بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.[1]
﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا﴾، الرعي حفظ الغير لمصلحته. وكان المسلمون يقولون للرسول صلّى الله عليه وآله إذا ألقى إليهم شيئا من العلم: راعنا، أي: راقبنا وتأنّ بنا فيما تلقّننا حتى نفهمه ونحفظه، وسمع ذلك اليهود فافترصوه وخاطبوه به مريدين نسبته إلى الرعن وهو الحمق، أو سبّه بالكلمة العبرانيّة الّتي كانوا يتسابّون بها، وهي: راعينا، فنهي المؤمنون عنها، وأمروا بما يفيد تلك الفائدة، ولا يقبل التلبّس، وهو: انظرنا، بمعنى: انظر إلينا، فحذف حرف الجرّ، أو بمعنى: انتظرنا، من «نظره» إذا انتظره. واِسْمَعُوا وأحسنوا الاستماع بآذان واعية وأذهان حاضرة، حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة. أو واسمعوا سماع قبول، لا كسماع اليهود حيث قالوا: سمعنا وعصينا. أو واسمعوا ما أمرتم به بجدّ حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.
﴿ولِلْكٰافِرِينَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ﴾ يعني: للّذين سبّوا رسول الله عذاب مؤلم موجع.
قال الشيخ البلاغي (ر ه) في تفسيره: «قد تتبعت العهد القديم فوجدت أن كلمة «راع» - بفتحة مشالة إلى الألف، وتسمى عندهم (قامص) - تكون بمعنى الشر أو القبيح ومن ذلك ما في الفصل الثاني والثالث من السفر الأول من توراتهم. وبمعنى الشرير واحد الأشرار، ومن ذلك ما في الفصل الأول من السفر الخامس، وفي الرابع والستين والثامن والسبعين من مزاميرهم، وفي ترجمة الأناجيل بالعبرانية. و «نا» - ضمير المتكلم - في العبرانية تبدل الفها واوا أو تمال إلى الواو فتكون راعنا في العبرانية بمعنى شريرنا ونحو ذلك»[2]، فتكون الكلمة في لغتهم «راعينو» موافقة للعربية في نبرتها ولهجتها، ويكون النهي عن استعمالها لئلا يتخذها اليهود - الذين عرفوا بسوء الأدب مع أنبيائهم - وسيلة للسب والطعن في الدين فيقتدون بالمؤمنين في اللفظ، ويقصدون المعنى الفاسد منه.
وما قاله اَلْإِمَامُ اَلْعَسْكَرِيُّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: ((وقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ): وكَانَتْ هَذِهِ اَللَّفْظَةُ رٰاعِنٰا مِنْ أَلْفَاظِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِينَ يُخَاطِبُونَ بِهَا رَسُولَ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، يَقُولُونَ: رَاعِنَا، أَيْ اِرْعَ أَحْوَالَنَا، واِسْمَعْ مِنَّا كَمَا نَسْمَعُ مِنْكَ، وكَانَ فِي لُغَةِ اَلْيَهُودِ مَعْنَاهَا: اِسْمَعْ، لاَ سَمِعْتَ. فَلَمَّا سَمِعَ اَلْيَهُودُ اَلْمُسْلِمِينَ يُخَاطِبُونَ بِهَا رَسُولَ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) يَقُولُونَ: رَاعِنَا، ويُخَاطِبُونَ بِهَا، قَالُوا: كُنَّا نَشْتِمُ مُحَمَّداً إِلَى اَلْآنَ سِرّاً، فَتَعَالَوُا اَلْآنَ نَشْتِمُهُ جَهْراً، وكَانُوا يُخَاطِبُونَ رَسُولَ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) ويَقُولُونَ: رَاعِنَا، يُرِيدُونَ شَتْمَهُ. فَفَطَنَ لَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ اَلْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اَللهِ، عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اَللهِ، أَرَاكُمْ تُرِيدُونَ سَبَّ رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، تُوهِمُونَّا أَنَّكُمْ تَجْرُونَ فِي مُخَاطَبَتِهِ مَجْرَانَا، وَاَللهِ، لاَ أَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُقْدِمَ عَلَيْكُمْ قَبْلَ اَلتَّقَدُّمِ وَاَلاِسْتِئْذَانِ لَهُ وَلِأَخِيهِ وَوَصِيِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، اَلْقَيِّمِ بِأُمُورِ اَلْأُمَّةِ نَائِباً عَنْهُ فِيهَا، لَضَرَبْتُ عُنُقَ مَنْ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْكُمْ يَقُولُ هَذَا. فَأَنْزَلَ اَللهُ: يَا مُحَمَّدُ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنٰا وعَصَيْنٰا واِسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ورٰاعِنٰا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وطَعْناً فِي اَلدِّينِ ولَوْ أَنَّهُمْ قٰالُوا سَمِعْنٰا وأَطَعْنٰا واِسْمَعْ واُنْظُرْنٰا لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ وأَقْوَمَ ولٰكِنْ لَعَنَهُمُ اَللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ إِلاّٰ قَلِيلاً. وأَنْزَلَ: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَقُولُوا رٰاعِنٰا فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ يَتَوَصَّلُ بِهَا أَعْدَاؤُكُمْ مِنَ اَلْيَهُودِ إِلَى سَبِّ رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) وسَبِّكُمْ وقُولُوا اُنْظُرْنٰا أَيْ قُولُوا بِهَذِهِ اَللَّفْظَةِ، لاَ بِلَفْظَةِ رَاعِنَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا فِي قَوْلِكُمْ: رَاعِنَا، ولاَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى اَلشَّتْمِ، كَمَا يُمْكِنُهُمْ بِقَوْلِكُمْ: رَاعِنَا. واِسْمَعُوا إِذَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) قَوْلاً، وأَطِيعُوا. ولِلْكٰافِرِينَ يَعْنِي اَلْيَهُودَ اَلشَّاتِمِينَ لِرَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) عَذٰابٌ أَلِيمٌ وَجِيعٌ فِي اَلدُّنْيَا إِنْ عَادُوا لِشَتْمِهِمْ، وفِي اَلْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي اَلنَّارِ)).[3]
[1] سورة البقرة، الآية: 104.
[2] آلاء الرحمن، ج 1، ص 113.
[3] تفسير البرهان، ج 2، ص 86.