بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.[1]
ما هي الكلمات التي تلقاها إبراهيم (عليه السلام)؟ فإن النصوص المفسرة تشير إلى أنها نفس الكلمات التي تلقّاها آدم (عليه السلام). وهذا يعني أن الصلة بين آدم وإبراهيم (من حيث البناء الهندسي) من الوثاقة بمكان، حيث أن «الخلافة والإمامة» تلتقيان فيما هو عام وخاص من الممارسة العبادية، وحيث أن الكلمات التي تلقاها كلّ منهما متماثلة، مع ملاحظة أن النصوص المفسرة تخضع هذه الكلمات إلى أكثر من دلالة، حيث تشير من جانب إلى عنصر مشترك هو: التوسل بأهل البيت عليهم السلام، وتشير من جانب آخر إلى عنصر خاص بكل منهما، حيث يختص إبراهيم بمبادىء الحنيفية.
وقد ورد بهذا الخصوص عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ مَا هَذِهِ اَلْكَلِمَاتُ قَالَ: هِيَ اَلْكَلِمَاتُ اَلَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتٰابَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ إِلاَّ تُبْتَ عَلَيَّ فَتَابَ اَللهُ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ فَمَا يَعْنِي عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ: يَعْنِي فَأَتَمَّهُنَّ إِلَى اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ قَالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ اَلْإِمَامَةَ جَعَلَهَا اَللهُ فِي عَقِبِ اَلْحُسَيْنِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ..)).[2]
﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾، فإن رجع الضمير في الفعل إلى إبراهيم (عليه السلام) فلعل المراد بالإتمام هو قيامه بهنّ حقّ القيام والإتيان بهنّ حقّ الإتيان من غير تفريط وتقصير.
أما إذا رجع الضمير إلى الله تعالى فيحتمل أن يكون المراد بإتمامهنّ هو بيانهنّ وتفسيرهنّ.
﴿إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً﴾، بعد أن ابتلاه ربّه بكلماته أي بتكليفه ببعض الأوامر والنواهي، ولا سيّما التكليف الشاق على كل واحد كذبح ولده إسماعيل الذي كان رشيدا يتمتع بأوصاف كمالية تجعله يحتلّ مرتبة تهيّؤه للنبوّة والإمامة، فقام بامتثالها بلا فتور ولا تردّد ولا تقصير، فلمّا أتمّها وأدّى امتحانه ناداه ربّه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾[3]، وصرت قابلا لأن أجعلك من الآن إماما لعبادي في بلادي. فسرّ إبراهيم بذلك وعرف أن ربّه راض عنه غاية الرّضا؛ فلذا طلب منه أن يجعل الإمامة في نسله جيلا بعد جيل، فأجابه تعالى: أمّا من كانت له أهليّة لها فنعم، وأما من كان ظالما فلا ينال عهدي الذي عاهدتك - أي مقام الإمامة والولاية المطلقة -.
ومن هذا ظهر أن الشرط في الإمام وخليفة المسلمين أن يكون معصوما من أول زمان تكليفه إلى أن يفارق الدنيا، إن لم نقل بشرطية العصمة فيه من حين تمييزه، لأنه إن كان قبل تكليفه ظالما فانه يصدق عليه أن يقال بعده كان ظالما، والآية الكريمة تعني ذلك، حتى ولو أن الظالم تاب وعلمنا بتوبته.
فلا يجوز أن ينصّب أو أن يرشّح نفسه للخلافة والإمامة. مضافا إلى أن الإمامة أمانة الله وأنها منصب سام لا يجوز أن يتلبّس به من ظلم، تاب أو لم يتب، إذ لا بد أن يكون الإمام والخليفة منزّها عن ارتكاب الصغائر. لأنه بناء على القول بأنه لا صغيرة إلاّ بالإضافة إلى ما هو أكبر منها يعني أن كل الذنوب بالإضافة إليه تعالى كبيرة.
فائدة: (الخلافة) هي مطلق العمل العبادي للإنسان، وأمّا (الإمامة) فهي ممارسة المهمة الاجتماعية للخلافة أو هي الوجه الاجتماعي لها، وكان إبراهيم - كما تقول النصوص المفسرة - أول الأنبياء الذين مارسوا عملا سياسيا وعباديا وأخلاقيا في صعيد المؤسسة الرسمية، بالنحو الذي اكتسب به من خلاله سمة (الحنيفية).
[1] سورة البقرة، الآية: 124.
[2] الخصال للصدوق، ج 1، ص 304.
[3] سورة الصافات، الآية: 105.