بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.[1]
﴿وَقَالُوا﴾، أي أهل الكتاب من اليهود والنّصارى وهو عطف على ودّ مطلع الآية 109 السابقة.
وقوله تعالى: ﴿لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا﴾، اسم جمع بمعنى اليهود ابتداء، أو كان في الأصل جمعا لهائد بمعنى التّائب، أو بمعنى الرّاجع الى الحقّ، أو بمعنى الدّاخل في اليهوديّة، على ان يكون من المشتقّات الجعليّة كالتّهويد والتّهوّد، كعوذ جمع عائذ من دون تغيير، أو كان أصله هوود بواوين ثمّ خفّف فصار هودا أَوْ نصارى لفظة أو للتّفصيل أي كان قولهم هذا وذاك وقد مضى وجه تسمية النّصارى تِلْكَ أمانيهم المشار اليه مجموع ما سبق من عدم ودادهم نزول خير على المؤمنين، وودادهم ارتدادهم عن الايمان، وادّعائهم انّ الجنّة ليست الاّ لأهل ملّتهم، والأماني جمع الامنيّة مغيّر الامنوية كالأضحوكة بمعنى التمني وترقّب حصول امر من دون تهيّؤ أسبابه وادّعائه من دون حجّة ولذا قال: يا محمّد (صلى الله عليه وآله) قُلْ لهم ان لم يكن مدّعاكم محض تمنّي النّفس فاثبتوه بالحجّة ﴿هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ﴾ على دعواكم ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دعواكم.
والضمير في ﴿وَقَالُوا﴾، يرجع إلى اليهود (يهود المدينة) والنصارى ( نصارى نجران) بالانفصال؛ لأنّا علمنا أنهما لا يجتمعان في القول بأنّ من دخل الجنّة لا يكون إلاّ هودا (أي يهوديّا)، أو نصرانيّا بل يقول اليهود: «لا يدخل الجنّة إلاّ من كان هودا» ويقول النصارى: «لا يدخل إلاّ من كان نصرانيا»، ففي الآية إيجاز جميل لكن وجه الجمع بينهما في جملة واحدة ليس هو الإيجاز في البيان فقط، بل الإشعار بأنّ الفريقين اتّفقا في نفى دخول الجنّة عن المسلمين، تِلْكَ أمانيهم أي تلك آمالهم وتمنّياتهم، وليس للعاقل أن يخبر عن بغيته دون الواقع فلهذا قال: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، ألزمهم بإتيان الحجّة لقولهم من انحصار أهل الجنّة في اليهود أو النصارى، ومعلوم أنّ دليل الانحصار لكلّ منهما إن كان موجودا فهو ينفى دخول الآخر في الجنّة؛ على أنّ المعيار في أهل الجنّة إن كان عنوان اليهوديّة أو النصرانيّة فلا يبقى من الجنّة إلاّ اسما؛ لأنّ الجنّة دار المؤمنين والصالحين باتفاق المليّين فإذا فرض دخول الفسّاق من اليهود والنصارى فيها فليست هي الجنّة وإذا فرض عدم دخول فسّاقهم فيها، فليس العنوانان معيارا في أهل الجنّة.
وفى كلامه تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، تبصرة للمسلمين بعدم قبول المدّعى بغير دليل وفيه كفاية للحفظ عن الضلال، قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[2]، وطلب الدليل الواضح وهو البرهان، من الخصم من أصول الجدال بالتي هي أحسن كما أشير إليه في الخبر.
يقول الشيخ محمد جواد مغنية، (احتكار الجنة: يظهر من هذه الآية الكريمة ان اليهود والنصارى يؤمنون بنظرية الاحتكار منذ القديم، وأنها عندهم تشمل نعيم الدنيا والآخرة.. وأيضا يظهر ان احتكار الجنة مختص برجال الدين، وعلى هذا الأساس كانت الكنيسة تبيع صكوك الغفران للعصاة والآثمين بعد أن تقبض الثمن، وقد كسبت بذلك أموالا طائلة، ولكن على حساب تشجيع الجرائم، وانتشار الفساد.. ومما كانت تكتبه الكنيسة للعاصي في صك الغفران انه: «يغلق أمامك - الخطاب للعاصي - الباب الذي يدخل منه الخطاة (اهل الخطيئة) الى العذاب والعقاب، ويفتح الباب الذي يؤدي الى فردوس الفرح، وان عمّرت سنين طويلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة، حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الأب والابن وروح القدس».
﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ جمع الأماني، لأنها كثيرة، منها أمنيتهم أن يرجع المسلمون كفارا، ومنها ان يعاقب أعداؤهم، ومنها ان الجنة لهم وحدهم).[3]
[1] سورة البقرة، الآية: 111.
[2] سورة يوسف، الآية: 108.
[3] التفسير الكاشف، ج 1، ص 177.