بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.[1]
جملة أدلة يسوقها الله على إثبات وجوده وعلى توحيده وهي مما نألفه ونعتاده أو يمر أمامنا دون أن نتنبّه إليه أو نهتم به، مثله كمثل الهواء الذي نحيا به ونعيش بوجوده وإذا انقطع عنا لحظة تتوقف الحياة، ولكن مع ذلك لا نتنبه له ولا نعطيه بالا ولا نفكر به كنعمة تمثل أعظم النعم علينا وعلى الأحياء، وما ذلك إلا لأننا اعتدنا عليه وألفناه وأصبح جزءا منا لم يفارقنا.
إنها أدلة لو توقّف الإنسان أمام كل واحد منها وتفكّر فيها برويّة وتجرّد، بل أعطاه أدنى التفاتة وأقل نظر لعرف الله وجودا كما عرفه واحدا أحدا لا شريك له.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، هذه السماوات المرفوعة بغير عمد ترونها الذي جعلها ضمن قوانين عامة موضوعة لها بما فيها من نجوم وكواكب ومجرات، وهذه السماوات بامتدادها وسعتها وعلوها ورفعتها، لو فكر فيها الإنسان لأقرّ واعترف بأن لها خالقا قادرا عليما حكيما.
وكذلك الأرض بسعتها وبما فيها من بحار وأنهار وخراب وعمران وإنسان وحيوان وناطق وصامت وغير ذلك من مخلوقات الله وبدائع صنعه إذا فكّر الإنسان قليلا بتجرد وتعقل لعاد بإيمان ثابت بوجود صانع لها؛ إنه الله القادر العليم الحكيم.
﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، واختلافهما إما بمعنى تعاقبهما أي يذهب أحدهما ليحل محله الآخر، أو بمعنى اختلافهما في النور والظلمة والطول والقصر وغير ذلك مما فيه انتظام الفصول وتركيب معاش الناس وتنظيم شؤونهم.
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ﴾، هذه السفن التي تمخر عباب اليم بما تحمل من متاع ينفع الناس ويفيدهم، هذه السفن التي تحمل بضائع الناس وأمتعتهم بل وتحملهم أيضا.
﴿وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ﴾، وهذه أيضا واحدة من الأدلة على وجود الله، فهو سبحانه أنزل من السماء-من جهتها-أو من السحاب المتواجد فيها ماء صنعه بقدرته وقدّره بحكمته بحيث كانت المقادير متسقة متعادلة ثم الغيوم بحيث تجد كل غيمة هي قطعة ماء، ولكنها على نمط آخر ولا يسقط ما فيها من ماء إلا ضمن ظروف خاصة فسبحان من قدّر وحكم.
إنه سبحانه أنزل الماء من هذه السماء فدبّت الحياة في الأرض ونمت الأشجار ثم بزغت واخضرّت، إنها الأرض التي كانت ميتة فاقدة للحركة والحياة وبمجرد هطول الأمطار ونزول الماء تغيّر وجه الأرض واكتست حياة وحركة، إنها صورة ناطقة من الجمال والحركة والحياة وخصوصا في أوقات الربيع.
ثم إنه لولا هذا الماء لما تحركت دابة على وجه الأرض بل لنفقت وماتت ولم تستطع أن تستمر في الحياة.
﴿وجَعَلْنٰا مِنَ اَلْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[2]، فهذا الماء هو الذي حرّك كل دابة ونشرها في هذا الوجود، ووراء هذا الماء قدرة الله وإرادته التي شاءت أن يكون للأمور أسبابها وللأشياء عللها، فسبحانه من عليم مقتدر.
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾، أي تقليبها وتحويلها بحيث تتغيّر بحسب التقدير الإلهي والنظام الكوني العام، فتارة تكون حارة، وتارة أخرى باردة، وقد تكون جنوبية وأخرى شمالية وثالثة قد تكون رخيّة نديّة، وفيها الخير وأخرى قد تكون سموما وعذابا وفيها الشر.
﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، أي الغيوم التي نراها في الجو بين السماء والأرض، وعبّر عنها بالمسخرة لأنها مذلّلة لقدرة الله وهو الذي جعلها مشحونة بالماء، ذليلة لله ينقلها حيث يشاء وفي أي وقت يشاء وإلى أين يشاء.
﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، هذه كلها آيات واضحة ودلالات بينة على وجود الله ووحدانيته، وقدرته وعلمه وحكمته عز وجل.
[1] سورة البقرة، الآية: 164.
[2] سورة الأنبياء، الآية: 30.