بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾.[1]
الآية الكريمة توبيخ لليهود والنصارى من حيث جهلهم باللّه تعالى واعتقادهم فيه سبحانه بالجزاف والخرافة إذ قالت اليهود: عزيز ابن اللّه. وقالت النصارى: المسيح ابن اللّه. وقالت اليهود في جدالهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إنّ ذلك على سبيل القرب والكرامة عليه تعالى والمكانة منه سبحانه.
قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ..ۚ﴾.[2]
وقد ورد عن الامام الصادق قال: ((لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، عَنْ جَدِّي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ سَيِّدِ اَلشُّهَدَاءِ، عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ: أَنَّهُ اِجْتَمَعَ يَوْماً عِنْدَ رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَهْلُ خَمْسَةِ أَدْيَانٍ: اَلْيَهُودُ وَاَلنَّصَارَى، وَاَلدَّهْرِيَّةُ، وَاَلثَّنَوِيَّةُ، وَمُشْرِكُو اَلْعَرَبِ.
فَقَالَتِ اَلْيَهُودُ: نَحْنُ نَقُولُ: عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللهِ، وقَدْ جِئْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ لِنَنْظُرَ مَا تَقُولُ فَإِنْ تَبِعْتَنَا فَنَحْنُ أَسْبَقُ إِلَى اَلصَّوَابِ مِنْكَ وأَفْضَلُ، وإِنْ خَالَفْتَنَا خَصَمْنَاكَ.
وقَالَتِ اَلنَّصَارَى: نَحْنُ نَقُولُ، إِنَّ اَلْمَسِيحَ اِبْنُ اَللهِ اِتَّحَدَ بِهِ. وقَدْ جِئْنَاكَ لِنَنْظُرَ مَا تَقُولُ.
ثُمَّ قَالَ لِلْيَهُودِ: أَجِئْتُمُونِي لِأَقْبَلَ قَوْلَكُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟ قَالُوا: لاَ قَالَ: فَمَا اَلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى اَلْقَوْلِ بِأَنَّ عُزَيْراً اِبْنُ اَللهِ؟ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَحْيَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اَلتَّوْرَاةَ بَعْدَ مَا ذَهَبَتْ ولَمْ يَفْعَلْ بِهَا هَذَا إِلاَّ لِأَنَّهُ اِبْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: فَكَيْفَ صَارَ عُزَيْرٌ اِبْنَ اَللهِ دُونَ مُوسَى وهُوَ اَلَّذِي جَاءَ لَهُمْ بِالتَّوْرَاةِ ورُئِيَ مِنْهُ مِنَ اَلْمُعْجِزَاتِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، ولَئِنْ كَانَ عُزَيْرٌ اِبْنَ اَللهِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ إِكْرَامِهِ بِإِحْيَاءِ اَلتَّوْرَاةِ؟ فَلَقَدْ كَانَ مُوسَى بِالنُّبُوَّةِ أَوْلَى وَأَحَقَّ وَلَئِنْ كَانَ هَذَا اَلْمِقْدَارُ مِنْ إِكْرَامِهِ لِعُزَيْرٍ يُوجِبُ لَهُ أَنَّهُ اِبْنُهُ فَأَضْعَافُ هَذِهِ اَلْكَرَامَةِ لِمُوسَى تُوجِبُ لَهُ مَنْزِلَةً أَجَلَّ مِنَ اَلنُّبُوَّةِ لِأَنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تُرِيدُونَ بِالنُّبُوَّةِ - اَلدَّلاَلَةَ عَلَى سَبِيلِ مَا تُشَاهِدُونَهُ فِي دُنْيَاكُمْ مِنْ وِلاَدَةِ اَلْأُمَّهَاتِ اَلْأَوْلاَدَ بِوَطْءِ آبَائِهِمْ لَهُنَّ فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِاللهِ وَشَبَّهْتُمُوهُ بِخَلْقِهِ وَأَوْجَبْتُمْ فِيهِ صِفَاتِ اَلْمُحْدَثِينَ فَوَجَبَ عِنْدَكُمْ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثاً مَخْلُوقاً وَأَنْ يَكُونَ لَهُ خَالِقٌ صَنَعَهُ وَاِبْتَدَعَهُ قَالُوا: لَسْنَا نَعْنِي هَذَا فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ كَمَا دَلَلْتَ لَكِنَّا نَعْنِي أَنَّهُ اِبْنُهُ عَلَى مَعْنَى اَلْكَرَامَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وِلاَدَةٌ كَمَا قَدْ يَقُولُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا لِمَنْ يُرِيدُ إِكْرَامَهُ وَإِبَانَتَهُ بِالْمَنْزِلَةِ مِنْ غَيْرِهِ يَا بُنَيَّ وَإِنَّهُ اِبْنِي لاَ عَلَى إِثْبَاتِ وِلاَدَتِهِ مِنْهُ الحديث)).[3]
فأبطل صلّى الله عليه وآله كون عزيز ابن الله بكلا وجهيه، فإنّ دعواهم أن المسيح وعزيز ابن الله تعالى على وجه الكرامة والقرب منه تعالى بطلانها بديهي نعم هذا صحيح حيث يقول عظيم من عظماء البشر للشخص الأجنبي منه نسبا: هذا ابني، إكراما له وإبانة لفضله لأنّ المورد ممّا يجوز أن يكون له ولد فينزّل الأجنبي منزلة الحقيقي بخلاف المورد الّذي يستحيل فيه نسبة الأبوّة والبنوّة الحقيقيتين، فحيث لا حقيقة فلا مجاز.
ولا يقاس ذلك باتّخاذ الخليل والحبيب لعدم استحالة نسبة الحبّ والخلّة بين أوليائه سبحانه وبينه تعالى، بخلاف البنوّة الحقيقيّة فإنّ بطلانها بيّن عند أولي الألباب لقوله تعالى: ﴿بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾، فما سواه تعالى مملوك له وقائم به ومتقلّب تحت تدبيره وقهره.
وأنّى تتحقّق نسبة البنوّة بين من هو مالك وقيّوم بذاته لما سواه وبين ما هو مملوك بذاته له وشيء به ومتقوّم به، فإنّ نسبة الأبوّة والبنوّة لا تجوز إلاّ بين الأمور الّتي تكون في عرض واحد والمورد ليس كذلك، فإنّ المالك والقيّوم شيء بحقيقة الشيئيّة وما سواه ليس إلاّ شيئا به.
فهذا البرهان هو مفاد الآية الكريمة.
[1] سورة البقرة، الآية: 116.
[2] سورة المائدة، الآية: 18.
[3] الإحتجاج، ج 1، ص16.