بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.[1]
الآية: نزلت في يهود أهل المدينة، ونصارى أهل نجران، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتاهم أحبار اليهود، فتناظروا حتّى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى (عليه السلام) والإنجيل، وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بموسى (عليه السلام) والتوراة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقريب من ذلك ما قد روي في تفسير البرهان عن الحسن ابن علّي أبي طالب عليهما السّلام أنّه قال: ((وقَوْماً مِنَ اَلنَّصَارَى جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اِقْضِ بَيْنَنَا. فَقَالَ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): قُصُّوا عَلَيَّ قِصَّتَكُمْ. فَقَالَتِ اَلْيَهُودُ: نَحْنُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِالْإِلَهِ اَلْوَاحِدِ اَلْحَكِيمِ وأَوْلِيَائِهِ، ولَيْسَتِ اَلنَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ اَلدِّينِ واَلْحَقِّ. وقَالَتِ اَلنَّصَارَى: بَلْ نَحْنُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِالْإِلَهِ اَلْوَاحِدِ اَلْحَكِيمِ وأَوْلِيَائِهِ، ولَيْسَتِ اَلْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ اَلدِّينِ واَلْحَقِّ. فَقَالَ رَسُولُ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): كُلُّكُمْ مُخْطِئُونَ مُبْطِلُونَ، فَاسِقُونَ عَنْ دِينِ اَللهِ وأَمْرِهِ. فَقَالَتِ اَلْيَهُودُ: كَيْفَ نَكُونُ كَافِرِينَ وفِينَا كِتَابُ اَللهِ اَلتَّوْرَاةُ نَقْرَؤُهُ؟ وقَالَتِ اَلنَّصَارَى: كَيْفَ نَكُونُ كَافِرِينَ ولَنَا كِتَابُ اَللهِ اَلْإِنْجِيلُ نَقْرَؤُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : إِنَّكُمْ خَالَفْتُمْ - أَيُّهَا اَلْيَهُودُ وَاَلنَّصَارَى - كِتَابَ اَللهِ وَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، فَلَوْ كُنْتُمْ عَامِلِينَ بِالْكِتَابَيْنِ لَمَا كَفَّرَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِغَيْرِ حُجَّةٍ، لِأَنَّ كُتُبَ اَللهِ أَنْزَلَهَا شِفَاءً مِنَ اَلْعَمَى، وَبَيَاناً مِنَ اَلضَّلاَلَةِ، يَهْدِي اَلْعَامِلِينَ بِهَا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَكِتَابُ اَللهِ إِذَا لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ كَانَ وَبَالاً عَلَيْكُمْ، وَحُجَّةُ اَللهِ إِذَا لَمْ تَنْقَادُوا لَهَا كُنْتُمْ للهِ عَاصِينَ، وَلِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ)).[2]
ومع الغض عن سند الحديث (باعتبار انها وردت في التفسير المنسوب الى الإمام الحسن العسكري عليه السلام)، لا يمكن الاعتماد على متنه، لأن النصارى مطلقا يعترفون بالتوراة، ونبوة موسى (عليه السلام)، لأنّ الإنجيل متمم للتوراة، ومشتمل على كثير من أحكامها.
فقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾، أي ليسوا على عقيدة يعتدّ بها ويعتنى بشأنها، فكيف بادّعائهم أنهم أهل دين أو كتاب أو شريعة، وفي هذا القول مبالغة عظيمة ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾، نزلت هذه الآية الشريفة حين قدم وفد نجران على الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ومن بعض الطّرق أن أحبار اليهود أتوهم وتقاولوا بذلك عنده (صلّى الله عليه وآله). فالله سبحانه يحكي مقاولتهم في كتابه الكريم حتى يعرف العالم بإقرار كل واحد من هذين الصّنفين على الآخر بأنه لا دين له ولا مذهب ولا شرع. فإذا نفى المسلمون الدين والشريعة عن الصنفين فلا يكون ذلك أمرا مبتدعا يتعجّبون منه وينكرونه ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾، أي يقرءون هذا الكتاب أو الكتب السماوية مطلقا. والجملة حاليّة، واللام - في الكتاب - للجنس، أي قالوا ذلك والحال أنهم من أهل العلم والقراءة للكتب السماوية بحسب ظنّهم وزعمهم كذلك أي مثل ذلك الذي سمعت من تقاول الفريقين، وعلى منهاج قول أهل الكتاب والتلاوة، قال الجهلة الذين لا علم عندهم ولا كتاب: كعبدة الأصنام والدّهريّين، قالوا لأهل كل دين: ليسوا على شيء! ولا يخفى أن في هذه الآية الشريفة تلويحا بتوبيخ أهل الكتاب خاصة، لأنهم نظموا أنفسهم في سلك الجهلة وفي سلك من لا يعلم قراءة وليس له كتاب.
[1] سورة البقرة، الآية: 113.
[2] تفسير البرهان، ج 1، ص 309.