24 من ذي الحجة ذكرى مباهلة سادة الوجود لأهل الباطل والجحود .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى يوم المباهلة المبارك .
فإذا اتضح هذا يعلم منه أن الخمسة الطيبة : كانوا في أعلى درجات اليقين و الاطمينان ، فلو كان في نفوسهم الشريفة - العياذ بالله - قلق، أو اضطراب ، أو وسوسة في الإجابة وعدمها لم يقدموا أبدا على المباهلة ، لأن في إقدامهم : فيها إما احتمال الهلكة والنقمة والعذاب أو سقوط منزلتهم وهيبتهم عن أعين الناس . و لهذه الوساوس والشك والريب امتنع أهل نجران وانصرفوا لم يجرؤوا على المباهلة ، وبعد انصرافهم عن الملاعنة والمباهلة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطيور على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا .
ولعل هذا المعنى ، أعني عدم الخطور النفسانية والوساوس في نفوسهم الشريفة وتعميم المباهلة والملاعنة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن و الحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - وبين نصارى نجران يستفاد من نفس الآية الكريمة إذا أمعنت النظر فيها .
قال العلامة الطباطبائي : (وههنا نكتة أخرى وهي أن في تذكيره صلى الله عليه وآله وسلم بالعلم تطييبا لنفسه الشريفة أنه غالب بإذن الله وأن ربه ناصره وغير خاذله البتة .
قال أيضا : ( والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين رجال النصارى لكن عمت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدل على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال و المخاطرات دونهم وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذب عنهم ، ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم ) .
وقال أيضا : (وقوله عز وجل : فنجعل لعنة الله كالبيان للابتهال ، وقد قيل : فنجعل ، ولم يقل : فنسأل ، إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحق من الباطل) .
وقال أيضا : ( قوله عز وجل : الكاذبين مسوق سوق العهد ، دون الاستغراق أو الجنس ، إذ ليس المراد جعل اللعنة علي كل كاذب أو على جنس الكاذب ، بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجة الواقعة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين النصارى ، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله لا إله غيره وإن عيسى عبده ورسوله ، وقالوا : إن عيسى هو الله ، أو إنه ابن الله ، أو إن الله ثالث ثلاثة . وعلى هذا ، فمن الواضح أن لو كانت الدعوى والمباهلة عليها بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين النصارى ، أعني كون أحد الطرفين مفردا والطرف الآخر جمعا كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد والجمع معا كقولنا : فنجعل لعنة الله على من كان كاذبا . فالكلام يدل على تحقق كاذبين بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجة والمباهلة على أي حال إما في جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإما في جانب النصارى ، وهذا يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدعوى فإن الكذب لا يكون إلا في الدعوى ، فلمن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم على وفاطمة والحسنان عليهما السلام شركة في الدعوى والدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا من أفضل المناقب التي خص الله به أهل بيت نبيه : كما خصهم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بين رجال الأمة و نسائهم وأبنائهم .
وقال المراغي في تفسيره: ( وفي تقديم هؤلاء (أي الأبناء والنساء) على الأنفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذان بكمال أمنه صلى الله عليه وآله وسلم وتمام ثقته بأمره وقوة يقينه وبأنهم لن يصيبهم في ذلك مكروه .
وقال الزمخشري : (فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء ؟
قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ... وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه حارب دونهم حتى يقتل ... وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على مكانتهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس .
وقال العلامة السيد شرف الدين : ( وهناك نكتة يعرف كنهها علماء البلاغة ، ويقدر قدرها الراسخون في العلم العارفون بأسرار القرآن ، وهي أن الآية الكريمة ظاهرة في عموم الأبناء والنساء والأنفس كما يشهد به علماء البيان ولا يجهله أحد ممن عرف أن الجمع المضاف حقيقة في الاستغراق ، وإنما أطلقت هذه العمومات عليهم بالخصوص تبيانا لكونهم ممثلي الاسلام ، وإعلانا لكونهم أكمل الأنام ، وأذانا بكونهم صفوة العالم ، وبرهانا على أنهم خيرة الخيرة من بني آدم ، وتنبيها إلى أن فيهم من الروحانية الاسلامية والاخلاص لله في العبودية ما ليس في جميع البرية ، وأن دعوتهم إلى المباهلة بحكم دعوة الجميع ، وحضورهم خاصة فيها منزل منزلة حضور الأمة عامة ، وتأمينهم على دعائه مغن عن تأمين من داهم ، وبهذا جاز التجوز بإطلاق تلك العمومات عليهم بالخصوص . ومن غاص على أسرار الكتاب الحكيم وتدبره ووقف على أغرانه يعلم أن إطلاق هذه العمومات عليهم بالخصوص إنما هو على حد قول القائل :
ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد . 1
************************
1 - الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، أحمد الرحماني الهمداني ، ص 268 – ص 271 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى يوم المباهلة المبارك .
فإذا اتضح هذا يعلم منه أن الخمسة الطيبة : كانوا في أعلى درجات اليقين و الاطمينان ، فلو كان في نفوسهم الشريفة - العياذ بالله - قلق، أو اضطراب ، أو وسوسة في الإجابة وعدمها لم يقدموا أبدا على المباهلة ، لأن في إقدامهم : فيها إما احتمال الهلكة والنقمة والعذاب أو سقوط منزلتهم وهيبتهم عن أعين الناس . و لهذه الوساوس والشك والريب امتنع أهل نجران وانصرفوا لم يجرؤوا على المباهلة ، وبعد انصرافهم عن الملاعنة والمباهلة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطيور على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا .
ولعل هذا المعنى ، أعني عدم الخطور النفسانية والوساوس في نفوسهم الشريفة وتعميم المباهلة والملاعنة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن و الحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - وبين نصارى نجران يستفاد من نفس الآية الكريمة إذا أمعنت النظر فيها .
قال العلامة الطباطبائي : (وههنا نكتة أخرى وهي أن في تذكيره صلى الله عليه وآله وسلم بالعلم تطييبا لنفسه الشريفة أنه غالب بإذن الله وأن ربه ناصره وغير خاذله البتة .
قال أيضا : ( والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين رجال النصارى لكن عمت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدل على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال و المخاطرات دونهم وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذب عنهم ، ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم ) .
وقال أيضا : (وقوله عز وجل : فنجعل لعنة الله كالبيان للابتهال ، وقد قيل : فنجعل ، ولم يقل : فنسأل ، إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحق من الباطل) .
وقال أيضا : ( قوله عز وجل : الكاذبين مسوق سوق العهد ، دون الاستغراق أو الجنس ، إذ ليس المراد جعل اللعنة علي كل كاذب أو على جنس الكاذب ، بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجة الواقعة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين النصارى ، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله لا إله غيره وإن عيسى عبده ورسوله ، وقالوا : إن عيسى هو الله ، أو إنه ابن الله ، أو إن الله ثالث ثلاثة . وعلى هذا ، فمن الواضح أن لو كانت الدعوى والمباهلة عليها بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين النصارى ، أعني كون أحد الطرفين مفردا والطرف الآخر جمعا كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد والجمع معا كقولنا : فنجعل لعنة الله على من كان كاذبا . فالكلام يدل على تحقق كاذبين بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجة والمباهلة على أي حال إما في جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإما في جانب النصارى ، وهذا يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدعوى فإن الكذب لا يكون إلا في الدعوى ، فلمن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم على وفاطمة والحسنان عليهما السلام شركة في الدعوى والدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا من أفضل المناقب التي خص الله به أهل بيت نبيه : كما خصهم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بين رجال الأمة و نسائهم وأبنائهم .
وقال المراغي في تفسيره: ( وفي تقديم هؤلاء (أي الأبناء والنساء) على الأنفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذان بكمال أمنه صلى الله عليه وآله وسلم وتمام ثقته بأمره وقوة يقينه وبأنهم لن يصيبهم في ذلك مكروه .
وقال الزمخشري : (فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء ؟
قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ... وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه حارب دونهم حتى يقتل ... وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على مكانتهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس .
وقال العلامة السيد شرف الدين : ( وهناك نكتة يعرف كنهها علماء البلاغة ، ويقدر قدرها الراسخون في العلم العارفون بأسرار القرآن ، وهي أن الآية الكريمة ظاهرة في عموم الأبناء والنساء والأنفس كما يشهد به علماء البيان ولا يجهله أحد ممن عرف أن الجمع المضاف حقيقة في الاستغراق ، وإنما أطلقت هذه العمومات عليهم بالخصوص تبيانا لكونهم ممثلي الاسلام ، وإعلانا لكونهم أكمل الأنام ، وأذانا بكونهم صفوة العالم ، وبرهانا على أنهم خيرة الخيرة من بني آدم ، وتنبيها إلى أن فيهم من الروحانية الاسلامية والاخلاص لله في العبودية ما ليس في جميع البرية ، وأن دعوتهم إلى المباهلة بحكم دعوة الجميع ، وحضورهم خاصة فيها منزل منزلة حضور الأمة عامة ، وتأمينهم على دعائه مغن عن تأمين من داهم ، وبهذا جاز التجوز بإطلاق تلك العمومات عليهم بالخصوص . ومن غاص على أسرار الكتاب الحكيم وتدبره ووقف على أغرانه يعلم أن إطلاق هذه العمومات عليهم بالخصوص إنما هو على حد قول القائل :
ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد . 1
************************
1 - الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، أحمد الرحماني الهمداني ، ص 268 – ص 271 .