السكينة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللهم صل على محمد وآل محمد
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾
من القيم الجمالية التي تجسدت في مدرسة كربلاء قيمة السكينة والاطمئنان في مواجهة الأحداث هذه القيمة التي مثلها الحسين عليه السلام عندما قال لأخته ليلة عاشوراء: ”تعزي بعزاء الله وأعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون“، هذه القيمة التي عبر عنها الحسين عليه السلام يوم عاشوراء عندما قال: ”استعدوا للبلاء وأعلموا أن الله حافظكم ومنجيكم وجاعل عاقبة أمركم إلى الخير“ السكينة التي حفت بالحسين حتى وقت قتاله حيث يقول حميد ابن مسلم: ”كان إذا كر عليه القوم تهلل وجهه بشرى“.
أهمية السكينة.
في علم العرفان يقولون السالك إلى الله، يعني المؤمن له حالتان مع الله: حالة الوجل، حالة الاطمئنان، المؤمن يعيش حالة الوجل القرآن الكريم يقول ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
الحالة الأولى: الوجل
الوجل: أي الخوف من الذنب دائماً المؤمن يخاف أن يذنب لأنه إنسان والإنسان في معرض الزلل وفي معرض الخطأ، الخوف من الذنب يجعل المؤمن وجلاً لأنه إذا ارتكب الذنب منعه الذنب من فيض الرحمة تقول في دعاء كميل «اللهم أغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم أغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء» فالمؤمن وجلاً من الذنب قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾.
الحالة الثانية: الاطمئنان.
المؤمن مطمئن بمعنى أنه واثق بربه وأن الله لا يفعل معه إلا ما هو خيراً له قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ المؤمن هو الذي يعتقد أن المصائب والأحداث التي يبتلي بها كلها نعم من قبل الله تبارك وتعالى، النعم لا تنحصر في الأشياء المحدودة قد تكون الأشياء المكروهة نعمة قال تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ من النعم الباطنة، المؤمن واثق بربه أنه لن يكتب له إلا ما هو صلاح وخيراً له قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا﴾ وهذه هي حالة الاطمئنان، القرآن الكريم يقول: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ النفس المطمئنة الواثقة بربها، كلن منا فليسأل نفسه هل أنا شخصية مطمئنة أو شخصية متوترة؟ هل أنا شخصية مطمئنة أو شخصية متزلزلة؟
الاطمئنان له مظاهر من اتسم بهذه المظاهر فهو شخصية مطمئنة وإلا فهو شخصية متوترة.
المظهر الأول: انشراح الصدر.
قال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ وقال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ ما معنى انشراح الصدر؟
انشراح الصدر يعني اللذة للعبادة، هل تتلذذ أنت بالعبادة؟ هل العبادة لها لذة عندك؟ أم لا؟ قرأه القرآن له لذة والدعاء له لذة والنافلة لها لذة، الإنسان الذي يشعر بلذة العبادة ويشعر بطعم العبادة عنده انشراح في صدره، وأما الإنسان الذي لا يشعر بطعم الدعاء ولا بطعم الصلاة ولا بطعم قرأه القرآن فهو يعيش جفافاً في روحه ويعيش قسوة في قلبه ويعيش ضيقاً في صدره قال تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾ الضيق هو جفاف الروح قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾.
المظهر الثاني: السكينة والهدوء.
إذا واجه الإنسان حدثاً كيف يتعامل معه، إذا فقد الإنسان عزيزاً هل ينهار؟ أو يكون إنسان هادئاً؟ إذا الإنسان أصيب بحادث مروع هل ينهار؟ أم يكون إنسان هادئاً؟ إذا الإنسان خسر في تجارته وخسر أسهمه وخسر أرباحه هل ينهار؟ أم يكون إنسان هادئاً؟
السكينة والهدوء مظهراً للشخصية المطمئنة، السكينة مدداً غيبياً من الله وليست حالة اعتيادية، الله إذا رأى المؤمن أصيب بحادث أو حدث مروع وهبه السكون ورباطة الجأش فالسكينة مدد غيبي قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ وقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾.
المظهر الثالث: الثبات.
ما معنى الثبات؟، القرآن الكريم يقول: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ ما هو الثبات؟ الثبات بالقول الثابت، ما هو القول الثابت؟، القول الثابت الرؤية الملكوتيه التي تحدثنا عنها في بعض الليالي السابقة، قلنا هناك عالم ملك وهو عالم المادة وهناك عالم ملكوت وهو عالم الحقائق، هناك أناس لا يرون إلا عالم المادة لا أرى إلا أنا وأنت ولا أرى إلا أشياء مادية، وهناك أناس يرون الحقائق الخفيفة ويعرفون الأشخاص ويميزون بين الناس ويعرفون بعض الأنباء ويعرفون بعض المغيبات هؤلاء لهم رؤية ملكوتيه، هذه رؤية ملكوتيه قولاً ثابت لأن من أعطي هذه الرؤية لا يتزلزل إيمانه ولا يتعرض إلى اهتزاز قال تعالى: ﴿اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾وقال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لماذا؟، لأنهم ثابتون بالقول الثابت.