بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.[1]
العداوة للملاك جبرائيل هي سمة أخرى من سمات اليهود تبدو عجيبة حقّا. لقد بلغ هؤلاء القوم من الحنق والغيظ مبلغا يتجاوز كلّ حدّ، وقادهم إلى تناقض لا يستقيم في عقل. فقد سمعوا أنّ جبرائيل ينزل بالوحي على محمّد صلّى اللّه عليه وآله وقد بلغ حقدهم له مبلغ السفه والخبل فقد لجّ بهم الضغن أن يخترعوا قصّة واهية فيزعموا أنّ جبريل عدوّهم، حيث نزل بالوحي على غير قبيلهم ولأنّه كان ينزل بالدمار والهلاك وصبّ البلاء على بني إسرائيل منذ أمد بعيد وأنّ هذا هو السبب الذي يمنعهم من الإيمان بنبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه وآله، ولو كان الّذي ينزل بالوحي على محمّد صلّى اللّه عليه وآله هو ميكائيل لآمنوا، حيث إنّه ينزل بالمطر والخصب والرخاء وهذا اعتقاد فاسد نتيجة للتحريف الذي روج له أحبارهم وقادتهم.
وهذه هي عين الصفاقة والحماقة المضحكة.. غير أنّ الحقد والغيظ يسوقان إلى كلّ سفاهة وإلاّ فما بالهم يعادون جبرائيل، وجبرائيل عبد من عباد الله، ويعمل بإذن الله ولا موجب لأن يعادي فئة لا مساس لهم به فيما يزاوله من شؤون!
وللتوضيح فإن جبرائيل وميكائيل اسمان علمان لملكين معروفين من بين الملائكة في عالم الديانات، وهما لفظان أعجميان، ورد اسم جبريل ثلاث مرات، واسم ميكال مرة واحدة في القرآن الكريم، ويستفاد من الآيات أنهما ملكان مقربان من ملائكة الله تعالى. قيل: إن اسم جبرائيل عبري يعني "رجل الله" أو "قوة الله".
وفي كتب اليهود المحرفة ورد ذكر جبريل وميكال، ومن ذلك ما ورد في كتاب دانيال حيث وصف جبرائيل بأنه الغالب لرئيس الشياطين، ووصف ميكائيل بأنه حامي قوم بني إسرائيل.
وذكر الطبرسي في تفسيره : ((رُوِيَ أَنَّ اِبْنَ صُورِيَا وَجَمَاعَةً مِنْ يَهُودِ أَهْلِ فَدَكَ لَمَّا قَدِمُوا اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ سَأَلُوهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ نَوْمُكَ فَقَدْ أُخْبِرْنَا عَنْ نَوْمِ اَلنَّبِيِّ اَلَّذِي يَأْتِي فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ فَقَالَ: تَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي يَقْظَانُ (ومعنى عدم نيام القلب شدّة تشعشع الروح و قوّة فعلها) قَالُوا: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنَا عَنِ اَلْوَلَدِ يَكُونُ مِنَ اَلرَّجُلِ أَوِ اَلْمَرْأَةِ فَقَالَ: أَمَّا اَلْعِظَامُ وَاَلْعَصَبُ وَاَلْعُرُوقُ فَمِنَ الرَّجُلِ وَأَمَّا اَللَّحْمُ وَاَلدَّمُ وَاَلظُّفُرُ وَاَلشَّعْرُ فَمِنَ اَلْمَرْأَةِ (لا شك ان تكوّن الجنين انما يكون من مزيج النطفتين المذكرة والمؤنثة ولا يحصل من دونهما وما جاء في هذا الأثر لا يزاحم هذه الكلية) قَالُوا: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ فَمَا بَالُ اَلْوَلَدِ يُشْبِهُ أَعْمَامَهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ شَبَهِ أَخْوَالِهِ شَيْءٌ أَوْ يُشْبِهُ أَخْوَالَهُ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ شَبَهِ أَعْمَامِهِ شَيْءٌ فَقَالَ: أَيُّهُمَا عَلاَ مَاؤُهُ كَانَ اَلشَّبَهُ لَهُ قَالُوا: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ رَبِّكَ مَا هُوَ فَأَنْزَلَ اَللهُ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ صُورِيَا: خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ قُلْتَهَا آمَنْتُ بِكَ وَاِتَّبَعْتُكَ أَيُّ مَلَكٍ يَأْتِيكَ بِمَا أَنْزَلَ اَللهُ عَلَيْكَ قَالَ: فَقَال:َ جَبْرَائِيلُ قَالَ: ذَلِكَ عَدُوُّنَا يَنْزِلُ بِالْقِتَالِ وَاَلشِّدَّةِ وَاَلْحَرْبِ وَمِيكَائِيلُ يَنْزِلُ بِالْبِشْرِ وَاَلرَّخَاءِ فَلَوْ كَانَ مِيكَائِيلُ هُوَ اَلَّذِي يَأْتِيكَ لَآمَنَّا بِكَ))[2].
فنزلت الآية السالفة جوابا عن ذلك بهذا المفاد قل يا محمّد لهؤلاء اليهود مَنْ كان منكم عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ مع اعترافه به انّه ملك مأمور من ناحية الله فإنه لا قيمة لاستنكاره لأن اعترافه المذكور حجة عليه فإن الهدف من ثبوت الرسالة السماوية لإنسان اعتراف الطرف بأنّ هذا الإنسان يوحى اليه من الله والوسيط في الوحي بعد ثبوت كونه واسطة إيصال بلا مرية لا يشترط فيه كونه مأمور حرب وشدّة او مأمور يسر ورخاء فإنّه يبلّغ ويحقّق ما يوظف عليه وعواطف المكلفين لا ربط لها بالحقائق فربّ ملوم لا ذنب له.
[1] سورة البقرة، الآية: 97.
[2] مجمع البيان، ج 1، ص 325.