اللهم صل على محمد وآل محمد
عن ابن عبّاس أنّه قال: «ليس من آية في القرآن فيها:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ إلّا وعليّ أوّلها وأميرها وشريفها...
وقال أيضاً: ما نزل في أحدٍ من كتاب الله تعالى ما نزل في عليّ عليه السلام»(1).
لقد اختُصّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بالكثير من الآيات التي بيّنت فضله ومنزلته وخصائصه ومكارم أخلاقه ووجوب طاعته، ومنها آيات مثل آية التصدّق بالخاتم راكعاً، وآية القربى، وآية التطهير.
ومن الجدير معرفة أنّ أمير الغدير ذو فضل ظاهر على المسلمين جميعاً، يُثبته كتاب الله المنزل، نعرض بعض هذه الموارد القرآنيّة في هذا المقال.
ولايته أمرٌ منزّلٌ من الله
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾
- (المائدة: 67)؛
نزلت هذه الآية قبل حادثة غدير خمّ، فامتثل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر الله تعالى بتبليغ أمر منزّل من الله تعالى، وهو إعلان ولاية عليّ عليه السلام على المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على رؤوس الأشهاد بقوله: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»(2).
بولايته كُمل الدين وتمت النعمة
يقول تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)؛
نزلت هذه الآية بعد حادثة غدير خمّ مباشرةً بعدما بلّغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن ولاية عليّ عليه السلام(3).
آية لم يعمل بها إلّا عليّ عليه السلام
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المجادلة: 12)؛
هذه الآية لم يعمل بها غير الإمام عليّ عليه السلام كما قال عليه السلام: «آية في كتاب الله ما عمل بها أحد من الناس غيري: النجوى، كان لي دينار بعته بعشرة دراهم، فكلّما أردت أن أناجي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تصدّقت بدرهم، ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي»(4).
وقد نسخت الآية بعد تطبيق الإمام عليّ عليه السلام لها، تسهيلاً على الصحابة، وفيها إشارة إلى فضل الإمام عليه السلام على جميع المسلمين، لأنّه ما نزل أمرٌ من الله إلّا عمل به عليه السلام.
أذنٌ واعية
يقول تعالى: ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ (الحاقة: 12)،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«هي أذنك يا عليّ»(5)، بمعنى آخر أنّ مصداق هذه الآية التام كان أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي يعي ما يسمعه من كتاب الله ويعقله. فيثبت حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الفضيلة الخاصّة بعليّ عليه السلام.
لا يستوي فضله مع أحد
يقول تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 19)؛
عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «نزلت في عليّ وحمزة والعباس وشيبة.
- قال العباس: أنا أفضل؛ لأنّ سقاية الحاج بيدي،
- وقال شيبة: أنا أفضل؛ لأنّ حجابة البيت بيدي
- وقال حمزة: أنا أفضل؛ لأنّ عمارة البيت بيدي،
- وقال عليّ عليه السلام: أنا أفضل؛ آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت، فرضوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكماً، فأنزل الله تعالى الآية ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾»(6).
كفى الله المؤمنين به
في معركة الأحزاب، بعد أن قتل الإمام علي عليه السلام عمرو بن عبد ود، وحُسمت المعركة بنصر المسلمين دون جولة أخرى، ودون أن يقاتل فيها غير الإمام علي عليه السلام، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«أبشر يا عليّ، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمّة محمد لرجح عملك بعملهم، فنزلت آية: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾»(7)(الأحزاب: 25).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: «﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ بعليّ؛ لأنه قتل عمرو بن عبد ود»(8).
خير البريّة
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ (البيّنة: 7)؛ نزلت الآية في عليّ عليه السلام كما ذُكر في أكثر من تفسير عند العامة والخاصة(9).
فقد روى ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل عليّ عليه السلام فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة»(10)،
ونزلت فيه الآية، وكان أصحاب النبيّ إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة(11).
صالح المؤمنين
يقول تعالى: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (التحريم: 4)؛
عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «وصالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام»(12).
من صدّق به
يقول تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (الزمر: 33).
وقد جاء في تفسير الآية أن معنى «الذي جاء به» هو النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى الذي «صدّق به» هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام(13).
شاهد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
يقول تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ (هود: 17)؛ عن الإمام عليّ عليه السلام: «رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيّنة من ربّه، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتّبعه»(14).
مصداق المنفقين الأتم
في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عليّ ما عملت في ليلتك؟
قال: ولمَ يا رسول الله؟
قال: قد نزلت فيك أربعة معالٍ،
قال: بأبي أنت وأمي، كانت معي أربعة دراهم، فتصدّقت بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً، وبدرهم سرّاً وبدرهم علانية،
قال: فإنّ الله أنزل فيك:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 274)»(15).
وهب نفسه لله
تذكر الروايات أنّه حينما اجتمع قبائل مكّة وأرادوا قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غيلة، بات الإمام عليّ عليه السلام في فراشه صلى الله عليه وآله وسلم فسمّيت هذه الحادثة بـ «ليلة الفراش»،
فعن عليّ بن الحسين عليه السلام في قوله تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (البقرة: 207)،
قال عليه السلام: «نزلت في عليّ عليه السلام حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(16).
نفسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول تعالى:
﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران: 61)؛
- الآية نزلت في حادثة مباهلة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لنصارى نجران، وقد حضر معه صلى الله عليه وآله وسلم عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأجمع المفسّرون على أنّ المراد بأنفسنا في الآية هو الإمام عليّ عليه السلام.
به يهتدي المهتدون
يقول تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد: 7).
- روى الطبريّ بسنده عن ابن عباس قال: «لمّا نزلت هذه الآية وضع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره وقال: أنا المنذر ولكلّ قوم هاد، وأومأ إلى منكب عليّ فقال: أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي»(17).
أهل الذكر
يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلّا رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43).
قال جابر الجعفي: «لمّا نزلت هذه الآية قال عليّ عليه السلام: نحن أهل الذكر»(18).
سورة هل أتى
يقول تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 9).
نزلت الآية في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وهي تدلّ على كثرة جودهم وسخائهم، إذ كانوا يصومون أيّاماً ويقضون ليالي بدون طعام ليعطوا قوتهم لغيرهم.
هذه عيّنة من الآيات التي وردت في حقّ الإمام عليّ عليه السلام، وثمّة غيرها الكثير ممّا ورد في حقّه عليه السلام تصريحاً أو كنايةً كالآيات النازلة في الحروب التي خاضها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين واليهود وغيرهم.
---------------
المصادر
(1) موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ، الشيخ الريشهري، ج 8، ص 8.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 420.
(3) راجع: المصدر نفسه، ج 1، ص 289.
(4) المصدر نفسه، ج 14، ص 207.
(5) المصدر نفسه، ج 1، ص 423.
(6) تفسير القمّيّ، القمّيّ، ج 1، ص 284.
(7) شرح إحقاق الحق، المرعشي، ج 2، ص140.
(8) المصدر نفسه.
(9) راجع: الغدير، الشيخ الأميني، ج 2، ص 57.
(10) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 65، ص 133.
(11) المصدر نفسه، ج 38، ص 5.
(12) المصدر نفسه، ج 22، ص 232.
(13) يراجع: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 42، ص 360.
(14) موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، مصدر سابق، ج 8، ص 14.
(15) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 40، ص 105.
(16) الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 446.
(17) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الشيخ الطبري، ج 13، ص 142.
(18) شرح إحقاق الحقّ، السيّد المرعشي، ج 9، ص 125.
---------------------------
منقول