بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.[1]
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ﴾: المراد بهم اليهود فإنهم كتموا ما أنزل الله تعالى على موسى (عليه السلام).
﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾، أي التوراة التي فيها أوصاف محمد (صلى الله عليه وآله) وعلائمه ودلائل نبوّته، بحيث أيقنوا أنه هو الذي أخبر به موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما السلام، وكتموه وأخذوا في مقابل كتمانهم ثمنا قليلا كما أخبر به الله تعالى في كتابه إذ قال:
﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾، من حطام الدنيا أو رئاساتها الزائلة بعد أيام قلائل.
﴿أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾، أي الذين كتموا نعوت محمد (صلى الله عليه وآله) والذين أخذوا عوضا من المال وأكلوا به لقاء الكتم، فإن أكلهم لها يوجب النار، فهو نار تجري في بطونهم.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، لأنهم غير أهل لكلامه بلا واسطة، وهذا متضمّن لغاية غضبه عليهم ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾، ولا يطهّرهم من ذنوبهم بالمغفرة لأنهم لا يستحقونها، ولا يثني عليهم ويمدحهم لأنهم عصاة.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، موجع لا يطاق ألمه.
ولا منافاة بين قوله: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، وقوله في سورة الحجر: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[2]، أولا لما أشرنا إليه من أن الأول - أي المنفي - هو التكليم بلا واسطة والمثبت مع الواسطة كما هو الظاهر في المقامين.
أما الثاني فإن المنفيّ ربما يكون المراد به كلام التلطّف والإكرام، والمثبت سوء التوبيخ والإهانة.
والظاهر من الآية الشريفة ثبوت الملازمة بين اخذ الثمن القليل لكتمان ما انزل الله، وأكل النار الدائم المستقر في بطونهم والتوصيف بالقليل توضيحي، اذ كل الاثمان قليلة في مقابل ذلك وجعل نفسه معرضا للعذاب الدائم وكذا ثبوت الملازمة بينه وبين عدم التكلم من الله معهم يوم القيمة، وكذا ثبوت الملازمة بينه وبين عدم تزكيتهم في يوم القيامة، أي هذا العقاب والنار لا يكون لطفيا لأجل التطهير من الدنس والرجز الحاصل لهم بسبب تلك المعصية، بل يصير صورة نفسهم فيدومون.
اما الملازمة الاولى فلأن من يرتكب الكتمان ويخفى ما يكون لأجله بعث الانبياء وارسال الرسل وإنزال الكتب وهو اتمام الحجة على الناس، لأجل الثمن الدنيوي لا يكون الا شيطانا مغويا، اذ الاغواء تارة بالسكوت او الانكار بعد السؤال منهم، وتارة بالكذب على الله وبيان غير الواقع، وكل منهما شغل الشيطان، فهذا الشخص قد قطع حبله من الله واتصل حبله بحبل الشيطان.
ولما ان القلب الذي هو مرتبة الوسط خرج من انقلابه وتوجهه الى الله تارة والى الغير تارة اخرى، وصارت منكوسة ومتوجهة الى الدانيات عبر عنها بالبطن، فغذائه غذاء الشيطان وهو النار، ولانقطاعه يكون مخلدا ومحشورا مع وليه وهو الشيطان.
واما الثانية فلان التكلم لأجل اظهار ما في الضمير، فمن اراد الله في يوم القيامة ان يظهر كمالات جماله له ويتجلى له حتى يصير فائزا بالنعمة التي لا فوق لها يتكلم معه، واما من أبطل استعداده وقطع من الله فلا يتجلى له ولا يظهر عليه كمال، فلا تكلم معه اذ التكلم لا يكون سوى ذلك.
واما الثالثة فقد ظهر مما سبق سره فان التزكية هو التطهير، والتطهير انما يكون في المتنجسات لا في النجاسات الذاتية الا بتبدل الذات كصيرورة الكافر مسلما وهذا انما يكون مع بقاء الاستعداد، ومع زوال الاستعداد، لا تبدل في الذات، وتطهيره لا يمكن مع بقاء الذات، اذ الذاتي لا يزول، فظهر بحمد الله كون الملازمات الثلاثة عقلية.
[1] سورة البقرة، الآية: 174.
[2] سورة الحجر، الآيتان: 92-93.