو أَوَّلُ يَوْمٍ أُنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى آدَمَ (عليه السَّلام) (3).
وقد ورد في كتب الادعية والزيارات مَن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهراً. (4).
قال الله تبارك وتعالى (لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)(5).
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ). (6).
ويقول تعالى: (ُهو الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.)(7).
يلاحظ تكرار مفردات الآيات الكريمة التالية (خلق السماوات والارض)، وتقديم السماوات إشارة الى ترتيب البناء، فالسماوات قبل الارض.
وقد ورد في محكم كتابة الكريم: والأرضَ بعدَ ذلك دَحاها. (8)، والأرضِ وماطَحاها (9).
في كتب اللغة معنى مفردات (دحاها وطحاها):
1. في مجمع البحرين والمفردات في غريب القرآن:
دحاه أزاله عن مقرّه، أو جرَفه، أو رمى به بقهر.
أمّا طحا بسط فوسع، والطحا: المنبسط من الأرض، والطاحي الممتدّ، وقيل أيضاً: الطَّحْو كالدَّحْو، وهو بسط الشيء والذَّهاب به (10).
2. في مقايس اللغة دحو، الدال والحاء والواو أصلٌ واحد يدلُّ على بَسْطٍ وتمهيد. يقال دحا الله الأرضَ يدحُوها دَحْواً، إذا بَسَطَها. ويقال دحا المطرُ الحَصَى عن وجْه* الأرض. وهذا لأنّه إذا كان كذا فقد مهّد الأرض.
3. في لسان العرب لابن منظور دحا
الدَّحْوُ: البَسْطُ. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها.
وقال الفراء في قوله عز وجل: والأَرض بعد ذلك دَحاها، قال: بَسَطَها.
والدَّحْو البَسْطُ. يقال: دَحَا يَدْحُو ويَدْحَى أَي بَسَطَ ووسع.
وما طحا
طَحَاه طَحْواً وطُحُوّاً: بسطه.
وطَحَى الشيء يَطْحِيه طَحْياً: بَسَطَه أَيضاً. الأَزهري: الطَّحْو كالدَّحْو، وهو البَسْطُ، وفيه لغتان طَحَا يَطْحُو وطَحَى يَطْحَى.
والطَّاحِي: المُنْبَسِطُ.
وفي التنزيل العزيز: والأرضِ وما طَحاها؛ قال الفراء: طَحاها ودَحاها واحدٌ.
4. الصّحّاح في اللغة دحا
دَحَوْتُ الشيء دَحْواً: بسطته.
ودَحا المطرُ الحصى عن وجه الأرض.
وكما نرى المعنى واحد في معاجم اللغة (بسط الارض).
قال الله تعالى في كتابه الكريم: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (11) وايضا: الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى(12).
يقول الامام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة:
كبَسَ الأرضَ على مَوْر أمواجٍ مُستَفحِلة، ولُججِ بحارٍ زاخرة، تَلتطمُ أواذِيُّ أمواجِها، وتَصطفِقُ مُتَقاذِفاتُ أثباجِها، وتَرغوزبَداً كالفُحول عند هِياجها، فخَضعَ جِماحُ الماء المتلاطم لثِقَل حملها، وسكنَ هَيْجُ ارتمائه إذا وطِئتْه بكَلْكَلِها، وذلّ مُسْتخذِياً إذ تمعّكت عليه بكواهلِها، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه، ساجياً مقهوراً، وفي حَكَمة الذُّلّ منقاداً أسيراً، وسكنت الأرض مَدْحُوّةً في لُجّة تيارِه(13).
مختصر شرح الآيات الواردة اعلاه بكتاب الميزان في تفسير القران مانصه: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ..
قوله: «والأرض بعد ذلك دحاها» أي بسطها ومدها بعد ما بنى السماء ورفع سمكها وسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها.
وقيل: المعنى والأرض مع ذلك دحاها كما في قوله: «عتل بعد ذلك زنيم» أن الدحو بمعنى الدحرجة.
قوله: «أخرج منها ماءها ومرعاها» قيل: المرعى يطلق على الرعي بالكسر فالسكون وهوالكلأ كما يجيء مصدرا ميميا، واسم زمان ومكان، والمراد بإخراج مائها منها تفجير العيون وإجراء الأنهار عليها، وإخراج المرعى إنبات النبات عليها مما يتغذى به الحيوان والإنسان فالظاهر أن المراد بالمرعى مطلق النبات الذي يتغذى به الحيوان والإنسان كما يشعر به قوله: «متاعا لكم ولأنعامكم» لا ما يختص بالحيوان كما هو الغالب في استعماله.
وقوله: «والجبال أرساها» أي أثبتها على الأرض لئلا تميد بكم وادخر فيها المياه والمعادن كما ينبئ عنه سائر كلامه تعالى.
وقوله: «متاعا لكم ولأنعامكم» أي خلق ما ذكر من السماء والأرض ودبر ما دبر من أمرهما ليكون متاعا لكم ولأنعامكم التي سخرها لكم تتمتعون به في حياتكم فهذا الخلق والتدبير الذي فيه تمتيعكم يوجب عليكم معرفة ربكم وخوف مقامه وشكر نعمته فهناك يوم تجزون فيه بما عملتم في ذلك إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا كما أن هذا الخلق والتدبير أشد من خلقكم فليس لكم أن تستبعدوا خلقكم ثانيا وتستصعبوه عليه تعالى.
يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة هو يوم بسط الأرض تحت الكعبة
قال الإمام الباقر (عليه السلام): لمّا أراد الله تعالى أن يخلق الأرض، أمرَ الرياح فضرَبنَ وجهَ الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبَد فصار زبداً واحداً، فجمعَه في موضعِ البيت ثمّ جعله جبلاً عن زبَد، ثمّ دحا الأرض مِن تحته، وهو قول الله تعالى: إنّ أوّل بيتٍ وُضِعَ للناسِ لَلّذي ببكّةَ مُباركاً. (14).
وعندما ذكر البيت العتيق قال(عليه السلام): إنّ الله خلقه قبل الأرض، ثمّ خلق الأرضَ مِن بعده فدحاها مِن تحته (15).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ الله تعالى دحا الأرض مِن تحت الكعبة إلى مِنى، ثمّ دحاها مِن مِنى إلى عَرَفات، ثمّ دحاها من عَرَفات إلى مِنى. فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة. (16).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: وعلّة وضع البيت (أي الكعبة المشرّفة) وسطَ الأرض؛ أنّه الموضع الذي مِن تحته دُحيت الأرض... وهي أوّل بقعةٍ وُضعت في الأرض؛ لأنّها الوسط، ليكون الغرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء. (17).
وهذه الليلة واليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة يستحب فيه ادء بعض الاعمال العبادية منها:
1. ليلته... الغسل.
2. التقرب الى الله تعالى بالصلاة والدعاء بالمأثور.
3. نهارها: استحباب الصيام عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السَّلام) قَالَ: " أَوَّلُ رَحْمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وقَامَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَهُ عِبَادَةُ مِائَةِ سَنَةٍ صَامَ نَهَارَهَا وقَامَ لَيْلَهَا " (18).
4. الصلاة:
ركعتان تُصلّى عند الضحى، بالحمد مرّة، والشمس خمس مرّات، وتقول بعد التسليم: «لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلا بِاللهِ الْعَلىِّ الْعَظيمِ»، ثمّ تدعو وتقول: «يا مُقيلَ العَثَراتِ اَقِلْني عَثْرَتي، يا مُجيبَ الدّعَواتِ اَجِبْ دَعْوَتي، يا سامِعَ الاَْصْواتِ اِسْمَعْ صَوْتي، وَارْحَمْني وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتي، وَما عِنْدي يا ذَا الْجَلالِ وَالاكْرامِ»
الدعاء:
يستحبّ أن يُدعى في هذا اليوم بهذا الدعاء:
«اللّهمّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبّةِ، وَصارِفَ اللّزْبَةِ، وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَة، اَسْاَلُكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ اَيّامِكَ الّتي اَعْظَمْتَ حَقّها، وَاَقْدَمْتَ سَبْقَها، وَجَعَلْتَها عِنْدَ الْمُؤْمِنينَ وَديعَةً، وَاِلَيْكَ ذَريعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الْوَسيعَةِ، اَنْتُصَلِّيَ عَلى مُحَمّد عَبْدِكَ الْمُنْتَجَبِ فِى الْميثاقِ الْقَريبِ يَوْمَ التّلاقِ، فاتِقِ كُلِّ رَتْق، وَداع إِلى كُلِّ حَقِّ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الاَْطْهارِ الْهُداةِ الْمَنارِ دَعائِمِ الْجَبّارِ، وَوُلاةِ الْجَنّةِ وَالنّارِ، وَاَعْطِنا في يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ المخزوُن غَيْرَ مَقْطوُع وَلا مَمْنوُع، تَجْمَعُ لَنا بِهِ التّوْبَةَ وَحُسْنَ الاَوْبَةِ، يا خَيْرَ مدْعُوٍّ، وَاَكْرَمُ مَرْجُوٍّ.
يا كَفِيُّ يا وَفِيُّ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ اُلْطُفْ لي بِلُطْفِكَ، وَاَسْعِدْني بِعَفْوِكَ، وَاَيِّدْني بِنَصْرِكَ، وَلا تُنْسِني كَريمَ ذِكْرِكَ بِوُلاةِ اَمْرِكَ، وَحَفَظَةِ سِرِّكَ، وَاحْفَظْني مِنْ شَوائِبِ الدّهْرِ إِلى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنّشْرِ، وَاَشْهِدْني اَوْلِياءِكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسي، وَحُلُولِ رَمْسي، وَانْقِطاعِ عَمَلي، وَانْقِضاءِ اَجَلي.
اللّهمّ واذْكُرْني عَلى طُولِ الْبِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ اَطْباقِ الثّرى، وَنَسِيَنِى النّاسُونَ مِنَ الْوَرى، وَاحْلِلْني دارَ الْمُقامَةِ، وَبَوِّئْني مَنْزِلَ الْكَرامَةِ، وَاجْعَلْني مِنْ مُرافِقي اَوْلِيائِكَ وَاَهْلِ اجْتِبائِكَ وَاصْطَفائِكَ، وَباركْ لي في لِقائِكَ، وَارْزُقْني حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الاَجَلِ، بَريئاً مِنَ الزّلَلِ وَسوُءِ الْخَطَلِ، اللّهمّ وَاَوْرِدْني حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاسْقِني مِنْهُمَ شْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنيئاً لا اَظْمَأُ بَعْدَهُ وَلا اُحَلاّ وِرْدَ هُوَلا عَنْهُ اُذادُ، وَاجْعَلْهُ لي خَيْرَ زاد، وَاَوْفى ميعاد يَوْمَ يَقُومُ الاَشْهادُ.
اللّهمّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأوّلينَ وَالاْخِرينَ، وَبِحُقُوقِ اَوْلِيائِكَ الْمُسْتَأثِرِينَ، اللّهمّ وَاقْصِم ْدَعائِمَهُمْ وَاَهْلِكْ اَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ، وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ، وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ، وَالْعَنْ مُساهِمَهُمْ وَمُشارِكَهُمْ.
اللّهمّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ، وَاَظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ، وَاجْعَلْهُ لِدينِكَ مُنْتَصِراً، وَبِاَمْرِكَ في اَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً اللّهمّ احْفُفْهُ بِمَلائِكَةِ النّصْرِ وَبِما اَلْقَيْتَ اِلَيْهِ مِنَ الاَمْرِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مُنْتَقِماً لَكَ حتّى تَرْضى وَيَعوُدَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَديداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الْحَقّ مَحْضاً، وَيَرْفُضَ الْباطِلَ رَفْضاً.
اللّهمّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَميعِ آبائِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاُسْرَتِهِ، وَابْعَثْنا في كَرّتِهِ حتّى نَكُونَ في زَمانِهِ مِنْ اَعْوانِهِ.
اللّهمّ اَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ، وَاَشْهِدْنا اَيّامَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ اِلَيْنا سَلامَهُ، وَالسّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ. ـ
...................................
المصادر والهوامش
(1). تهذيب الأحكام ج1| 306 وسائل الشيعة: 10/450.. حديث الصَّيقل عن الامام الرضا (عليه السلام).
(2) وسائل الشيعة ج 10/449،
(3) نفس المصدر: ج 10/450.
(4) مفاتيح الجنان، للشيخ عبّاس القميّ ـ أعمال شهر ذي القعدة.
(5) لقمان|25..
(6) العنكبوت| 61
(7) هود 7.
(8) النازعات/30..
(9) الشمس/ 6.
(10) مجمع البحرين، الطريحيّ. والمفردات في غريب القرآن، للراغبالإصفهانيّ.. تحت الكلمتين: دحا وطحا.
(11) النازعات|31.
(12) الاعلى|4.
(13) نهج البلاغة: الخطبة 91 ـ كبس الأرض: أدخلها في الماء بقوّة واعتماد شديد.
(14) آلعمران/96.
(15) نور الثقلين ج 502: 5/ح 28، 30.
(16) نفس المصدرج 502: 5/ح 29.
(17) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام)ج90: 2 ـ الباب 33/ح1.
(18) وسائل الشيعة: ج 10/451.
...........................