بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.[1]
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ﴾، وجدان الشيء اصابته والحرص عليه شدة الطلب فيه والمودة الحبّ وهي تأكيد على قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً﴾ في الآية السابقة بل إضراب عنه لأنّ عدم التمني للموت لا يلازم أشدّ الحرص وما يوجد في اليهود هو الثاني لا الأوّل فقط.
وجاء عز وجل بلفظ حياة نكرة لإفادة انهم يحرصون على طول العمر ولو كان مع بؤس وشقاء.
﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾، والمشركون أولى بالحرص على الحياة لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة ومع ذلك اليهود أحرص منهم.
﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾، وكلمة أَلْفَ تقال لما بلغ عدده عشر مئات وكأنها مأخوذة من التأليف وهو ضمّ شيء الى شيء.
فيكون مضمون الآية: اخبار من الله لنبيّه نبي الإسلام ليبيّن له حقيقة اليهود؛ بأنهم حراص على الحياة أكثر من غيرهم حتى لو عاشوا مع بؤس ماحق وذل شامل، ومن أجل هذه الصفة يراوغون ويحتالون ويخادعون ليؤمنوا أنفسهم فيما يرون، وهذا منهم دليل واضح على ضعف عقيدتهم بالمعاد، وعلى سوء ظنّهم بأنفسهم، وبما تستقبل لو حشرت وحوسبت، وعلى عدم شهامتهم في الحياة فإن الشهم يميل الى الصراحة والحرية ولا قيمة للحياة عنده مع الموهنات.
ثم انه تعالى بمناسبة ما ذكر من حرص اليهود على الحياة استطرد فقال: ان جملة ممّن أشرك بالله - ولازم عقيدة الشرك نوعا نفى المعاد بعد الموت - يود ان يعيش ألف سنة؛ ليستفيد من حياته وطول عمره، إذ لا يعتقد وراء هذه الحياة حياة اخرى يعيشها، ولكنه سبحانه خطّأ هذا الرأي من هذا الرائي؛ بأن حياته التي يعيشها في الدنيا ان كانت سالمة من الموهنات، فقليلها وكثيرها بعد الاستئمان من مستقبل مصون لا اهميّة له؛ لأنه يستقبل حياة فضلى في النشأة الأخرى، فلا كثير جدوى في طول حياته في الدّنيا الاّ ان يكون من منابع الخير والإفاضة والإفادة، وان لم تكن سالمة من الموهنات فطولها في هذه النشأة وعدم عقيدة صاحبها بنشأة أخرى، لا يمحوان الآثار الوضعية التي رتّبها خالق العالم على اعمال وأعمار بنى آدم، بأن المسيء يعذّب والمحسن ينعّم وهو سبحانه اخبر وابصر بما يعمل الإنسان في ثنايا حياته ومضامين عمره.
وحاصل ما نبحث: انّ حبّ الحياة بما هي حياة سواء اقترنت ببؤس أم لابست سعادة، امر ينتقد عليه العاقل بما هو عاقل لا بما انه ذو دين وعقيدة بالمعاد؛ لان الحبّ المذكور يقود الإنسان الى رذائل الصفات من الخنوع والذلة والتملق والطمع والخديعة والمكر والسرقة، وما إليها من كل صفة يظن معها صاحبها انّها تمدّ في عمره وتدفع خوارم اجله، لكنّ الحياة إذا فقدت صفات الفضيلة من العزّة والحرية والترفع عن الموهنات، كانت وبالا ونزلت بصاحبها من أعلا العلالي الى ادحض الأماكن، وهذه الظاهرة ممقوتة في الذائقة الإنسانية حتى لو لم يعتقد صاحبها بنشأة ثانية، وتزيد مقتا وذمّا مع العقيدة بالدار الأخرى؛ لأنّ للحر بعد إعطائه حياة دنياه من يده عوضا عنها وهو العيش الأخروي عند الله سبحانه، هذا مضافا الى انه لا ربط لطول العمر بملابسة الرذيلة ولا لقصره بالاعتزاز بالفضيلة، بل قد يقصر عمر الذليل ويطول عمر العزيز.
وروي عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ قَدْ سَئِمْتُ اَلدُّنْيَا فَأَتَمَنَّى عَلَى اَللهِ اَلْمَوْتَ فَقَالَ تَمَنَّ اَلْحَيَاةَ لِتُطِيعَ لاَ لِتَعْصِيَ فَلَأَنْ تَعِيشَ فَتُطِيعَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ [أَنْ] تَمُوتَ فَلاَ تَعْصِيَ وَلاَ تُطِيعَ)).[2]
﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ﴾ فليس من كان عمره أطول في الدنيا كان أبعد عن الوقوع في عذاب الآخرة؛ بل العمر الطويل إملاء للعاصي.
[1] سورة البقرة، الآية: 96.
[2]عيون الأخبار، ج 2، ص 3.