بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.[1]
قد تعني ﴿الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾، أن ليس البيت هو القواعد والبنيان، مهما كانت منه، إذا فالبيت هو المربع الخاص من سطح الأرض، ثم من فوقها إلى السماء السابعة، وكذلك من تحتها، عمود مستقيم يربط أعلى النقط من الكون إلى أدناها، وقد يصدقه الحديث النبوي: ((هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، وأعلاها يلي العرش البيت المعمور، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى، ولكل بيت من أهل السماء ومن اهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت)).[2] وقد يعني البيت المعمور (حيث يلي العرش) سدرة المنتهى، التي انتهى إليها الرسول (صلى الله عليه وآله) في معراجه، مجتازا مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ - إلى سائر بيوت الله في السماوات والأرضين - إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى وهو البيت الأقصى في أقصى الكون في سدرة المنتهى.
وهكذا يحق لخاتم النبيين وأشرف الخلق أجمعين أن يطوف البيوت الخمسة عشر بأهليها.
إذ لم تكن للبيت - حينذاك - قواعد ولا أعلام، إلاّ بذلك الإعلام من الله الملك العلاّم. وان هذا البيت المبارك - قبل ان يضع ابراهيم القواعد منه - كان بيتا بأعلام أحيانا ودون أعلام أخرى، كيف لا و﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾.[3]
فإبراهيم عليه السلام ليس إلاّ أوّل بان لقواعده، بما بوأه ربه من مكان البيت، وقد كان بيتا منذ آدم، مطافا له ولذريته، بل ومنذ كانت خليقة على وجه الأرض ووجوه السماوات السبع والأرضين السبع.
فالقواعد: جمع القاعدة، وهي من البيت أساسه الذي يبنى عليه. وقاعدة التمثال ما يقوم عليها. وفيما نحن فيه يراد به الأساس الذي كانت عليه القبة، أي البقعة التي نزلت بها على آدم عليه السلام، وكانت لا تزال قائمة إلى أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام، فلما غرقت الأرض رفع الله تعالى تلك القبة وبقي موضعها لم يغرق. ولهذا سمّي البيت (البيت العتيق) لأنه أعتق من الغرق. وقد بعث الله يومئذ جبرائيل عليه السلام فخطّ موضع القبة المرفوعة وعرّفها لإبراهيم وحدّ البيت طولا وعرضا وارتفاعا في الفضاء تسعة أذرع، ثم إنه عليه السلام دلّه على موضع الحجر الأسود فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن. وقد جعل إبراهيم عليه السلام للبيت بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب، والمغربيّ يسمّى المستجار.
وجميع ما ذكرناه في شرح هذه الآية الكريمة استفدناه من الروايات. وفي بعضها قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فَنَادَى أَبُو قُبَيْسٍ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةً فَأَعْطَاهُ اَلْحَجَرَ فَوَضَعَهُ مَوْضِعَهُ)).[4] فلا يبعد أن تكون الملائكة قد نقلته إلى جبل أبي قبيس حين الطوفان واستودعته هناك حين رفعت القبة الشريفة من طريق الماء ولا منافاة بين هذه الروايات وبين ما ذكرناه سابقا من أن جبرائيل عليه السلام دلّه على كونه في أبي قبيس أو في محل وجوده.
والبيت الحرام بحيال القبة المرفوعة إلى السماء، والقبة هي المسماة بالبيت المعمور، وهي مطاف الملائكة ومزارهم في السماء.
وقوله: ﴿مِنَ الْبَيْتِ﴾ بيان للقواعد. وأبهمت القواعد أولا ثم أضيفت للبيت لأن في التّبيين بعد الإبهام تفخيما وإجلالا لشأن المبيّن كما لا يخفى على من له دربة وحذاقة بصناعة اللغة.
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾: يستفاد من طلب القبول إعطاء الأجر والثواب لا على ما بنياه من الكعبة أعزّها الله مسجدا لا مسكنا، وإنما الأجر والثواب على الطاعات ﴿إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لدعائنا العليم بجميع أمورنا ظاهرة وباطنة.
[1] سورة البقرة، الآية: 127.
[2] الدر المنثور للسيوطي، ج 1، ص 239.
[3] سورة آل عمران، الآية: 96.
[4] الكافي، ج 4، ص 205.