إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نفحات من دعاء كميل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نفحات من دعاء كميل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد وآل محمد

    يستهل أمير المؤمنين(ع) الدعاء بالثناء على الله عزوجل ، يعرف رب العالمين للمسلمين عندما يقول :

    (و بِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ) الإنسان الذي يعتز بعز الله و يركن إلى عزة رب العالمين لا يخاف من شيء ، أي عزيز أي ذليل يقاوم عزة رب العزة والجلال ؟!. (وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ) ، الإنسان الذي يعتقد بأن الله قوي عزيز ذو قوة متين فعال لما يريد ذو البطش الشديد لا يخاف من مخلوق ، ( لو كادت المؤمن السماوات والأرض إلا جعلت له الفرج والمخرج من بينهم ) أين نحن ومضامين دعاء كميل ؟… لو كانت هذه الفقرة شعارا للأمة الإسلامية لما قاومهم شيء ولما وقف أمامهم شيء، مضامين دعاء كميل أسسٌ لحياة الأمة والفرد معا . ( وبعزتك التي لا يقوم لها شيء ) نكرة في سياق النفي تفيد العموم ، أي شيء يقف أمام عزة رب العالمين ؟.

    (وَ بِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء) القوة النووية فيها عظمة رب العالمين ، الجبارون ربهم رب العالمين ، ما الذي تخاف منه وأنت تعلم أن عظمته ملأت كل شيء .

    (بِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء) ارتبطوا بهذا الوجه ، عندك مال قدمه لهذا الوجه الكريم ، لتكون له صفة الخلود ، تنفق الألف والألفين في طعام أو سفر فإذا به يفنى ويزول لعدم ارتباطه برب العالمين ، أين المتع التي تمتعتم بها في صيف العام الماضي عندما ذهبت إلى الأماكن الخلابة الجميلة ؟… خيال في خيال . الذكريات الماضية بمثابة شريط مختزل في الذاكرة ، وكأنها فيلم . ماالفرق بين ذهابك جبال الهملايا وبين الفيلم الذي رأيته في التلفزيون ، الصورة هي الصورة عدم في عدم .

    الذي يبقى هو الدرهم الذي قدمته في سبيل رب العالمين ، نقرأ ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً – الإنسان ١﴾ أقراص من الخبز ، لو بيعت لما ساوت شيئا ، ما قيمة هذا الخبز في عالم الوجود ؟ ما قيمة الخبز عند الله تعالى الذي يقول : ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ – الحجر ٢١﴾ عنده عزوجل خزائن الذهب والمال والطاقة … ورغم ذلك كُتب لهم الخلود ، وأي خلود ؟ الخلود ليس في أقراص الخبز ، ولكن الخلود في قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً – الإنسان ٩﴾ أقراص الخبز الفانية الرخيصة عندما ترتبط بالوجه الباقي تتحول إلى طاقة باقية لا تنقطع أبدا ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً – الإنسان ١٢﴾ الجزاء هو الخلود في الجنة مقابل هذه الاقراص لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أجمعين . وهذا الدرس نتعلمه من دعاء كميل (بِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء) فيا أيها العبد إذا كنت تريد الخلود والبقاء ارتبط بهذا الباقي الذي لافناء له .

    ( اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ) يبين أمير المؤمنين (ع) أن علاقة ارتكاب الذنوب بهتك العصمة … وإنزال البلاء … وحبس الدعاء علاقة وثيقة جدا ، بعض الناس يرتكب خطيئة أو فاحشة في خلوة وكأنه لا يوجد من يطلع عليه . وحساب رب العالمين دقيق ، بعض الذنوب تهتك العصم ، وبعض الذنوب تغير النعم … يشتكي بعض الناس من تغير النعم كيف كان وكيف أصبح ، هذا العتب جيد ، وهذه النفس اللَّوَّامة محترمة ، ولكن ابحث عن السبب ، ما الذي غيَّر النعمة لديك ؟… كنت في العام الماضي تتأثر بمصائب سيد الشهداء (ع ) في شهري محرم وصفر ، والآن الخطيب يقرأ وأنت تنظر إليه ، ما الذي تغير في وجودك ؟… هذا القلب لم يعد يلتقط الإشارات … علينا النظر في موجبات التغير في حياتنا ، لم هتكت عصمتي ؟…لم وقعت في ضائقة مالية ؟…لم أصبت بصدمة اجتماعية ؟… و قبل أن أبحث عن زيد وعمرو وألقي اللوم عليهم لأبحث في نفسي . هذه النفس هي منشؤ المصائب ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ) ، قال الصادق (ع): (إنّ الرجل يذنب الذنب، فيُحرم صلاة الليل).. و أنت لا تعلم أي بلاء كانت ستدفعه عنك هذه الصلاة لو صليتها ، إنها معادلة في عالم مَحَبُوك عالم منتظم ، رب العالمين يضع معادلة فلان لولم يرتكب ذنبا يقوم الليل ، وإذا قام الليل سأدفع عنه كذا وكذا من البلاء ، ولكنه ارتكب الذنب فحرم صلاة الليل وفقد المسكين ما فقد .

    المطلعين على عالم الذرة والنبات والفلك والمجرات يرون المعادلات العجيبة في هذا الوجود ، والارتباط القائم ، غلاف الأوزون ينثقب فإذا بالحرارة تزيد … عَاَلمٌ مترابط … عَاَلمٌ متقن … عالم دقيق ، فهل يعقل أن يكون الإنسان خليفة الله على الأرض مُهْمَلا يعمل مايشاء ؟.. ويكون عالم الذرة والفضاء والغلاف الغازي عالم متتقن ، يقول تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ فهذا الخليفة ليس في حلٍ يفعل ما يشاء إنه محكوم : وفي الأحاديث القدسية خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ) وفي حديث آخر : ( لاتسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلبُ عبدي المؤمن ) و ( قلب المؤمن عرش الرحمن ) فأين هذه الأوصاف من واقع حياتنا ؟

    (اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ ) البعض في شهر رمضان على الخصوص يسأل : أنا دعوت الله … استغفرت ربي … تصدقت … بكيت … خشعت… تضرعت … ولكن أين الإجابة ؟ قد يكون الدعاء جيدا … ولكنك خلقت الموانع بيدك فإذا وجد المانع فالمؤثر لا يعطي أثره ، فلذلك الدعاء لا يؤثر. خذ عودا رطبة واجعلها في نارا مستعرة ، الخشب لا يحترق مع وجود الرطوبة فيه ، هناك سقف على رأسك ، ما صعد منك شيء جيد لا نقص فيه ، ولكن هذه المظلة هي التي حالت بينك وبين صعود الدعاء إلى رب العزة والجلال ، إذن كم خطيرة هي الذنوب ؟ ونحن نقرأ دعاء كميل قراء سطحية وكأنه وِرْد نريد أن ننتهي من قراءته رغم المعاني السامية فيه.

    ( اِلهي وَ مَوْلاي اَجْرَيْتَ عَلَي حُكْماً اِتَّبَعْتُ فيهِ هَوى نَفْسي ، وَ لَمْ اَحْتَرِسْ فيهِ مِنْ تَزْيينِ عَدُوّي ) إذا أردنا تجسيم هذه الفقرة سينتاب أحدَنا شعورٌ بالذهول والقلق والاضطراب ، إنَّ في مملكة وجود الإنسان قوة هي الطابور الخامس ، قوة الأهواء … قوة الشهوات وهي بمثابة جواسيس للشياطين ، وما أعظمها من قوى ! قوة هائلة … قوة الهوى ليست قوة هينة ، تتجلى هذه القوة عندما تختلي زليخة مع الصديق يوسف (ع) في ذلك الموقف ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ ربه – يوسف ٢٤ ﴾ كان يوسف (ع) يحتاج إلى مدد من رب العالمين ، فكيف بنا نحن ؟ الهوى بهذه القوة ، يضاف إلى ذلك أن الشيطان يزين للإنسان المعصية ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ- الحجر ٣٩﴾ إن في أصحاب الهوى والمجون والعشاق مثالا واضحا ، لنحلل عمل هؤلاء … سنوات وهم يخططون ليصلوا لما يريدوا ، يرى من يعشقها في يقْضَتِهِ و في نومه ، ثم بعد حصوله على ما يريد ، وإذا بهذه الطاقة المتجمعة عبر فترة من الزمن يجدها رخيصة جدا ، وليست بالمثابة التي يتوقعها . أرأيتم شهوة الشبع وشهوة الغرائز كيف تنطفئ في لحظات معدودة ؟… هذه هي الزينة (لأزَيِّنَنَّ) . بذلت من عمرك … من مالك … من وجاهتك … من شرفك … من دينك لأجل لحظات تمر مرور الكرام ، ويتعقبها الكسل والتعب والنوم ، هذه هي النموذج الأعلى من شهوات الدنيا ، ﴿ لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ – الحجر ٣٩﴾ إنها زينة ، كإنسان يريد أن يزوج شابا هو أجمل ما يكون على عجوزة في الثمانين ، ولكنها في قناع جميل ، سرعان ما يسقط هذا القناع ليعلم أنه عَقَدَ زواجَه على أي قبيحة !!… هذا هو واقع الحياة الدنيا ، وأحدنا في حياته كم مرَّ في حياته على حالات ندامة من هذا القبيل ، وهذا الإنسان يعترف بينه وبين المقربين بضياع العمر وتلفه في السفر وغيرها دون أن يحصل على شيء يُعْتَدُ به .

    مثلا :
    ١ .في أشهر الصيف في الأسفار ، الناس يبيعون شيئا من دينهم لدنياهم ، فهو في الطائرة يعفي نفسه عن الصلاة في وقتها أوحتى في غير وقتها ، والحال أن التكليف لا يسقط بحال .


    ٢. زوجته في بلده لايكاد يراها أحد ، وفي بلاد الغربة تصبح وكأنها امرأة مختلفة .


    لنحذر من تزيين الشيطان لنا في حياتنا ، لنحلل كل أمر ، لهذا المؤمن عندما يُقْدِم على أمر لابد أن يفكر في عواقب ذلك الأمر ، ما الدافع ؟ … في منطلقاتنا في أغلب أعمالنا حتى التي فيها صبغة الدِّين ، وفيها خدمة مذهب سيد المرسلين ، يجب ان نلاحظ الدواعي الخفية ، كما يقول الأمير ( ع) : ( وَ كَمْ مِنْ ثَناءٍ جَميلٍ لَسْتُ اَهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ ) الناس يرون ظاهر الأمر ، يرون الخطابة الجيدة ، يرون الوجاهة ….. ولكن ما هي الدوافع ؟ لا يعلم ذلك إلا ستَّار العيوب وغفَّار الذنوب ، و المؤمن الذي لا يفك هذه المعادلات في نفسه يبقى كما هو إلى أبد الآبدين .

    ( اَتُسَلِّطُ النّارَ عَلى …. جَوارِحَ سَعَتْ إلى أوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً ، وَ عَلى ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً) وهي من الفقرات المؤمِّلة – بمعنى تبعث الأمل – في الدعاء . أوطان التعبد هي : المساجد الحج العمرة الزيارة والمشاهد . في هذا اليوم رأيت بعض الأخوان يأتون من أماكن بعيدة مشيا في حر هذا الشمس ، هذه الخطوات التي انتقلت بها إلى بيت من بيوت الله … جئت طائعا إلى هذا المسجد غير مكره ، يوم القيامة قولوا لرب العالمين : لإن خالفناك في أوامر كثيرة ، فنحن قد أطعناك في بعض الأوامر ، فهذه من الساعات القيمة في حياتكم ، فلعل هذه الساعات تشفع لنا في ساعة العرض الأكبر ، هذه الجوارح وهذه القلوب تشفع للإنسان في ذلك الموقف .

    (يا رَبِّ ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحي ) يارب بعد أن عرضنا قصة الضعف البشري … تزيين الشيطان … تزيين العدو ( فغرني بما أهوى وأسعده على ذلك القضاء ) بعد هذه الشكاوى ، بعد هذه التألمات ، يقول يارب الذي ينفعني هو المدد منك يارب العالمين . هذه الجوارح تابعة للهوى لا للعقل إن لم تأخذ بيد هذه الجوارح فأنا ساقط في الهاوية .

    ( وَ اشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي ) العقل يعتقد أن هذا فيه الخطر ، ولكن ماذا أفعل مع الهوى ؟
    العقل يشدك إلى جهة ، والهوى يشدك إلى جهة أخرى ، ما الذي يفصل النزاع ؟… مددٌ وقوةٌ من رب العالمين . ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ – القصص ١٠﴾ أم موسى تلقي بولدها في النيل المضطرب النيل المائج ، الربط على القلوب إخواني سنة متكررة في حياة الصلحاء والأنبياء .

    (وَ هَبْ لِيَ الْجِدَّ في خَشْيَتِكَ) عجبا يا أمير المؤمنين !.. هناك هزْلٌ في الخشية ؟!… نعم ، الإنسان الذي يخشى يوما ولا يخشى يوما فهذا إنسان متلاعب ، الموظف الذي يأتي يوما للشركة ويتغيب يوما ، فهذا موظف مستهتر، وإن كان اليوم الذي يحضر إلى الدوام يبذل قصارى جهده ، هذا الحال بالنسبة للذي يترك يوما ، فكيف الحال بالذي يتغيب أشهرا عن مقر عمله ؟.. هذا هزَل مع رب العالمين .

    ( وَ الدَّوامَ فِي الاِْتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ ) وهنا المصيبة … ليلة من ليالي القدر نحلق في الأجواء العالية جدا ، صاحبنا يأتي وعيونه كالعَلقة … كالدم الأحمر ، ولكن بعد شهر رمضان ينتهي كل شيء ، ويرجع المرء إلى ما كان فيه . في الحج يصبح وكأنه قديس يطلق اللحية … يظن المرء عندما يراه وكأنه لا يوجد من هو أقدس منه في هذه البقعة ، وإذا به من اليوم الثاني يغير الهيئة الظاهرية والباطنية معا ، وهذا الأمر يتكرر في محرم وصفر ، الدوام في الخشية وفي الاتصال بالعبودية أمر مهم .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X