بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..﴾.[1]
زعم هؤلاء اليهود والنّواصب والشّياطين انّ سليمان كفر ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ ولا استعمل السّحر كما قال: هؤلاء الكافرون ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾، حال كونهم ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر﴾، أو كفروا لتعليمهم السّحر على ان يكون جوابا لسؤال مقدّر.
بيان عن السّحر: والسّحر اسم لقول أو فعل أو نقش في صفحة يؤثّر في عالم الطّبع تأثيرا خارجا عن الأسباب والمعتاد وذلك التّأثير يكون بسبب مزج القوى الرّوحانيّة مع القوى الطّبيعيّة، أو بتسخير القوى الرّوحانيّة بحيث تتصرّف على ارادة المسخّر السّاحر وهذا أمر واقع في نفس الأمر ليس محض تخييل كما قيل، وتحقيقه ان يقال: انّ عالم الطّبع واقع بين الملكوت السّفلى والملكوت العليا، وانّ لأهل العالمين تصرّفا بإذن الله في عالم الطّبع بأنفسهم أو بأسباب من قبل النّفوس البشريّة، وانّ النّفوس البشريّة إذا تجرّدت من علائقها وصفت من كدوراتها بالرّياضات الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة وناسبت المجرّدات العلويّة أو السّفلية تؤثّر بالأسباب أو بغير الأسباب في أهل العالمين بتسخيرها ايّاهم وجذبها لهم الى عالمها وتوجيههم في مراداتها شرعيّة كانت أو غير شرعيّة، وإذا كان التّأثير من أهل العالم السّفلىّ تسمّى أسبابه سحرا وقد يسمّى ذلك التّأثير والأثر الحاصل به سحرا، وإذا كان من أهل العالم العلوىّ يسمّى ذلك التّأثير والأثر الحاصل به معجزة وكرامة، وقد تتقوّى في الجهة السّفليّة أو العلويّة فتؤثّر بنفسها من دون حاجة الى التّأثير في الأرواح ويسمّى ذلك التّأثير والأثر أيضا سحرا ومعجزة، فالسّحر هو السّبب المؤثّر في الأرواح الخبيثة الّذى خفي سببيّته أو تأثير تلك الأرواح وآثارها في عالم الطّبع بحيث خفي مدركها ثمّ أطلق على كلّ علم وبيان دقيق قلّما يدرك مدركه، ويطلق على العالم بذلك العلم اسم السّاحر؛ ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾[2]، على وجه فيستعمل السّاحر على هذا في المدح والذّمّ.
وقد ورد عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْمُفَسِّرُ اَلْمَعْرُوفُ بِأَبِي اَلْحَسَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ أَبَوَيْهِمَا عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَاِتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا اَلشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَمٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ﴾ قَالَ: اِتَّبَعُوا مَا تَتْلُو كَفَرَةُ اَلشَّيَاطِينِ مِنَ اَلسِّحْرِ وَاَلنَّيْرَنْجَاتِ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ اَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بِهِ مَلَكَ وَنَحْنُ أَيْضاً بِهِ فظهر [نُظْهِرُ] اَلْعَجَائِبَ حَتَّى يَنْقَادَ لَنَا اَلنَّاسُ وَقَالُوا كَانَ سُلَيْمَانُ كَافِراً سَاحِراً مَاهِراً بِسِحْرِهِ مَلَكَ مَا مَلَكَ وَقَدَرَ مَا قَدَرَ فَرَدَّ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿وَمٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ﴾ وَلاَ اِسْتَعْمَلَ اَلسِّحْرَ اَلَّذِي نَسَبُوهُ إِلَى سُلَيْمَانَ..الخبر)).[3]
وَمِنْ سُؤَالِ اَلزِّنْدِيقِ اَلَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ في حَدِيثٌ طَوِيلٌ: ((قَالَ اَلسَّائِلُ لَهُ: فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ اَلشَّيَاطِينُ اَلسِّحْرَ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ عَرَفَ اَلْأَطِبَّاءُ اَلطِّبَّ بَعْضَهُ تَجْرِبَةٌ وَبَعْضُهُ عِلاَجٌ..
قَالَ: أَفَيَقْدِرُ اَلسَّاحِرُ أَنْ يَجْعَلَ اَلْإِنْسَانَ بِسِحْرِهِ فِي صُورَةِ اَلْكَلْبِ أَوِ اَلْحِمَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: هُوَ أَعْجَزُ مِنْ ذَلِكَ وَأَضْعَفُ مِنْ اَنْ يُغَيِّرَ خَلْقَ اَللهِ إِنَّ مَنْ أَبْطَلَ مَا رَكَّبَهُ اَللهُ وَصَوَّرَهُ وَغَيَّرَهُ فَهُوَ شَرِيكُ اَللهِ فِي خَلْقِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 102.
[2] سورة الزخرف، الآية: 49.
[3] عيون اخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 266.
[4] الاحتجاج، ج 2، ص 336.